· وداعاً لاستغلال الأوراق الموقعة علي «بياض» التي كانت تتسبب في حبس الآلاف من العباد منذ أكثر من أسبوع، أصدرت محكمة جنح مستأنف العجوزة برئاسة المستشار شريف إسماعيل حكماً مهماً كان له صداه لإزاحته وحرقه لمحاولات النصب والاستغلال المادي لمن كان يوقع علي ورقة بيضاء كايصال الأمانة الذي تحول إلي سيف مسلط علي رقاب الآلاف من العباد، حيث يتعمد معدومو الضمير ومن فقدوا الحياء التعاملي إلي الابتزاز المالي وبمبالغ هائلة، رغم أن ما كانوا يقرضونه لم يتعد المئات أو بضعة آلاف، وفجأة تتحول هذه الآلاف إلي ألوف مؤلفة قد تصل إلي الملايين! ويا طالما هدمت وخربت بيوت ولطالما تحول الأغنياء وفي غمضة عين إلي «مفلسين» لعمليات تزويرية وتدليسية من خلال كتابة الأرقام الفلكية علي الورقة البيضاء الممهورة بتوقيع من شاء حظه أن يسطرها لقضاء حاجة من احتياجاته ومضطر لظروف قاهرة قد تكون حلت بأحواله المادية.. عموماً كان يوم 29 أبريل الماضي يوماً فارقاً داخل أروقة محكمة جنح مستأنف العجوزة حسم الأوضاع المقلوبة للتعامل غير الشريف بالورقة الموقعة علي بياض، فجاء هذا الحكم ليعيد الأمور المالية التعاملية إلي نصابها الصحيح، وبأنه لا أضرار بملايين المتعاملين وغالباً ما يكونون من البسطاء والمهمشين الذين في الغالب الأعم يحصلون علي احتياجاتهم من خلال «التقسيط» الذي حوله بعض معدومي الضمير إلي «التمشيط» للجيب إذا ما تقاعس المستفيد عن سداد ولو قسط واحد ولو ب50 جنيهاً، فيفاجأ بأنه مطلوب منه سداد 50 ألف جنيه!! وحدوتة هذا الحكم تتلخص في أن المواطن محمد كمال حسين تحركت ضده دعوي خيانة أمانة وبادعاء أنه تسلم مبلغ 15 ألف دولار أمريكي علي سبيل الأمانة وتداولت الدعوي بالجلسات أمام محكمة أول درجة وقدم مذكرة بدفاعه وطعن علي الايصال سند الدعوي بالتزوير وطلب «البراءة».. وبالفعل باشر الخبير المنتدب مأموريته وورد تقرير الطب الشرعي منتهياً إلي أن الطاعن لم يحرر عبارة طلب ايصال الأمانة موضوع الطعن وإنما حررت بيد شخص آخر غيره وأن الطاعن «محمد كمال حسين» هو المحرر لتوقيعه المذيل لايصال الأمانة، إلا أنه حرر هذا التوقيع أصلاً علي بياض ورقة هذا المستند ثم أضيفت عبارات في ظرف كتابي لاحق ومغاير لظروف تحرير توقيع الطاعن! ثم بعد ذلك أصدرت محكمة أول درجة حكما حضورياً بجلسة 4 مارس 2006 قضي بحبس المتهم سنتين مع الشغل وكفالة 1000 جنيهاً لايقاف التنفيذ مؤقتاً، ومبلغ 51 جنيه كتعويض مؤقت.. وبالطبع من صدرت ضده هذه العقوبة لم يرتضيها فطعن بالاستئناف.