«أى شخص مهدد بأن يفقد عمله بهذا القطاع فى أى وقت» بهذه العبارة شرح المهندس المعمارى شريف وهدان المقيم بالولاياتالمتحدة منذ 23 عاما باختصار الحالة التى صار عليها قطاع العمارة والبناء الأمريكى بسبب الأزمة المالية العالمية التى بدأت فى الأساس بسبب التوسع فى الإقراض العقارى فى الولاياتالمتحدة. يقول شريف إن قطاع العمارة أو البناء بوجه عام من أوائل القطاعات التى تتأثر بهبوط الاقتصاد لأن الشركات أو المؤسسات دائما ما تهتم بالبناء أو التجديدات أو التوسع عندما تكون الأمور تسير بصورة جيدة، لكن عند أول مؤشرات على التباطؤ أو التراجع الاقتصادى يكون الاهتمام الأول هو تقليص النفقات بأكبر قدر ممكن من أجل الحفاظ على العمالة، وبالطبع تكون المبانى فى مقدمة البنود التى يتم التخلى عنها. وعلى العكس عند حدوث انتعاش اقتصادى يكون قطاع البناء آخر القطاعات التى تشعر به لأن أول شىء تقوم به الشركات هو تشغيل عمالة جديدة للتوسع فى العمل، وبعدها عند التأكد من استقرار الحالة الاقتصادية تبدأ الشركات فى التوسع وافتتاح فروع جديدة أو تجديد مبانيها. المراحل الأولى للأزمة المالية العالمية بدأت فى فبراير 2007 عندما تعثر عدد كبير من أصحاب قروض المنازل فى سداد أقساط الرهن العقارى، ما أدى إلى جفاف الائتمان فى البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية وعدم قدرتها على تقديم مزيد من القروض للمشاريع الجديدة، وما تلاه من انهيار عدد من المصارف الكبرى ومؤسسات أخرى مرتبطة بها. ويوضح شريف أن تأثير الأزمة المالية على القطاع بدأ يظهر بداية العام الماضى، فعلى الرغم من أن الشركات كان لديها مشاريع تعمل عليها بالفعل فإنها كانت كلها عقودا متفقا عليها منذ عام 2007 وتم تمويلها بالفعل، فى حين كانت التوقعات لباقى الشركات عام 2008 وعام 2009 غير واضحة مع عدم ظهور مشاريع جديدة، مشيرا إلى أنه منذ النصف الثانى من 2008 حتى نهايته بدأ انهيار قوى فى قطاع الإنشاءات، حيث فقد الكثير من الأشخاص أعمالهم. يقول شريف «أنا نفسى فقدت عملى فى شركتى القديمة لكنى تمكنت من الحصول على عمل فى شركة أخرى، لذلك لا توجد عندى أى ثقة أن الشغل الحالى يمكن أن يستمر للأسبوع أو الشهر المقبل». ويشير شريف إلى أنه شاهد بنفسه اختفاء شركات وفروع بالكامل من السوق، بينما كانت غيرها أفضل حظا فاضطرت فقط لتقليص عدد الوظائف لديها بنسبة 50 فى المائة فى شهر واحد، مضيفا أنه منذ منتصف عام 2008 وحتى شهر يوليو الماضى بلغ متوسط معدل فقد الوظائف فى الولاياتالمتحدة كلها 500 ألف وظيفة شهريا. وعلاوة على خفض عدد العاملين فى الشركة التى يعمل فيها، أوضح شريف أنه تم أيضا تقليص رواتب جميع العاملين بحد أقصى 15 فى المائة والتى كانت من نصيب القيادات نزولا إلى 5 فى المائة. الملحوظة الجديدة التى التفت إليها شريف أيضا هى «حركة الهجرة الداخلية» مع ظهور كثير من العاملين معه من ولايات أخرى مثل تكساس مثلا، حيث اضطروا لترك الولاية التى كان يقيمون فيها بعد إغلاق فرع الشركة التى يعملون فيها هناك وعدم وجود فرصة عمل أخرى. ولأن السبب الرئيسى فى الأزمة المالية كان قطاع الإسكان بشكل غير مباشر مع التوسع فى الإقراض العقارى دون وجود ضمانات كافية، فكان هذا سببا إضافيا لكونه من أكثر المتأثرين، على حد قول شريف، حيث اضطر أصحاب المنازل غير القادرين على سد الرهن العقارى إلى ترك منازلهم، ما أدى إلى وجود عرض كبير فى سوق الإسكان، علاوة على عدم قدرة البنوك على منح قروض جديدة وبالتالى جعل الشركات العقارية غير قادرة على بدء مشاريع جديدة، لذلك كان أول ما قامت به الحكومة هو ضخ الأموال فى البنوك لتدوير عجلة الاستثمار «وواضح إنها بدأت تعمل تأثير». ورغم أن الأنباء والتقارير تشير إلى بعض تحسن فى الأداء الاقتصادى