شهران حتى الآن، على بث فيديو ذبح الأقباط المصريين فى ليبيا، ولم يتم الاعلان من جانب الحكومة المصرية عن أى إجراء قانونى ضد مرتكبى الحادث البشع، الذى أدمى المصريين والعالم الحر. وكنت أعتقد أن الضربة الجوية السريعة والخاطفة التى قام بها الجيش المصرى لمعاقل الإرهابيين الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة ستكون بداية لسلسلة من الإجراءات العقابية والمطاردة لهؤلاء القتلة، لكن الضربة كانت البداية والنهاية. أما التحرك القانونى تجاه هذه الجريمة الشنيعة، فجاء عبر مؤسسة حديثة نشأت مؤخرا تدعى «العدالة أولا»، اتفقت مع المحامى الدولى لويس أوكامبو الذى كان المدعى العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية والذى ظل يطارد الرئيس السودانى عمر حسن البشير بتهم التخطيط لإبادة جماعية وارتكاب جرائم حرب فى دارفور، لفترة طويلة، حتى توقف مجلس الامن الدولى عن مساندته، وتفاوض مع البشير على القبول باستفتاء انفصال جنوب السودان مقابل التوقف عن مطاردته. أوكامبو كان شديد التواضع عندما قال لي: صحيح لم نفلح فى محاكمة البشير، لكننا أرعبنا كل حكام العالم، خاصة الحكام العرب الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية. سألته عن قتلة المصريين الذين تسعى الأممالمتحدة للتفاوض معهم الآن وإجراء مصالحة بينهم وبين بقية الفصائل المتنازعة، فكان رده، من أجل ذلك قررت التعاون مع مؤسسة «العدالة أولا» فليس من المنطقى أن أطلب من مبعوث الأممالمتحدة ألا يتفاوض مع هذا الشخص أو ذاك دون أن أقدم له البراهين والأدلة على أنه إرهابى أو شارك فى جرائم ضد الإنسانية. قلت له إذا كانت كل أجهزة المخابرات العالمية تعلم تماما من هم الإرهابيين الذين قتلوا الأقباط المصريين والإثيوبيين، فكيف لا تعلم الأممالمتحدة ذلك الأمر؟. قال اوكامبو الذى حاكم جنرالات بلاده الأرجنتين عندما كان مدعى عام الأرجنتين بتهمة القتل والفساد: المشكلة أننا قد نخلط الأوراق دون أن نحدد حدود وظيفة كل فرد فى العمل، فمثلا ليس بالضرورة أن تبلغ أجهزة المخابرات مبعوث الأممالمتحدة بالمعلومات الضرورية عن هؤلاء الأشخاص، لأسباب لا أعلمها، لكن وظيفة المجتمع المدنى الدولى أن يفعل هذا الأمر، وهذا هو لب القضية. وأضاف أوكامبو، يوم الأحد المقبل سأجتمع بمجموعة من رجال القبائل الليبيين، لنحدد أسسًا واضحة لجمع الاستدلالات والقرائن على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان فى ليبيا، وتوثيق الجرائم وتقديم المتهمين الضالعين فى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب والخطف والاغتيالات والاغتصاب إلى المحاكم الدولية. هل معنى هذا أنكم ستتعاملون مع حكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا؟ قال: سأتعامل مع الكيانات القبلية الموجودة والمترسخة فى التربة الليبية، فأنا كمحام دولى لا أتعامل مع الحكومات، سواء فى الشرق أو الغرب. قلت له القبائل الموالية للغرب لن تأتى إليك فى مصر، ومن سيأتى إليك ستكون القبائل الموالية للشرق فقط، فهل ستعمل مع طرف ضد آخر؟، قال أشكرك على هذه النصيحة، سأذهب إذا إلى تونس، وأقابل مشايخ قبائل الغرب، فأنا أسعى إلى نفس الهدف الذى ينشده الليبيون، لتحقيق العدالة. وكيف ترى العدالة فى بلد لم يعد له أى ملامح دولة؟ قال لى حسن ططناكى مؤسس «العدالة أولا»، كنت آمل أن تقوم الحكومة الشرعية فى بنغازى بترميم المنازل والبيوت والشوارع وتحقيق نموذج لحياة الاستقرار المنشود فى ليبيا كى يحتذى بها فى بقية المناطق، ويسعى لتحقيقها الجميع، لكن ما حدث أن المناطق المحررة من الإرهابيين، ظلت كما هى بأطلالها، ومشاكلها ونقص الخدمات فيها، وبالتالى ليس هناك نموذج أمل من الممكن أن يفعل فعل السحر ليكون بديلا عن الخراب والدمار، لذلك كان على القبائل أن تسعى لتحقيق العدالة بالمنطق العرفى الذى يحترم جدا فى ليبيا. عدت وسألت أوكامبو الذى عمل كأستاذ زائر فى جامعة هارفارد الشهيرة فى الولاياتالمتحدة، هل بدأتم فى تجميع الأدلة وتوثيق الانتهاكات؟، قال لى: وضعنا اللبنة الأولى، ويوم الأحد سنفتح الباب للقبائل بأن تساهم وتعمل وفقا للأسس العلمية المعترف بها دوليا، حتى تكون مطالبتنا بمحاكمة هؤلاء أو استبعادهم متوافقة والقوانين والشرائع الدولية. سألت مؤسس «العدالة أولا» كيف ترى الخطر على مصر من اختفاء العدالة فى ليبيا؟ فمسك الرجل ورقة ورسم خريطة لبلاده، وأشار إلى درنة التى يحتلها تنظيم الدولة ويدير منها إرهابه، وقال درنة نهاية هضبة تطل على الحدود المصرية، والإرهاب لا يسير فى طريق مستقيم،، لكنه يلتوى كما الثعبان، وليس لدى شك من أن هذا التنظيم كان وراء حادث قتل جنود الجيش المصرى فى الوادى الجديد. ثم أشار إلى الخريطة وقال الدروب الصحراوية محفورة فى رأس الداعشيين، ويعرفون متى وكيف يتحركون، وللأسف ليس هناك عقاب على من يرتكب جريمة فى ليبيا، فمن السهل أن تمنح عشرين ألف دولار لشابين ومعهما سيارة دفع رباعى وتطلب منهما أن يحكم سيطرتهما على هذا الطريق أو ذاك. ماذا تعتقد أن هذين الشابين سيفعلانه؟ سيمارسان اللعبة المعروفة تخويف ثم ابتزاز ثم إرهاب، وكلما منحتهم مالا سينفذان ما تريد بلا نقاش، ولو منحتهما صكا دينيا سيفعلان الأفاعيل باسم الدين، وهم يجهلانه، من أجل ذلك كانت فكرة المؤسسة، السعى لتحقيق العدالة، ومعاقبة المجرم، وقتها سيتوقف المدد من المنبع، وسيعلم كل من يرتكب حماقة أنه سيحاسب ولن يفلت من العقاب.