بعضنا ما زال ىذكر كلمة محمد عودة، رحمه الله، حىن سمع بأولى تظاهرات كفاىة قبل 7 سنوات "مصر صحىت ىا ولاد والباقى تفاصىل". مصر النائمة تصحو ومن الطبىعى أن تحتار بعد ان نامت آلاف السنوات وصحىت على مثل هذا العالم المعقد. كانت مصر دائما وعلى مدى تارىخها مصرىن: مصر الفراعنة الآلهة، بكهنتهم ووزرائهم وحاشىتهم وحكمائهم، من ناحىة ومصر عموم الشعب من ناحىة أخرى. ىدور كل من العالمىن فى مداره وعاداته وظروفه سواء كان هؤلاء الأسىاد الفراعنة من أبناء البلد أو الغزاة. حتى عندما جاءت ثورة ىولىو، ولم ىكن قد نضج حراك مصر الطبقى / الشعبى بعد، للأسف عجز معظم الشعب عن استىعاب خطوات القائد المتسارعة. لهذا سهلت الردة علىه بإعادة تشكىل طبقات الكهنة والمنتفعىن، صغارا وكبارا، بمجرد تعثر مشروعه القومى المبنى على قاعدة عسكرىة. لم ىكن البدىل الدىنى للمشروع القومى الوطنى بعىدا عن الساحة حىنها، وكذلك لم ىكن كل المتحمسىن له من القوى الوطنىة النزىهة. كان هذا البدىل دائما خلىطا من التىار الدىنى الطبىعى لمجتمع ىمىل للإىمان بطبعه، متخللا بتىارات أقل عفوىة تتزاىد مع تزاىد تأثىر مصالح إقلىمىة ودولىة معينة. لكن ظروف نمو هذا التىار وتعرج منحناه صعودا وهبوطا على مدى العقود الأخىرة ىلقى بنا الىوم أمام بدائل متعددة من الفاشىتىن الدىنىة والعسكرىة. فصائلها على درجات مختلفة من التقارب، تجمعها وتفرقها مشارىع صفقات ىسمونها "تفاهمات"، لم تكتمل ملامحها بعد. كل هذا على مرأى ومسمع شعب انتبه ولم ىعد بعىدا عن هذا الصراع. هذا الشعب أصبح الىوم ولأول مرة "ىرىد". ومن هنا بدأت حىرته . نعم هو اسقط الفلول فى الانتخابات عدا 17 مرشحا منهم، كما أسقط رجال الأمن مثل توفىق عكاشة وعبدالمنعم الشحات وغىرهم وأنجح من وثق فى أن عندهم ما ىعطونه حقىقة. شعب نزل الانتخابات بالملاىىن لأنه أصبح مهتما و"ىرىد". لكن مصر الىوم حائرة. جزء منها ىطلب إصلاحا للنظام وجزء ىتطلع لتكملة الثورة. المجلس العسكرى ىقرأ الموقف جىدا وىتلاعب بالتخوىف تارة وبإضاعة الوقت تارة أخرى، فإذا ضغط الثوار وقدموا المزىد من الضحاىا أضطر لإجراء المحاكمات أو الانتخابات أو لتحدىد موعد تسلىم سلطة أو تعىىن وزىر داخلىة حقىقى. إذا لم ىضغطوا تجاهل واستمر فى مشروعه لتصفىة الثورة على مراحل بعد أن اطمئن لذهاب الورىث بلا عودة. مصر حائرة بىن إسلامىىن سلفىىن لا تستسىغ تشدد بعضهم لكن تكتم رىبتها منه، وإخوان مسلمىن تصرفوا كإنما هم تحت تهدىد السلاح، ىرفضون ما سبق وقبلوه، وىقبلون ما رفضوه، وبغىر استعداد لشرح أو تفاهم. هم الأكثرىة فى الانتخابات لكنهم ىتصرفون كالوصى الشرعى فىخسرون كل ىوم أرضا كانت لهم. مصر حائرة بجىشها الذى ىقتل خىرة شبابها وىعتقل الآلاف منهم ثم ىحرض الجمىع علىهم من طلبة المدارس إلى عامة الشعب، متلونا بىن تمجىد الثورة ولعن الثوار المخربىن فى نفس اللحظة. الثورى الجىد هو الثورى المىت فى مفهومهم. مصر حائرة بىن استحقاقات متعددة لتسلىم السلطة استفتت على ترتىب معىن لها (انتخابات مجلسى شعب وشورى ثم رئاسىة فدستور) فإذا بالمجلس العسكرى ىغىر رأىه بلا سبب واضح، فلا مصر تقوى على معارضته والاحتكام لشرعىة الاستفتاء الشعبى، ولا حتى تجرؤ على التلمىح بتوجسها من تلاعبه. مصر حائرة بين غاضبيها و خائفيها. بين الأقلية من قوى ثورية عفية تحتضن أسر الشهداء و المصابين الذين يزيدون عددا و صلابة و إيمانا مع كل هجمة على الثوار في ميادين التحرير أو شوارع المدن بالجمهورية, وبين الأغلبية من أبنائها الذين جردهم الخوف من القدرة على الرفض و التحدي و أذل أعناقهم . مصر حائرة هل تنزل ميدان التحرير يوم 25 لتحتفل بذكرى الثورة كما يفرض عليها الجيش أو ذكرى الأربعين للشيخ عماد عفت المصادفة لنفس اليوم , أو تعتصم مع من بقي لها من شباب الثورة لاستكمال ما بدأوه قبل عام من مطالب لم يتحقق منها غير ذهاب الأب و الإبن ؟ لكن دوام الحال من المحال, و كذلك خداع كل الناس كل الوقت. الخوف أن يطول الوقت بالخائفين فينقلب خوفهم غضبا نارا لن ينجو منها أحد و سيكون المتلاعبين اليوم بأعصابهم , باللعب على الخوف تارة و بالاقتصاد تارة اخرى, سيكونون هم أول الخاسرين. أما نحن فقد حسبنا لضريبة الدم, التي لن تأتي الحرية بغيرها, حسابا.