شغل الوضع الملتهب فى مصر أنظار الصحافة العالمية وخبراء شئون الشرق الأوسط، ففى صحيفة التايمز البريطانية كتب إد حسين أن مصر ليست دولة لها جيش بل جيش له دولة، ويفسر حسين قوله بأنه فى مصر لم يكن هناك زعيم للثورة كما هو الحال فى ميانمار التى ظهرت فيها أونج سان سو كى زعيمة المعارضة هناك، ويقول إن الشباب الذى قام بالثورة تمكن بالفعل من الإطاحة بمبارك الذى يقترب من نهايته ولكنه لم يتخلص ممن خلفوه، فبعد 18 شهراً من الثورة فى مصر يجد الشباب المنهك الذى لا زعيم له نفسه عاجزاً على وقف النظام القديم من إعادة التأكيد على وجوده مجدداً. وكتب حسين أن حل المجلس العسكرى للبرلمان المنتخب والإعلان الدستورى أحادى الجانب لمنع الرئيس الجديد من ممارسة سلطة حقيقية كان بمثابة «كارثة» لتلك الديمقراطية الجديدة، ولكن يتابع العالم ذلك دون غضب فلم تقم دول الاتحاد الأوروبى أو الولاياتالمتحدة بإدانة ذلك، ويضيف أن جرأة المجلس العسكرى لا تعرف حدوداً. ويضيف حسين أن الرائحة الكريهة لمياه الصرف الصحى وأكوام القمامة فى القاهرة القديمة تعد بمثابة تذكير يومى لملايين المصريين عن تدهور دولتهم، ويرى أن هذا التدهور يشمل عدة نواحى منها الزحام وعدم توافر وظائف مناسبة وتدهور مستوى المدارس والمستشفيات هو الذى أدى بالمصريين إلى عدم الخوف من الحكومة وإطلاق هتافات «حرية وكرامة وعدالة إجتماعية» ليلة بعد ليلة فى ميدان التحرير، ويرى وأن مناورات المجلس العسكرى تعد إهانة لتلك الشعارات التى رفعها المصريون، ويقول حسين إنه بغض النظر عن الفائز فى انتخابات الرئاسة سواء كان مرسى أو شفيق فإنه لن تكون له سلطات فى وجود المجلس العسكرى الذى وصفه بأنه هو الفائز الحقيقى فى الانتخابات. والأسوأ، وفقاً لما يراه حسين هو أن كبير مستشارى المجلس العسكري، وفقاً لما كتبته التايمز، أكد أن الرئيس «سيظل فى منصبه لمدة قصيرة سواء قبل أو رفض ذلك، فالدستور الجديد سيتطلب رئيساً جديداً» فبدون سياسيين منتخبين، يبدو أن المجلس العسكرى والقلة التى يختارها ستكتب الدستور الجديد. ويرى حسين أنه على الرغم من أن الشباب الثورى فى مصر لم يحقق ما طالب به بعد، غير أنه لم يعد يخف من نظام الحكم العسكرى كما كان الحال سابقاً، ورغم أن التطورات المؤسسية لم تتحقق فى مصر، غير أن الثورة غيرت حياة المصريين للأبد، فصار اليوم فى مقدورهم الحديث فى السياسة دون أن يخافوا إلقاء القبض عليهم كما أنهم أمنوا حرية التجمع وتقدموا فى مجال حرية الصحافة ووضعوا الحاجة للديمقراطية ضمن أولويات السياسات العربية، غير أن عدم وجود قيادة وضعف التنظيم تعنى أنهم لن يضمنوا تحقيق أهدافهم فى أى وقت قريب. أما المجلس العسكري، فقد وضع نفسه فى وضع تصادمى مع الثورة المصرية بتدخله الأخير، والمسرح مهيأ للمزيد من المواجهات والمصادمات العنيفة مع مجموعة مختلفة وهى الإخوان المسلمين. ويستشهد حسين بما قاله خيرت الشاطر بأن الثورة القادمة ستكون أقل سلمية وأكثر عنفاً وأنه سيكون من الصعب السيطرة على الشوارع، وقوله إن بعض الأطراف، وليس الإخوان المسلمون، قد يلجأون إلى المزيد من العنف والتطرف. فعندما يجد الناس أن باب التغيير