· ماجدة الصباحي ل«صوت الأمة»: بعت ميراثي وكدت أتعرض للاغتيال من أجل ثورة الجزائر · مصدومة من المهاترات الجزائرية والشحن العدائي ضد مصر قبل ساعات قليلة من المباراة التي انتهت بانتكاسة مصرية في حلم الصعود للمونديال استقبلتني الفنانة ماجدة الصباحي في منزلها الأنيق، الذي يحوي بين جدرانه ذكريات عمرها، ومشاهد من القصص والحكايات المثيرة في حياتها عن الفن والسياسة. نظام عبدالناصر وثورة الجزائر.. والمخابرات وجميلة بوحريد.. والمخاوف من محاولة إغتيال ماجدة في بيروت، والكثير من القصص التي لايعرفها الكثيرون من الشباب الجزائري وخاصة ممن يثيرون الفتنة ويشعلون نيران الكراهية ضد مصروشعبها. أدرت جهاز الكاسيت، وراحت ماجدة الصباحي تتحدث بعفوية دون انتظار أسئلة مني، فهي تدرك جيدا ما الذي أريد أن أعرفه منها فهي صانعة لوثيقة الإدانة الدولية للاستعمار الفرنسي علي الجزائر وشاهدة عيان علي وقائع تاريخية عن دور مصر الرسمي في دعم ثورة الجزائر حتي نالت استقلالها وحريتها. وخاصة أن زيارتي جاءت متزامنة مع التعبئة الإعلامية غير المبررة ضد مصر. قالت ماجدة: طول عمر الجزائر في حضن مصر والمصريين وهذه رسالتنا التي لن نتخلي عنها تجاه الأشقاء وما يحدث الآن من مهاترات وأساليب شحن عدائية هي من الاشياء التي تصيب بصدمة لأنها غير متوقعة وليس لها تفسير سوي أنها ظواهر غريبة علي مجتمعاتنا العربية لكن بعض الشباب الذي يحرض علي الهياج والفتنة فلهم عذرهم لأنهم لايعرفون الحقيقة التي لاتقبل جدلا.. وهي أن مصر موجودة في قلب المشكلات والأحداث العربية بدون دعوة باعتبارها الأم أو الشقيقة الكبري التي لاتبخل بعطاء أو مساندة أو تدخل عندما يلزم الأمر. لأن عدونا جميعا واحد، ومصالحنا مشتركة، ومصيرنا واحد، ولايمكن أن يفرقنا «ماتش كورة» «علشان كده» معذورين وغير مدركين مهما كانت نتيجة المباراة فالذي سيكسب هو منتخب دولة عربية وما أريد أن أقوله في هذه المناسبة اذا كان من حق أي مواطن عربي أن يتحمس لمنتخب بلاده، فليس من حقه توجيه أي إساءة لغيره.. وخاصة مصر. قاطعت تواصلها بسؤال ليه مصر بالذات؟ ويبدو أن مقاطعتي لها حرضت الذاكرة علي تدفق المعلومات بحيوية فبدأت تروي حكايتها مع الثورة الجزائرية و«جميلة بوحريد» لكن يعرف الشباب المضلل جزءا من حكاية مصر مع الجزائر وثورتها. أما التفاصيل فتقول إنه عام 1959 كان جهاد الثوار والفدائيين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي قد نما ووصل إلي مرحلة الابهار بتوجيهه لضربات موجعة في معسكرات الاحتلال ووقتها كانت ماجدة الصباحي تتابع مثل غيرها بشغف قصص البطولات وتوقفت أمام بعض القصاصات الورقية التي تناولت كفاح الفتيات الثائرات هناك وأغرتها تلك القصص التي توقفت عند إحداها كنموذج وهي قصة «جميلة بوحريد» لأنها كانت الأكثر شهرة بين الفتيات ووجدت ضالتها التي كانت تبحث عنها فذهبت إلي «فطاحل» الكتاب والمفكرين من المشاهير وتمت كتابة العمل السينمائي بأقلام «يوسف السباعي- نجيب محفوظ- عبدالرحمن الشرقاوي- علي الزرقاني» اجتمع هؤلاء بكل ثقلهم الأدبي لإعداد هذا العمل وقررت ماجدة إنتاج الفيلم علي نفقتها الخاصة، وهي لاتعلم أنها ستصنع وثيقة تاريخية تساهم في الحشد الدولي ضد الإستعمار الفرنسي لكي يجلو عن الجزائر. ماجدة الصباحي التي تعود جذورها إلي إحدي العائلات الثرية التي لعبت دورا في جلاء الإنجليز عن مصر كان لديها إرث عبارة عن 40 فدانا باعت منه عشرة أفدنة للإنفاق علي انتاج فيلم «جميلة بوحريد» في تلك الأثناء جرت الاتصالات بينها وبين أعضاء اللجنة العليا لثورة الجزائر التي كانت تتخذ من القاهرة وبدعم من ثورة يوليو مقرا لها وأمدوها بالمعلومات