بالولاياتالمتحدة فإن شريف لم يكن يبدى تفاؤلا كبيرا فهو يرى أن الانهيار الاقتصادى قد يكون تباطأ لكن هذا ليس معناه أنه توقف، مضيفا أنه إلى أن يتوقف نهائيا فإن التوقعات تشير إلى أن مزيدا من الوظائف ستفقد بمعدل عالٍ، كما أن الوصول لمرحلة الانتعاش الاقتصادى سيكون بطيئا. كشف تقرير أخير لوزارة التجارة الأمريكية عن تقلص الاقتصاد بنسبة واحد فى المائة خلال الربع الثانى من العام الحالى مسجلا معدلات أفضل من المتوقع، ما جعل عددا من المحللين يرون فى هذه الأرقام مؤشرا على أن أطول حالة ركود يشهدها الاقتصاد الأمريكى منذ الحرب العالمية الثانية بدأت فى التراجع. الأزمة كان لها تأثيرها الواضح على حياة شريف الشخصية وعاداته مثله فى ذلك مثل معظم العائلات الأمريكية، ففى الماضى كان هناك غالبا بند للخروج أو التسوق أو السفر أو تغيير السيارة، أما الآن فالمصاريف توجه للضروريات فقط سواء دفع قسط المنزل أو فواتير الكهرباء والغاز والمياه وبنزين السيارة. «حاليا فرصة ممتازة جدا لمن يريد شراء أى شىء» كما يوضح شريف لأن المحال تريد التخلص من المخزون لديها بأى شكل، لأنه إذا لم يحدث ذلك فلن تقوم المصانع بإنتاج وتوريد الجديد، وبالتالى لن تحتاج لمواد خام جديدة وستتوقف عجلة الاقتصاد نهائيا. أظهر آخر تقرير صادر عن وزارة التجارة الأمريكية ارتفاع إنفاق المستهلك بنسبة 0.4 فى المائة خلال شهر يونيو الماضى مع زيادة شراء السلع المعمرة رغم تراجع الرواتب بأكبر المعدلات فى أربعة أعوام ونصف العام. «ممكن يكون معى أموال الآن لكنى لا أريد أن أصرفها كلها لأنى خايف أن أفقد عملى فى أى وقت لذلك أفضل وضعها فى البنك تحسبا للمستقبل»، كما يقول شريف الذى اعتاد زيارة مصر سنويا إلا أن العام الحالى كانت هذه الزيارة مهددة بالإلغاء بنسبة 90 فى المائة مثل كثيرين غيره قاموا بذلك بالفعل، فعلى عكس كل عام عندما كان يحجز تذاكر الرحلة فى شهر فبراير للحصول على عروض أرخص، لم يقم شريف بحجز رحلته للعام الحالى إلا قبلها بثلاثة أسابيع «ومع ذلك وجدنا أسعارا أفضل من أى سنة سابقة بسبب المنافسة بين الشركات على عدد أقل من المسافرين». وتشير آخر الإحصاءات الرسمية فى الولاياتالمتحدة إلى وصول نسبة البطالة إلى 9.5 فى المائة، ورغم أن الرقم قد يبدو صغيرا نسبيا إلا أن التسعين فى المائة الباقين يخشون أن يفقدوا وظائفهم فى أى وقت، ما يجعلهم رافضين إنفاق المزيد من الأموال، كما يوضح شريف، ما كان له تأثير واضح على السوق، خاصة أن الاقتصاد الأمريكى يعتمد بنسبة كبيرة على إنفاق المستهلكين. يقول شريف «تقديرى أن الحالة ممكن تستمر سنة أكثر، وهذا هو المقصود بحالة الثقة، قد لا يكون لما أعتقده علاقة بالواقع لكن هذا ما أشعر به، ربما بعد تحسن الاقتصاد كله ثقتى تتحسن»، مضيفا أن الحكومة تحاول إقناع الناس بأن الأمور تتحسن، لذلك فمن المؤشرات المهمة شهريا مؤشر ثقة المستهلك الذى لايزال يقف عند مستويات منخفضة. وكشف تقرير أخير لمجلس المؤتمر conference board عن تراجع مؤشر ثقة المستهلك الأمريكى خلال شهر يوليو الماضى إلى 46.6 نقطة مقابل 49.3 فى يونيو السابق بسبب المخاوف بشأن سوق العمل. شريف لديه ولدان أحدهما فى الثامنة عشرة من عمره ويستعد للالتحاق بالجامعة بعد حصوله على منحة لدراسة إدارة الأعمال، وخلال تقدمه للحصول على المنحة لاحظ شريف أن الضغط أصبح أقوى على الجامعات للحصول مع ارتفاع أعداد غير القادرين على إلحاق أبنائهم بها. والجديد بالنسبة للجامعات هذا العام كان أن حملات جمع التبرعات التى كانت فى الماضى تكون بهدف تجديد المبانى وإقامة منشآت جديدة، أما الآن فأصبحت من أجل تقديم مزيد من المنح الدراسية، وهو ما كان له رد فعل إيجابى حيث تلقت الجامعات تبرعات أكثر لشعور الناس بأنها من أجل إلحاق مزيد من الطلبة للتعلم.