لا أنكر أن عندي شك في ظروف مصرعه المفاجئ، والذي كان الافتتاحية لمذبحة العباسية الدامية . قد يكون شكي هذا مجرد رفض لقبول حقيقة وفاته، وفي غياب القرائن لا أستطيع إلا الاحتفاظ بهواجسي لنفسي، واجترار حزني عليه مع الرفاق في صمت، والدعاء لاحتساب علاء فايز حمزة "شهيد دفعتنا" من خريجي طب عين شمس دفعة ديسمبر 1981 . بتجميع القليل مما سمعت حول تصديه الحاسم لمحاولات البعض إدخال البلطجية للحرم الجامعي في اليوم السابق للوفاة (لتنفيذ عملياتهم القذرة من داخل الحرم)، ثم بتأكيد الجميع لتزامن اقتحام البلطجية للجامعة في نفس وقت الحادث، وحتي قبل أن يلفظ هوأنفاسه الأخيرة في المستشفي.. لكل هذا لا أستطيع مقاومة ظنوني في ملابسات مصرع أول رئيس جامعة منتخب لنا . كانت شخصيته قوية محبوبة مليئة بالحيوية .. جراح ناجح حاسم لا يخضع للتهديد ولا للإغراءات . . التحم بالطلبة في تظاهراتهم واعتصاماتهم، وكان دائما رد فعله تلقائيا ومتجاوباً مع غضبهم وآمالهم وأحلامهم .. نشط متحرك بين الكليات يسمع لصغار العاملين فيصبر ويناقش وينفذ إذا اقتنع أويصل لحل وسط معهم . كان علاء مناصرا للحق وللعدل، وبالتالي صار عاملا مؤثرا، سواء في مجاله الحيوي المحدود بكليات جامعته أوعلي مستوي الجامعات الأخري بالقاهرة والأقاليم، وبالتالي قارن الجميع بين آدائه وآداء أقرانه من رؤساء الجامعات، وطالبوا بمنسوب حرية ومناصرة لروح وأهداف الثورة مماثل لما يحصل عليه طلبة وأعضاء هيئة تدريس عين شمس... لهذا كله كان علاء فايز خطرا علي البعض، وربما كان يجب أن يختفي للأبد. من هم ؟ إن كان شكي في محله، سنعرفهم إن عاجلا أوآجلا لأن ربك لبالمرصاد. لكن في جميع الأحوال هل سنسكت ونضيع أثره هباء .. أم نقاوم بالكلمة والذكري والتوثيق؟ أنا مدينة لمالك مصطفي بفكرة تحويل طاقة حزننا لفعل مقاومة إيجابي، وذلك بمساعدتي في مشروع كتاب نرسم فيه جميعا سويا ملامحه الشخصية للاسترشاد بها، سواء في وضعنا لعلامات الحد ال « benchmarking » للمطلوب من الموظف العام في مرحلة ما بعد الثورة، أولمجرد تكريم ذكراه لأبنائه وأسرته، أوربما كدراسة تحليلية للعناصر الشخصية الإيجابية المؤثرة عنده، وهوما قد يفيد المجتمع علي نحوأوآخر. أيا ما يكون نحن أمام تجربة إنسان ناجح لم يفقد إنسانيته للحظة واحدة - تجربة تستحق الدراسة. لشخصية علاء فايز جوانب عديدة أثرت فيها تربية أم وأب حنونيين، لكنهما حازمان لحد كبير، ثم صقلته ممارسته رياضة جماعية هي كرة الماء تعود من خلالها أن يعمل وينجح من خلال فريق، وأن يتقبل النصر كما يتقبل الهزيمة. كان لاهتمامه بدراسته الجامعية وتفوقه العلمي فيها تأثيرا مهما، لكن من المؤكد أن سفره وتدريبه بالخارج أثرا عليه كثيرا فعاد لوطنه بطموح عال حققه من خلال وحدة الرعاية المركزة لجراحة الأطفال التي أشرف علي إنشائها وإدارتها وتطويرها لأكثر من عشرين عاما . وحدة خدمت أطفال عائلات آلاف الفقراء بمستوي طبي راق . كذلك نستطيع في الكتاب أن نلقي الضوء علي دوره في السنوات العشر الأخيرة في تأسيس ودعم أول فريق زرع كبد مصري 100%، وكذلك نشاطه الخيري سواء من خلال مؤسسة "يحي عرفة" أوغيرها. وآخيرا لا آخرس كان خروجه من الإطار الطبي المحدود نحو آفاق الشأن الأكاديمي ليتصدي لإدارة ثاني أكبر جامعة مصرية( وعش دبابير إدارات أمنية سابقة ) معتمدا فقط علي عقله وضميره وإيمانه بالله وبقوة الحق . بلا سابق خبرة إدارية كعميد ولا حتي كرئيس قسم، ولا أي علاقات شخصية تقدمه لمجتمع قصر الزعفرانة.. اقتحم القصر والمجال واستطاع في أشهر معدودة أن يتربع علي عرش القلوب ليفرض معاييره بالبساطة والبراءة والتلقائية فلا يصح عنده إلا الصحيح، آخذا المواضيع بالجدية اللازمة، مع احتفاظه بروحه الساخرة ابدا. تناقض لا يقدر عليه إلا علاء فايز الذي تشيح بوجهه عاملة عجوز ضجرة، تجلس في إحدي طرقات كلية الآداب، وهويسألها عن مكتب أحد الأساتذة فتجيبه متبرمة من مكانها باقتضاب فيضل الطريق، ويلف ليعود من حيث بدأ، ثم يروي لنا القصة ضاحكا، متندرا بحاله وهويستكشف الأوضاع والأماكن بالكليات في أسابيع عمله الأولي بالجامعة.. لهذا يجب أن نتوقف قليلا لنحول حزن المئات والآلاف منا، الذين رافقوه لمثواه الآخير، لكلمات وصفحات تلهمنا وتزيدنا عزما، وتنير الطريق لمن يجيئون بعدنا. تفتقر ثقافتنا للسير الذاتية، وذلك علي أهميتها ودورها في نقل التجارب وتواصل الخبرات وبناء القدرة علي التأمل والاعتبار، وكلها قيم تسود في الثقافة الغربية المدونة عنها في ثقافتنا السماعي الشفاهية. فليكن إذا كتابنا الجماعي عن علاء فايز نقلة موضوعية في هذا المنحي . ليكتب كل منا قصصه معه ولنجمعها علي موقع علي صفحة شبكة التواصل الاجتماعي الFacebook ثم نجمعها بين دفتي كتاب بعد تنقيحها وإعدادها بمعرفة أحد المتخصصين. لهذا الغرض أنشأنا صفحة http:// www.facebook.com/ripalaafayez لتكون محطة مبدئية لتجميع كتاباتنا عنه وللتفكير الجماعي في هذا المشروع. أرجو أن تحظى المغامرة بقبولكم . و لنقرأ لة دائماً الفاتحة مع الأهل و الأحباب لأنة يستحقها. نشر فى العدد رقم 596 بتاريخ 12 مايو 2012