الكافية عن شخصية «جميلة» وهنا لابد من الحديث عن الدور المصري الرسمي من خلال المخابرات العامة في دعم ماجدة ومساندتها معنويا وأدبيا لإنجاز في هذا الفيلم السينمائي بأن أتاحت لها المخابرات صورا شخصية ل«جميلة» بالإضافة إلي صور واقعية تصف بالتفصيل الحي الذي يتخذ منه الفدائيون مقرا لإنطلاق عملياتهم ضد الإحتلال بناياته وشوارعه وهذا الحي اسمه «القصبة». تقول ماجدة الصباحي في هذا السياق أنها كانت صغيرة في ذلك الوقت وكان هذا العمل يمثل عبئا أكبر من طاقتها لكن التوفيق كان من الله ومساندة المخابرات بالدعم المعنوي وتوفير المعلومات من اللجنة العليا فساهموا جميعا في تحقيق هذا الإنجاز القومي فهي كانت علي حد قولها بنت صغيرة عادية لم تولد وفي يدها علم أو بندقية لكن الأحداث والمواقف هي التي شكلت إرادتها وحماسها فقد كانت متابعة مصر من الناحية الرسمية تتم من خلال دعم وتشجيع فتحي الديب مسئول الشئون العربية في عهد عبدالناصر. بعد إنجاز الفيلم الذي يجسد شخصية الثائرة «جميلة بوحريد» جري عرضه في 16 دولة من بينها فرنسا نفسها وعندما شاهده الفيلسوف الفرنسي العالمي «جون بول سارتر» قال «لقد هزتني الممثلة الصغيرة الكبيرة وانتزعت من عيني الدموع، وأنستني جنسيتي.. وتناولته الصحف الفرنسية بنوع من الحفاوة والابهار والتعاطف مع الشعب المحتل الأمر الذي هز صورة الحكومة الفرنسية أمام شعبها في الداخل أما في الخارج فقد كان رد الفعل أقوي بكثير لأن عرضه تزامن مع اشتعال الثورة الجزائرية فقد ظل الفيلم معروضا في الصين ودول آسيا لمدة 20 عاما كاملة لكننا سنتوقف في بيروت التي عرض فيها عام 1960 واحتجت الحكومة الفرنسية علي عرضه، وهددت بقطع العلاقات السياسية لكنها لم تنجح وهنا برزت المخاوف من اغتيال ماجدة الصباحي «أو جميلة بوحريد المصرية» ولم تجد السلطات اللبنانية أمامها سوي تكليف الفرقة 16 المعنية بحماية الشخصيات الأجنبية لمرافقة جميلة المصرية وحمايتها فترة الاحتفالات بالفيلم الذي أثر بشكل غير مسبوق في الرأي العالم العالمي واعتبره الصليب الأحمر وقتها وثيقة إدانة بالصوت والصورة لبشاعة الاحتلال الفرنسي وتعذيب الجزائريين وساهم في تعزيز وجهة نظر الصليب الأحمر تلك المظاهرات التي اندلعت في العواصم العالمية بعد عرض الفيلم علي مواطنيها وخاصة في كل من الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا. وبعد حصول الجزائر علي الاستقلال صار منزل جميلة المصرية قبلة لقيادات الثورة الجزائرية يقصدون زيارته عند قدومهم إلي القاهرة. وارتبط البعض منهم بعلاقة صداقة أسرية حميمة معها من بين هؤلاء أحمد بن بيلا الرئيس الجزائري الأسبق وأحد أبرز قادة الثورة فعندما يأتي للقاهرة زائرا مع زوجته تبادر ماجدة الصباحي لدعوتهما في منزلها. في لقائي مع جميلة المصرية بمنزلها وصفت لي حجم سعادتها، وهي تسمع من القيادات الجزائرية احترامهم لمصر ودورها في حصول الجزائر علي حريتها واستقلالها وواصلت قائلة «اللي مش عارف نفكره بدور مصر ونعرفهم أننا ممكن نختلف لكن لانتخاصم لأنهم يهمونا رضوا أم لم يرضوا هذه هي الحقيقة»! مشاعر الغضب والكراهية التي شاهدناها ربما تترك في نفوس المصريين ألما وليس ندما فنحن شعب لايندم علي مواقفه تجاه الجزائر أو غيرها من البلدان العربية لكن فقط أردنا أن نروي قصة فيلم وثورة تتذكرها ماجدة الصباحي وتتذكر كيف إلتقت ب«جميلة بوحريد» التي تزوجت محاميها الفرنسي الذي دافع عنها أثناء محاكمتها ثم انفصلت عنه وعادت لتعالج في الجزائر.. وفي زيارتها الأخيرة لم تنس جميلة المصرية أن تزور حورية بوحريد، ابنة عم الثائرة الجزائرية التي عرفها العالم كله في شخصية وروعة ماجدة الصباحي.