· فشل الحكومة في مواجهة أنفلونزا الطيور السبب الحقيقي وراء قرار الذبح الجماعي للخنازير انشغل العالم كله بإنفلونزا الخنازير، فانشغلنا في مصر بانشغال العالم، وقلنا إن الرعب يجتاح الدنيا كلها، وإن يوم القيامة علي بعد خطوات، وبرعنا في استخدام الشعارات والعبارات المسجوعة المرعبة، فصدقنا أنفسنا، وقررنا أن نتخلص من الرعب بذبح كل خنازير مصر دفعة واحدة، وهو القرار الذي أثار الصحف الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية، لدرجة وصفه بالعمل الأحمق، ومن الحمق حقا تجاهل خطورة المرض الذي بدأ كما لو كان اجتياحا بريا وجويا وبحريا من كائنات فضائية للعالم كله.. وأنا شخصيا مع قرار ذبح الخنازير لأن الوقاية خير من العلاج - كما نردد عادة في مثل هذه الحالة - ولا يعرف أوضاعنا من يقبعون في مكاتب مكيفة خارج الحدود ويتصورون أن خنازيرنا مدللة مثل خنازير أمريكا وأوروبا، ومحاولة "تسييس" القرار وجره إلي منطقة الأقباط والاضطهاد الذي يتعرضون له في مصر، هي محاولة سخيفة وخائبة لا تستحق التوقف عندها، وكذلك انتقاد الصحف الأمريكية للقرار، لا محل له من الإعراب، فهذه الصحف نفسها لم تُحرك ساكنا عندما ذبحت إسرائيل اللبنانيين ومن بعدهم الفلسطينيين، ولم تصف عمليات الذبح هذه بأنها عمل أحمق، ولم تشعر بالأسي من ذبح الجيش الأمريكي للعراقيين والأفغان، وكأن خنازير مصر عند هذه الصحف وغيرها أهم من البشر الذين ذبحوا في المجازر الأمريكية والإسرائيلية. وقد أسرفت أمريكا نفسها في اتخاذ تدابير الحيطة اللازمة لمواجهة الخطر الزاحف إليها، ولو وجدت الحاجة لذبح الخنازير لبادرت بذبحها فورا، ولسار العالم كله خلفها مؤيدا وداعما ومهللا، مع الفارق الجدير بالملاحظة بين وضع وحجم تجارة الخنازير الأمريكية، ووضع وحجم تجارة الخنازير في مصر، وقد أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه يفضل التحرك الآن بدلا من أن يتردد ويضطر لاحقا إلي مواجهة عواقب أخطر. وهذا بالضبط ما فعلته مصر.. لقد تحركت فورا ولم تتردد، حتي لا تضطر إلي مواجهة العواقب الأخطر، وهذه العواقب ستكون مفزعة ومرعبة لو وضعنا في اعتبارنا ما حدث في إنفلونزا الطيور التي حققنا نجاحا ساحقا في مواجهتها ولكن بالسلب، حتي أننا تقدمنا الصفوف وحصلنا بجدارة علي المركز الأول عالميا في عدد الإصابات والوفيات، وهذا يدفعنا للتحذير من توجيه كل الجهود إلي مواجهة إنفلونزا الخنازير - وهو أمر واجب - ونسيان الخطر الحقيقي الذي يقبع بيننا وينتظر الفرصة لينقض علينا، ولنقرأ تحذير منظمة الصحة العالمية من المرض لنعرف الخطر الحقيقي الكامن بيننا، تقول المنظمة عن فيروس إنفلونزا الطيور: "لأسباب عدة، يثير الفيروس H5N1 مخاوف كبري في الوقت الحاضر. فقد تسبّب، دون غيره من فيروسات إنفلونزا الطيور التي يعرف أنّها تصيب البشر، في حدوث أكبر عدد من الحالات البالغة الوخامة وأكبر عدد من الوفيات. ويتسم ذلك الفيروس، علاوة علي ذلك، بالقدرة علي إحداث جائحة