قدامي الثوار أجدهم دائما متفائلين بشدة ، أما من لحقوا بقطار الثورة متأخرين أو "من علي الوش" يعتبرونها ضاعت أو في طريقها للضياع، لهم ولغيرهم أستعير عبارة "الثورة أصلا حلم" من الرائعة نجلاء بدير وأوضح حجتي أدناه لأن الثورات لا تضيع .. بالكثير تتأخر . عندما نفشل لهم سيناريو الأرجنتين في الثمانينات (سيناريو لعبة افتعال "الحروب القذرة" في الشوارع بتأليب الجنود ضد فصيل وطني معين مثل قتل و ترويع المسيحيين في موقعة "ماسبيرو" والثوار في "محمد محمود ومجلس الوزراء" ثم الألتراس في "بورسعيد" بتصويرهم علي أنهم "الأعداء" هنا يتأكد لنا تغلب تيار التعقل والحذر والحكمة في ردهات المجلس العسكري علي دعاة الطمع ومجانين شهوة المال والواهمين بدوام السلطة الأبدية للعسكر بعد انقضاء عصرها وزمانها في العالم .الواضح أنهم اكتفوا (ولو مؤقتا) بأربعة مذابح شهرية كبيرة، وبعض العمليات هنا وهناك، قبل أن يتراجعوا أمام صمود شباب "الصف الأول" من خير أجناد الأرض، ودعم الصفوف الخلفية لهم، فضلا عن التضامن المتزايد من الشعب للثورة كفكرة، حتي لو هاجموا تطرف الثوار ملتحفين بأمان الوسطية المصرية.. كل هذا يؤكد أن الثوار قد انتصروا في هذه الجولة، أحياء هنا بيننا كانوا، أو عند ربهم يرزقون، هم المنتصرون : مفيش أرجنتين، وكمان مفيش رومانيا! عندما يخرج" خالد علي" ملهما للشباب والعمال البسطاء والمقهورين، عاريا من أي غطاء نقدي إلا الحلم ورصيده من نجاح أسطوري, بالنسبة للسن وللظروف، عندما يخرج هذا الشاب متحديا سطوة رأس المال ومواءمات أصحاب السلطة, مضيفا لحساباتهم المرتبكة أصلا بفعل الشعب الرافض للرئيس "التوافقي" ربكة ، مضيفا ل "أبوالفتوح"، وما يمثله من معان وقيم وحد أدني لمعايير العدالة الاجتماعية.. منافسة شريفة هي أقرب للمؤازرة بما تحمل من عمق ، وتناغم، وتجسيد حي للمعني، لا خصما من نصيبه، ولا متحديا لفرصه، بل موسعا، ومعمقا لروافد نهر التغيير الهادر.. عندما يدخل دافعا دما جديدا، وأملا طموحا، وشبابا ملتهبا للمعادلة شبه المستقرة (بعد انسحاب البرادعي وتراجع البسطويسي المؤقت عن المنافسة ووصول زخم حمدين لأقصاه بحدود الجغرافيا) .. نحن هنا أمام جبهات جديدة تفتح لتحارب نفس المعركة و تضيف للرصيد المشترك، جبهات تمثل فرق رياضية شريفة تتنافس علي إرضاء المواطن الناخب وفي رفع مستوي "العروض المقدمة" عليه للموافقة والقبول..ألا يعني هذا أن الحلم في طريقه للتحقق؟ حتي لو تضاربت تقاريرهم وتخبط أعوانهم بين تأييد عمرو موسي وترشح منصور حسن . سيحتاجون للكثيييير من التزوير ليحققوا هدفهم هذه المرة. عندما يفيق الشعب علي تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل فينتبه قطاع واسع منه لأصل المشكلة الحقيقي وتدور المناقشات في المقاهي والمكاتب والمصانع وحجرات المعيشة حول "استقلال القضاء" تحديدا, هنا تزداد صعوبة تكرار التلاعب بمشروع قانون استقلال القضاء عند إعادةعرضه، كما تم في غفلة من الشعب قبل ستة أشهر. استقلال القضاء هو الفيصل بين حكم الشعب وحكم المستبد,، وهو الضمانة الحقيقية للتنمية والاستثمار والدولة العصرية والديمقراطية، كذلك حين يفصل الشعب بين الوهم الذي يبيعونه له (تهديد المتهمين لأمن الدولة والتآمر علي وحدة الوطن ..