أشارت جيروزلم بوست الإسرائيلية اليوم إلى أنه لا يزال الشك و عدم الوضوح يحيطان بما نشرته بعض التقارير في صحيفة آيدنلك التركية بشأن صحة اتخاذ قطر قرار إخراج زعيم حركة حماس خالد مشعل من أراضيها. ومن جانبهم, نفى المسؤولون في حركة حماس الفلسطينية -بسخط كبير- ما تردد على الألسنة بشأن انتهاء فترة إقامة زعيمهم في الدوحة قريبًا. ولكن بكل تأكيد، يتماشى هذا القرار ووتيرة الأحداث الأخيرة. وإن ما شهدته الفترة الأخيرة من السلوك القطري يشير إلى أن قطر تسعى جاهدة لرأب الصدع بينها و بين جاراتها من مملكات الخليج الأخرى، ومع مصر كذلك. و بالتالي؛ فإن حركة حماس- التي تربطها علاقات محمومة للغاية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و المملكة العربية السعودية- لا يمكن أن يكون لها أي دور في هذه المساعي. و إذا ثَبتت صحة خبر طرد خالد مشعل من قطر, فإن ذلك سيكون أحدث خطوة تقوم بها الدولة القطرية نزولاً عند رغبات القاهرةوالرياض. و يعتبر ذلك ثمار الهزيمة الجزئية التي تعرضت لها قطر أثناء تنفيذها لأجندتها الإقليمة, و الفائز في هذه الجولة هما المملكة العربية السعودية و مصر. و يبدو أن النجاح كان حليف الدولة القطرية في بداية الأمر, أي في أول عامين من الاحتجاجات التي ضربت المنطقة في عام 2011. حيث إن هذه الإمارة الصغيرة قد دعمت جماعة الإخوان المسلمين دعمًا كبيرًا. كما اتخذت من قناة الجزيرة الإخبارية التابعة لها منبرًا يطلق "بروباجندا" مهولة تؤيد سياسية البلاد و تدحض سياسة خصومها. في أواخر عام 2012 – الذي يُعتقد أنه أوج هذا النجاح القطري- شرعت قطر و حليفتها جماعة الإخوان المسلمين في تشكيل كتلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. كما وجدت جماعة الإخوان المسلمين طريقها إلى السلطة والحكم في أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان- مصر, و تكرر الأمر نفسه مع نظيرتها التونسية –حركة النهضة- التي حصدت أعلى نسبة للأصوات في الانتخابات التونسية. ولعبت الميليشيات المرتبطة بنهج و سياسة جماعة الإخوان المسلمين والتي تمولها قطر- مثل لواء التوحيد في حلب- دورا رئيسيا في الحرب السورية وبدا النصر وشيكًا. كما قامت تركيا- في ظل حكم حزب العدالة والتنمية المتأثر بفكر وحكم جماعة الإخوان المسلمين- بجعل نفسها قريبة من قطر, و تراءى لها أنها تلعب دورًا رئيسيًا في هذا التحالف الإسلامي السني الناشئ. وعقب مرور عامين، استحال كل هذا النجاح خرابًا. و لعل أهم ما يذكر في هذا الصدد هو أن الجيش استطاع أن يعود للسلطة مرة أخرى و يحرك المشهد السياسي بقوة في مصر، وأُشْرِك في محاولة للقضاء على نفوذ جماعة الإخوان المسلمين. أما عن المشهد في تونس، فقد خسر حزب النهضة الانتخابات في عام 2014، كما تخلى عن السلطة لمنافسيه من غير الإسلاميين. أما بالنسبة لسوريا، فإن حشد إيران لجميع حلفائها و وكلائها في المنطقة، و الدعم الكبير الذي قدمته روسيا بالإضافة إلى الارتباك و الانشقاق الذي أصاب صفوف الثوار، كلها أمور ساعدت في حفظ واستمرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد. و جعل ذلك كلاً من قطر و حركة حماس تعلمان جيدًا ماهية الخطوة المقبلة. و اتخذت الدوحة من معاداة الأنظمة الملكية الأخرى في منطقة الخليج العربي ستارًا لها كي تبعد الأنظار عن إنشائها للتكتل الجديد مع جماعة الإخوان المسلمين, الذي يبدو أن لن يُقَدّر له الخروج إلى النور بعد كل هذا العنت. وفي الوقت نفسه, راهنت حماس أيضًا على هذا التكتل الإسلامي السني الناشئ. وأبعد الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين نفسه عن دمشق، ورفض جميع المحاولات الإيرانية التي تحثه على تأييد نظام الأسد، و دفع -نتيجة لذلك- ثمنًا باهظًا حيث خسر فرصة التمويل الإيراني. و في الآونة الأخيرة, تحاول قطر و حماس الاعتياد على هذه الحقائق الجديدة و لكن بإتباع أساليب مختلفة. وفي منتصف شهر سبتمبر/أيلول، أمرت الدوحة العديد من القياديين المصريين البارزين في جماعة الإخوان المسلمين بمغادرة البلاد. أولئك القياديون كانوا قد طلبوا اللجوء إلى قطر بعد فرارهم من بلادهم في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع في يوليو\ تموز عام 2013. وجاءت أولى مؤشرات تحسن العلاقات بين قطر و دول الخليج الأخرى بعد قمة دول مجلس التعاون الخليجي المفاجأة في 16 نوفمبر 2014. وأسفرت هذه القمة عن موافقة المملكة العربية السعودية والبحرينوالإمارات العربية المتحدة لإعادة سفرائهم إلى قطر بعد فترة انقطاع دامت ثمانية أشهر. و في الأيام التي تلت انعقاد هذه القمة، تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا من أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. و على الرغم من أن قمة مجلس التعاون الخليجي في البحرين في أوائل ديسمبر/ كانون الأول قد شهدت تقديم الجانب القطري بعض التنازلات الأخرى بشأن ليبيا ومصر، فإن الموقف القطري كان قد اتخذ منحنًا مغايرًا كليًا لموقف كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أبدت الدوحة خلال القمة دعمها الكامل للرئيس السيسي وخارطة الطريق المصرية، وبعدئذ تعهد وزير الخارجية القطري خالد بن محمود العطية أن تقدم الدوحة دعمها إلى السيسي، كما أنه تحدث عن مدى أهمية الدور الإقليمي الذي تمارسه مصر. وفي وقت لاحق، التقى السيسي بمبعوث الأمير القطري، في اجتماع تم عقده بجهود الوساطة التي تقوم بها الرياض. وبالتالي، فإن إبعاد مشعل- في حال إذا ما استدعى الأمر لذلك- سيكون بمثابة الخيار الأخير في قائمة التنازلات التي تطرحها الدوحة للدخول في تحالف القاهرةوالرياض- والذي يعد من أحد المستجدات الفعالة لتحقيق المصالحة من منظور المذهب السني خلال الوقت الراهن. إن قطر تعد بالفعل دولة غنية جدًا، إلا أنها لا تمتلك أيٍ من صورس القوة الخشنة ( القوة العسكرية). ومن أجل ضمان استمرار ازدهار نشاطها على المستويين الاقتصادي والسياسي، فإن قطر لن تكون قادرة على الانحراف عن مسار تحالفات القوى الراهنة، والذي يبدو أنه يخضع لسيطرة دول أخرى غيرها. ولبعض الوقت، ظن القطريون أنهم سيمارسون دور القائمين على تمول ودعم التكتل المحوري الجديد في مصر، إلا أنه فشل وهو لا يزال في طور الظهور. وخلال الوقت الراهن، أصبح القطريون يعملون على التكيف مع هذه الحقيقة. وتجري حماس ترتيبات جديدة أيضًا، كما أن الدلالات تشير إلى أن هناك توجه نحو تحقيق منحى جديد من التقارب مع إيران. وقد شهد عام 2014 انهيارًا تدريجيًا في العلاقات بين حماس وطهران، إلا أنه هناك بعض الشكوك التي لا تزال تحيط بالأمر. إن متطلبات حماس تختلف عن متطلبات قطر. وبالطبع حماس لا تملك أي سبيل للانضمام إلى تحالف القاهرةوالرياض الذي يعتبرها أحد عناصر تنظيم الإخوان المسلمين الذي يسعون لهزيمته. إن هذا من شأنه أن يجعل طهران أو أنقرة داعمين محتملين لتنظيم حماس، أو على الأرجح أن كلا الطرفين سيشكلان جدار حماية مشترك لحماية حماس. وبالطبع لا ينبغي لأحد أن يتصور أن قطر ستمتنع كليًا عن دعم الحركات الإسلامية. إن الدوحة لم ترغب فجأة في خطب ود الرياض؛، ولذلك فإنها أعادت صياغة موقفها بدافع الضرورة ، وقد تم ذلك على مضض. كما ليس من المرجح أن يتم تنفيذ مطالب الجانب المصري المبالغ فيها – مثل قيام الدوحة بطرد الواعظ الديني البارز بجماعة الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي. الذي عاش في هذه الإمارة منذ عام 1961. وأخيرًا، فإن التنازلات المقدمة من الجانب القطري تشير إلى مدى القوى المتنامية التي يحظى بها تحالف القاهرةوالرياض، مما شكّل دافعًا قويًا لإعادة انضمام الجانب القطري للصف ، على الرغم من أنه لا يوجد في المقابل أي ردود فعل متخذة. إن هذا التحالف الجديد ( والذي يحظى بعلاقات طيبة مع إسرائيل، وإن كانت خفية على نحو كبير) ربما يكون هو أهم تطور على الصعيد الدبلوماسي في المنطقة منذ عام 2011. ومن الآن فصاعدًا، وتزامنًا مع سعي الجانب الأمريكي لتحقيق تقارب مع إيران، فإن التكتلات السياسية التي ستشهد حالة من الخلاف في المنطقة سيكون الجانب الإيراني و حلفائه مع الجانب السعودي و حلفائه. كما أنه من المؤكد أن الأخوان المسلمين وكذلك السلفيين هم أحد العناصر المؤثرة في هذا الصدد، إلا أنهم في الوقت الراهن هم الجانب الأضعف. وخلاصة القول, إن ما تقوم به كل من قطر وحماس من مراوغات وما يواجهانه من متاعب يعكس مدى التخبط الذي يشهده معسكر الإسلام السني