وأصدرت محكمة جنح مستأنف العجوزة برئاسة المستشار «شريف إسماعيل» حكمها الساطع لأنه عنوان الحقيقة التي لا تكذب ولا تتجمل، وقال الحكم إن المستقر عليه بقضاء النقض فإن المحكمة في جريمة خيانة الأمانة في حل من التقيد بقواعد الاثبات المدنية عن القضاء بالبراءة لأن القانون لا يقيدها بتلك القواعد إلا عند الإدانة في خصوص إثبات عقد الأمانة وأن المحكمة غير ملزمة بأن ترد علي كل دليل من أدلة الاتهام وعلي ذلك فإنه لا يصح إدانة «المتهم» بجريمة خيانة الأمانة، إلا إذا اقتنع «القاضي» بأنه تسلم المال بعقد من عقود الأمانة الواردة علي سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات.. والعبرة في القول بثبوت قيام عقد من هذه العقود في صدد توقيع العقاب إنما هي بالواقع إذ لا يصح تأثيم «إنسان» ولو بناء علي اعترافه بلسانه أو كتابته متي كان ذلك مخالفاً للحقيقة والأصل في المحاكمات الجنائية فإن العبرة في الاثبات هي «باقتناع» القاضي بناء علي التحقيقات التي يجريها بنفسه واطمئنانه إلي الأدلة التي حصل عليها في قضائه بإدانة المتهم أو براءته، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أية بينة أو قرينة يرتاح لها دليلاً لحكمه.. وقال هذا الحكم المهم: إنه إعمالاً لسلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوي، فإنها تطمئن إلي سلامة وصحة الأسانيد التي استند إليها الخبير في تقديره فإنها تأخذ بتقدير الخبير محمولاً علي أسبابه وتعتبره مكملاً لحكمها وأن المحكمة طالعت أوراق الدعوي وما قدم فيها من مستندات ومذكرات عن بصر وبصيرة بل ووقفت علي جميع ظروف وملابسات واقعة «الاتهام» ووازنت بين أدلة الاثبات وبين أدلة النفي ودفاعات «المتهم» ورجحت المحكمة دفاع المتهم من حيث انتفاء ركن التسليم للمبلغ النقدي المشار إليه بصلب «الايصال» سند الاتهام وإذ تبين أن البيانات التي تم تحريرها في ظرف كتابي «لاحق» للتوقيع مما يشير ويؤكد أن «الورقة» التي وقع عليها المتهم كانت مسلمة علي «بياض» وتم تسطير بيانات صلب الايصال في وقت لاحق عليها وبمفاد أن واقعة التسليم للمبلغ النقدي المثبت بالايصال حال التوقيع لم تحدث! بل لا يصح التعويل علي ذلك الايصال المقدم بالأوراق بشأن إثبات ذلك التسليم الذي انتفي بالمرة وخلت الأوراق من الدليل علي حصوله.وأشارت المحكمة إلي أنه إذا كان التسليم وهو قوام جريمة خيانة الأمانة وقد انتفي وكذا انتفاء العقد الجنائي إذ أن التوقيع لم يكن بقصد الاستلام للمبلغ المذكور أو الحصول علي «وديعة» وفقاً للثابت بالايصال فإن أركان تلك الجريمة تنهار برمتها ويضحي الاتهام علي غير سند صحيح من الواقع والقانون ولا ينال من ذلك صحة توقيع المتهم علي الورقة علي «بياض» مما يتعين معه القضاء ببراءة المتهم مما نسب إليه من خيانة الأمانة وانتهت المحكمة بإلغاء حكم الإدانة القاضي بحبسه سنتين مع الشغل والقضاء مجدداً ببراءته مما أسند إليه ورفض الدعوي المدنية والزمت من أقامها بالمصروفات ومبلغ 75 جنيهاً مقابل اتعاب المحاماة.. أخيراً هذا الحكم أسعد من شاء حظه أن يسطر ايصالات الأمانة علي بياض لأنهم تعرضوا للابتزاز المالي وبمبالغ تفوق ما سبق واقترضوه من مبالغ مالية من أشخاص معدومي الأمانة والضمير استغلوا الظروف لقبض مبالغ طائلة من الفلوس!