الخ) عن المشاكل الحقيقية, فيقتصر اهتمامه علي مناقشة المبادئ العامة للأزمة مثل أهمية استقلال القضاء وضوابط التمويل ومصادره وسيادة الدولة.. بدون أدني جنوح لتخوين المتهمين الأجانب أو المصريين.. أنت هنا أمام وعي شعبي صاح يصعب التلاعب به. عندما يعتذر نادر بكار عن نقده لما رآه في فرح حمزاوي، ويتراجع نائب "حظر تعليم الإنجليزية" ليبلور فكرته أفضل.. ثم يقيلوا البلكيمي في الحال .. وبعدها يسقط المحامون في انتخابات نقاباتهم معظم مرشحي الإخوان بما فيهم صبحي صالح المستشار القانوني الأوحد للتعديلات الدستورية والإعلان الدستوري ومعظم قوانين المجلس العسكري المنظمة للحقوق السياسية .. هنا مراجعة واضحة ومستمرة للمواقف والأفكار، من الداخل والخارج . هنا "دفع الله " الذي نعرف أنه (لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ومن المؤكد أن قانون "دفع الله" الذي بدا إنه طال تعطيله قد فعل مؤخرا، وللأبد إن شاء الله. عندما يخرج الفلاحون محتجين غاضبين كآخر الفئات المهمشة المطحونة، بعد أن خرج قبلهم الموظفون والعمال وذوو الحاجات الخاصة وسكان العشوائيات وطلبة الجامعات والمدارس، فيلقون بالمواشي النافقة بالحمي القلاعية أمام مبني محافظة الغربية ليوصلوا رسالة قوية متحضرة بأننا" لن نسكت بعد اليوم" أنت هنا أمام شعب لا يستهان به ولن يخدعه مخادع ولو بالدين. البيروقراطية التي نعاني كلنا منها ما هي إلا تعبير ضمني عن دولتي مصر التاريخيتين :" دولة الحكام المدججين بقوة السلاح" (مماليك أو ترك أو محمد علي العسكري المحسوب علي مصر وصولا إلي ثوار أحرار ورثوا دولة قائمة علي تهميش الشعب..) أمام وفوق "دولة الشعب المطحون" المغلوب علي أمره، هذه البيروقراطية هي الأسوار التي تحمي حارس الحديقة من "حيواناتها"، كما يروننا للأسف. كل القوانين واللوائح الغريبة هي لتلجيم هذا الشعب وحبسه عن تهديد "حراس الحديقة" ونظامهم و مصالحهم . هذه الثورة .. التي هي بلا بطاقة ولا عنوان يداهمونها فيه ولا مسئول عنها يضغطون عليه أو يقايضونه .. أصبحت العلامة الفارقة في عصر "دفع الله الناس بعضهم ببعض" لإنها بدء عصر "صوت الجماهير" هنا وفي العالم حولنا - حتي نشطاء وول ستريت المبهورين بها المحتذين بها! للمرة المئة أقول : لا خوف من أي جيوب للظلام تتفتح علينا وأننا لكي نطهر مصر يجب ان نفتح هذه الجيوب ونخرج مابها من صديد لنور الشمس ..في الجراحة علمونا "الصديد يعني سكينا " والسكين يعني الدم ، وفي الجهاد الدم يعني الثمن والحياة والتزكي والحرية . كلي امل وتفاؤل رغم يقيني بأن المزيد من الدماء سندفعه حتما ، ولكن الكثير من أشجار الأمل والحرية أيضا ينتظرنا لنسقيه به .