واصلت وزارة الأوقاف مناقشة أهم القضايا المجتمعية، بعد غايب لسنوات طويلة لمناقشة قضايا المعاملات من واقع الخطاب الديني، الذي اقتصر على أمور تعاد وتكرر في كل خطبة ومناسبة دينية، الأمر الذي جعل هناك فجوة بين واقع المسلمين وتعاليم الشريعة الإسلامية، وكثيرة هي الأزمات التي تحدث في المجتمع نتيجة غياب التوعية الدينية، وقضية الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها، من القضايا المهمة التي تتطلب توعية من جانب الأئمة والدعاة والعلماء، نظرا للممارسات السلبية التي نشاهدها في الحياة اليومية، التي تعد تجسيدا للإسراف والتبذير، رغم أن الشريعة الإسلامية حثت على ضرورة التعامل الأمثل مع الثروات الطبيعية، بما يحافظ على حياة الإنسان ويحفظ حقوق باقي أفراد المجتمع. وجاءت مبادرة «نقطة مياه تساوى حياة» التي أطلقتها وزارات الأوقاف والزراعة والري، بمنزلة الخطة الأولى في مجال التوعية الشاملة بقضايا المياه، فالاستفادة بالأئمة والدعاة والمهندسين من الري وخبراء الإرشاد الزراعي في كل المحافظات، دليل على التكامل في التوعية. وأكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن ترشيد استهلاك المياه منهج ثابت لا يرتبط بالوفرة أو الندرة، أو الكثرة أو القلة، فقد حثنا ديننا الحنيف على ترشيد استخدام الماء ولو كنا على نهر جار، موضحا أن الأوقاف من جانبها سوف تعقد 30 ندوة ومائة لقاء شهري تجمع بين علماء الأوقاف ومهندسي الزراعة والري، وستكون هناك لجنة فى كل محافظة، تضم أئمة ودعاة ومهندسين من وزارة الري وخبراء الإرشاد الزراعي، وذلك للتوعية بضرورة ترشيد استهلاك المياه، وسيتم تحديد خطبة جمعة كل فترة لمناقشة قضايا المياه، وحرمة تلويث مياه النيل أو التعدي على المجارى المائية، انطلاقا من الدور الدعوى للأوقاف، لأن هذه القضايا تصب في مصلحة الوطن. وأوضح جمعة، أنه وجه الإدارة المركزية للشئون الهندسية بالأوقاف، بأن تكون جميع الإنشاءات الجديدة باللمبات الموفرة والحنفيات الموفرة، كما أشار إلى أن الوزارة سوف تصدر كتابا عن أهمية المياه في حياة الإنسان، وضرورة الحفاظ عليها، وترشيد استخدامها، وتعظيم الاستفادة بكل قطرة منها، بهدف التركيز على هذه القضية التى تهم الجميع، لأن الإسراف منهي عنه شرعا، ويضر بمصالح عامة الناس، والتوعية هنا ضرورية لتوجيه المواطنين، لتفادى الظواهر السلبية، فهناك من يلوث مياه النيل، وهناك من يعتدي على المجارى المائية، وهؤلاء فى حاجة للتوعية الدينية، وبيان أن كل ذلك يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية. الترشيد سنة نبوية علماء الدين من جانبهم أكدوا ضرورة التعاون بين جميع المؤسسات والهيئات المختلفة، وألا يرتبط ذلك بمناسبات أو أزمات، بل تكون هناك خطط عامة تنفذ بشكل مستمر، من خلال مراكز الشباب والمنابر وقصور الثقافة والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام. وشدد الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين السابق بأسيوط، على ضرورة التصدي لكل مظاهر الإسراف، وأن يقوم كل إنسان بواجبه في هذه المسئولية، لأننا نجد نماذج صارخة لسوء استخدام المياه فى المنازل والمصالح الحكومية، وكل إنسان يسرف في استخدام المياه، عليه أن يعلم أن الله عز وجل سوف يسأله عن ذلك، لأنه قد يسبب ضررا للآخرين، وقد يمنع وصول المياه لغيره نتيجة كثرة الاستخدام دون فائدة، فالترشيد ضرورة شرعية، لأن الإسلام كما هو معلوم دين الدنيا والآخرة، ودين العبادة ودين المعاملة، وترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها من المعاملات التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، ويحب على وسائل الإعلام المختلفة أن تؤدى دورها فى هذه المواجهة، وأن تعمل على توعية الناس، بمثل هذه القضايا المهمة. مراعاة للواقع وأوضح الدكتور علوي أمين، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن مبادرة «نقطة مياه تساوى حياة» بدأت بالشكل الصحيح، لأن هناك أئمة ودعاة سوف يتناولون الجانب الديني، ويوضحون أن الشريعة تحذر من الإسراف فى استهلاك المياه، وهناك خبراء إرشاد زراعي ومهندسون ري سوف يقدمون حلولا علمية واقعية للترشيد، من خلال زراعة أصناف معينة من الحاصلات، أو استخدام طرق رى حديثة، فهذا هو الجانب الذي يعطى المبادرة قوة للانطلاق. وناشد الأئمة بضرورة توعية المواطنين بهذه القضايا في خطبة الجمعة والدروس الدينية، مؤكدا أن ذلك يعد مراعاة للواقع، لأن قضية ترشيد استهلاك المياه أصبحت ضرورة في الوقت الحالي، والحفاظ على كل قطرة مياه واجب وطنى وشرعي، والمؤكد أن المواطن البسيط سوف يدرك تلك المفاهيم، لكن المطلوب هو الاستمرار فى التوعية، وألا يقتصر الأمر على مجرد مبادرة تأخذ بعض الوقت وتنتهي، وفى الحقيقة فإن تناول قضية المياه فى خطبة الجمعة، يعد نوعا من تجديد الخطاب الديني، لأننا نريد أن نصل لواقع الناس ونعبر عن هموم وقضايا الوطن.