السلمى مغلق، تكون تلك دعوة للعنف، ويرى حسين أن تلك المقولات تعد مثالاً على أسلوب الإخوان المسلمين الذى يتمثل فى رفع درجة الحرارة وتوقع وتبرير العنف، ثم الادعاء بأنهم ليسوا طرفاً مباشراً فيه، ويرى حسين أنه من خلال زياراته لمصر شعر بأن الوضع تغير كثيراً، فكلمة فلول كانت وصمة على جبين من يوصف بها بعد الثورة أما اليوم فقد صارت الكلمة مصدر فخر كثير من الناس. فهناك الكثير من المصريين الذين ملوا من المظاهرات، فهؤلاء يريدون عودة السياح وانسياب المرور فى وسط المدينة وعودة الاستقرار «القديم»، وحتى وفقاً لما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين، تشير الأرقام إلى أن 48% من الناخبين أيدوا الفريق أحمد شفيق الذى تصفه الجماعة بأنه من «الفلول». أما ستيفن كوك الكاتب الأمريكى المتخصص فى الشئون المصرية بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى فقال: إن الإعلان الدستورى الأخير للمجلس العسكرى يشير إلى أنه عندما يتعلق الأمر بمصالح الضباط، فإنه يمكنهم استخدام خليط من الإكراه والنفوذ وإحساسهم بالواجب الوطنى لتدمير الحكومات الشرعية والعمليات السياسية، يشير كوك إلى أن هناك جدلاً فى مصر بأن ما فعله المجلس العسكرى هو انقلاب فعلي، رغم إنهم لم يقوموا بنشر القوات فى المواقع الحساسة أو يستولوا على مبنى التليفزيون فهو بالفعل تحت سيطرتهما، كما أنهم لم يلقوا القبض على السياسيين ولم يقوموا بنشر بيانات مسلسلة للإعلان عن نظام جديد وهى من علامات الانقلابات العسكرية فى مختلف أنحاء العالم. وعلاوة على ذلك، تصرف المجلس العسكرى بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان وأعلنوا بعدها أنهم ملتزمون بتسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب فى أول يوليه. ولكن مع منع أعضاء مجلس الشعب من دخول البرلمان ومنح المجلس العسكرى لنفسه سلطات جديدة بموجب الإعلان الدستورى المكمل والحد من سلطات الرئيس فمن المؤكد أن الأمر يبدو كانقلاب، ويشير كوك إلى أن هذا «الشئ الذى لا يبدو كإنقلاب واضح» له سابقة فى تركيا عندما قام الجيش التركى كانقلاب مماثل فى عام 1997 فيما عرف باسم «عملية 28 فبراير» وفيها أصدرت رئاسة الأركان التركية سلسلة من «التوصيات» التى كانت في حقيقة الأمر عبارة عن أوامر لرئيس الوزراء الإسلامى أربكان كى ينفذها لحماية النظام السياسى العلمانى فى تركيا وكان الهدف من ذلك هو حماية الضباط الأتراك لمصالحهم، ويرى كوك أيضاً تشابهاً بين ما يحدث فى مصر تلك الأيام وبين ما حدث فى الجزائر فى التسعينيات عندما ألغيت الانتخابات التى فازت بها جبهة الإنقاذ ولكنه يرى أن مصر لن تسلك الطريق الذى سلكته الجزائر فى السابق وإن تشابهت الأوضاع السياسية فى الدول الثلاث لأنه فى حالات الدول الثلاث كان الضباط المستفيدين الرئيسيين وبالتالى فهم المدافعون عن تلك الأنظمة، ويختم كوك بالقول بأنه سواء كان الانقلاب فى مصر على شكل دبابات فى الشوارع أو مذكرات أو إعلانات دستورية، فإن المصالح المتنوعة للضباط سواء كانت سياسية أو اقتصادية قد تمت حمايتها ولكن سيدفع المجتمع ثمن ذلك. نشر بالعدد 603 بتاريخ 2/7/2012