هذا الصباح غير العادي في حياتي.. قررت أن أكون أمرأة جديدة.. سأخلع طيبتي ونبلي ونقائي وصدقي وكل صفاتي التي تشعرني بالوحدة وتجعلني فريسة سهلة وامرأة غبية لاتعرف الصالح من الطالح، وحياة بائسة مليئة بالطعنات الغادرة والحيرة وآلاف الأسئلة التي ليس لها جواب.. لن أشرب الشاي بالحليب الذي أشربه في الصباح.. سأبدله بقهوة مرة بمرارة هذا الزمن الملوث المغلوط.. لن أنتظر مديرة بيتي في فراشي حتي نتسامر سويا بود، فهي ليست بحجم ثقافتي، وهناك فوارق اجتماعية بيني وبينها، ولن أمسك الموبايل لأطمئن علي أولادي وزوجي وأصدقائي وأحبائي غير مبالية بحجم فاتورة الموبايل.. لن أصبح علي عصافيري حين أفتح الشرفة وأجدها يغردون علي شجرتي المعهودة الحميمة إلي قبلي.. لن أرد علي أي أحد يتصل بي وأدعي أنني لم أسمع الهاتف.. سأنهر البواب بصوت عال لأنه لم يمسح لي السيارة جيداً ولن أعطيه أي مبلغ زيادة عن كل سكان العمارة.. سأعقد حاجبي بتكشيرة مصطنعة حتي يعلم الناس أني أصبحت منهم.. لن أقف للمارة حتي يقطعون الشارع بصبر كما كنت أفعل دائما، ولن أوصل العواجيز إلي منازلهم بسيارتي الخاصة حين أحزن علي منظرهم وهم يقفون في الشمس ينتظرون أي مواصلة تقلهم إلي مقصودهم.. لن ألتزم بقواعد السير وسأكون أنانية ولئيمة في التعامل مع الناس أكذب وأنافق وأتعالي وأتباخل وأدعي الفقر وأدعي المرض حتي لايحسدني أحد.. ولن أصدق أحداً ولن ألتزم بالمواعيد ولن أصغي لأحد حين يتلكم ولن أشفق علي مسكين ولن ألتزم بصلة الرحم وود الأقارب والمحتاجين ولن أتحامل علي نفسي من أجل الغير بمالي وصحتي ووقتي ولن أكون أنا.. سأكون منكم وأرتدي ثوبكم القاتم العفن المطرز بخيوط الكذب والرياء والتصنع والزيف والحقد والخبث.. سأغتسل من نقائي بمائكم العكر الملوث وأعانق الشيطان وأعترف أيها البشر أنني هزمت وكدت أفقد عقلي علي ما كنت فيه من براءة وطيبة.. فلم أكن أعلم أن الطيبة في عرفكم هبل.. وأن البراءة سذاجة.. سأسقط من عالمي إلي عالمكم.. فالسقوط سهل، أما الصعود إلي القيم والأخلاق في هذا الزمن فهو شيء عسير.. سأحتفل اليوم بدخول عالمكم، وسأسجل أعلي رقم في الأنانية وسوء الخلق والقسوة والصلافه.