«الإسلام السياسى» من التعبيرات التى انتشرت فى الآونة الأخيرة، فهل هناك إسلام سياسى وآخر غير سياسى وماذا عن الإسلامى الأصولى أو الراديكالى والفرنسى والسنى والشيعى، هل لدينا أكثر من إسلام، وما حكاية الاسلام السياسى بالضبط وهل هى تسمية صحيحة؟ العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين ينتقد هذا التعبير ويقول: «من التعبيرات التى يُشنِّع بها العلمانيون والحداثيون تعبير» الإسلام السياسى «هى عبارة دخيلة على مجتمعنا الإسلامى بلا ريب، ويعنون به الإسلام الذى يُعنى بشئون الأمة الإسلامية وعلاقاتها فى الداخل والخارج. والعمل على تحريرها من كل سلطان أجنبى يتحكم فى رقابها، ويُوجه أمورها المادية والأدبية كما يريد، ثم العمل كذلك على تحريرها من رواسب الاستعمار الغربى الثقافية والاجتماعية والتشريعية، لتعود من جديد إلى تحكيم شرع الله تعالى فى مختلف جوانب حياتها. ويرى القرضاوى أن اطلاق هذه الكلمة «الإسلام السياسى» جاءت للتنفير من مضمونها، ومن الدعاة الصادقين، الذين يدعون إلى الإسلام الشامل، باعتباره عقيدة وشريعة، وعبادة ومعاملة، ودعوة ودولة. وبحسب كلامه هى تسمية مردودة وخاطئة لأنها تطبيق لخُطة وضعها خصوم الإسلام، تقوم على تجزئة الإسلام وتفتيته بحسب تقسيمات مختلفة، فليس هو إسلام واحد كما أنزله الله، وكما ندين به نحن المسلمين،بل هو »إسلامات» متعددة مختلفة كما يحب هؤلاء. فينقسم أحيانا بحسب الأقاليم: فهناك الإسلام الآسيوى، والإسلام الأفريقى، وأحيانا بحسب العصور: الإسلام النبوى، والإسلام الراشدى، والإسلام الأموى، والإسلام العباسى، والإسلام العثمانى. والإسلام الحديث، وأحيانا بحسب الأجناس: فهناك الإسلام العربى، والإسلام الهندى، والإسلام التركى، والإسلام الماليزى... إلخ. وأحيانا بحسب المذهب: هناك الإسلام السُّنى، والإسلام الشيعى، وقد يقسمون السُّنى إلى أقسام، والشيعى إلى أقسام أيضا. وزادوا على ذلك تقسيمات جديدة: فهناك الإسلام الثورى، والإسلام الرجعى أو الراديكالى، والكلاسيكى، والإسلام اليمينى، والإسلام اليسارى، والإسلام المُتزمِّت، والإسلام المُنفتح. وأخيرا الإسلام السياسى، والإسلام الروحى، والإسلام الزمنى، والإسلام اللاهوتى. ولا ندرى ماذا يخترعون لنا من تقسيمات يخبئها ضمير الغد؟! والحق كما يقول القرضاوى أن هذه التقسيمات كلها مرفوضة فى نظر المسلم، فليس هناك إلا إسلام واحد لا شريك له، ولا اعتراف بغيره، هو «الإسلام الأول إسلام القرآن والسنة». الإسلام كما فهمه أفضل أجيال الأمة، وخير قرونها، من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ممَّن أثنى الله عليهم ورسوله. فهذا هو الإسلام الصحيح، قبل أن تشُوبه الشوائب، وتلوِّث صفاءه تُرَّهَات المِلَل وتطرفات النِحَل، وشطحات الفلسفات، وابتداعات الفِرَق، وأهواء المُجادلين، وانتحالات المُبطلين، وتعقيدات المُتنطِّعين، وتعسُّفات المُتأوِّلين الجاهلين. ويقول القرضاوى إن الإسلام الحق كما شرعه الله لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، وإذا جرَّدت الإسلام من السياسة، فقد جعلته دينا آخر يمكن أن يكون بوذية أو نصرانية، أو غير ذلك، أما أن يكون هو الإسلام فلا، وذلك لسببين رئيسين.. نذكرهما غدا بإذن الله