للإنفلونزا. كما تبين أنّه من الصعب جداً السيطرة عليه في أسراب الدواجن، ويعتقد أنّه بات يتوطن الآن مناطق شاسعة من جنوب شرق آسيا". وإذا وضعنا في اعتبارنا ما قيل عن خطورة تحور الفيروس، وتحوله إلي أنواع أخري عن طريق الطيور المهاجرة، التي لا يمكن السيطرة عليها، تتضح الخطورة الحقيقية لهذا الفيروس القاتل، خاصة أن الحكومة لا تقوم بدورها المفترض لمواجهته، فمن البديهيات - حسب منظمة الصحة العالمية أيضا - أن يتم تطعيم الأشخاص المعرضين لمخاطر الإصابة بالفيروس ضد الإنفلونزا الموسمية "والتطعيم ضدّ الإنفلونزا الموسمية من التدابير الصحية العمومية الرامية إلي الحدّ من فرص حدوث اندماج بين فيروس إنفلونزا الطيور وفيروسات الإنفلونزا البشرية المنتشرة حالياً في حال أُصيب آدمي بالنمطين الفيروسيين في الوقت ذاته. ويعتقد أنّ بعض الفيروسات الجائحة ظهر عقب ظاهرة الاندماج تلك".. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية، فظاهرة الاندماج التي تشير إليها المنظمة قابلة للتحقق بسهولة ويسر في مصر، إن لم نتمكن من السيطرة علي المرض؛ لأن الحكومة لن تفكر طبعا في تطعيم المصابين المحتملين، أي كل الذين يقومون بتربية الدواجن والطيور في منازلهم ويخالطونها باستمرار، وهؤلاء يشبهون القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في وجوهنا جميعا لو تراخينا في مواجهة الخطر الحقيقي الذي يهددنا، طبعا دون إغفال مواجهة الخطر المحتمل المتمثل في إنفلونزا الخنازير.ولعل فشل الحكومة في مواجهة إنفلونزا الطيور، كان السبب الحقيقي وراء قرار الذبح الجماعي للخنازير قبل أن يصلنا المرض وتقع الكارثة، وهو قرار جيد وفي مكانه الصحيح في ظل تواضع تعامل الحكومة مع الكوارث، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفيروسية، وعلي السلطات المصرية أن تحكم قبضتها علي الحدود خاصة مع الوباء الذي يدعي إسرائيل بعد ظهور أكثر من حالة خنازير فيها. لذلك لابد من الانتباه للخطر الذي قد يزحف إلينا من الحدود الخارجية وليس من حظائر الخنازير الداخلية، وفي الوقت نفسه علينا مواجهة الخطر الموجود بيننا بالفعل، والذي توقع بعض المتخصصين أن يقضي علي نصف المصريين في حالة تحوله إلي وباء .. لا قدر الله. وليت حكومتنا تتعلم من التجربة السعودية في مواجهة المرض، فقد تعاملت مع المسألة بجدية، واتخذت قرارا نهائيا بإغلاق كل "النتافات" - محلات ذبح الدواجن - وظلت تلاحق حالات الاشتباه كلما ظهرت، ولا تتردد في إعدام آلاف الطيور للاشتباه في إصابتها، وعلي الحكومة المصرية أن تفعل الشيء نفسه لو أرادت تجنب كارثة حقيقية، فلا مجال للأخطاء مع الأوبئة، ولابد من توعية الناس بخطورة الأمر واكتساب ثقتهم في الحصول علي تعويضات مناسبة عن طيورهم.. فهل تنجح الحكومة التي فشلت في أكثر من اختبار سابق، في تحقيق نجاح يستحق الإشادة وإنقاذ مصر والمصريين من كارثة تحور فيروس إنفلونزا الطيور؟ ارفعوا أيديكم إلي السماء وقولوا معي:يارب!