ثمانية وعشرون عاما كاملة مرت على كارثة انفجار أشهر مفاعل نووى فى التاريخ، مفاعل تشيرنوبيل Chernobyl، كانت البشرية على موعد مع الفزع، مجسما منتصف العام 1986 والعالم يحبس أنفاسه وهو يراقب إجلاء السلطات السوفيتية لأكثر من تسعين ألف مواطن من مدن Prypiat وChernobyl الواقعة فى محيط الكارثة. وصل عدد المهاجرين إلى 350 ألفا خلال الأربعة عشر عاما اللاحقة لتاريخ الحادث، لتصنف بعدها مدينة Prypiat التى كانت عامرة بعمال المفاعل وأسرهم، ضمن ما يُعرف عالميا ب«مدن الأشباح» Ghost town! ما الذى جد على Prypiat؟ فى العام 2011 تم الإعلان بصورة رسمية من قبل سلطات أوكرانيا عن تشرنوبيل وما حولها من مدن الأشباح كمناطق جذب سياحى، المثير للدهشة والسخرية فى آن واحد، أن العالم قد شهد كارثة نووية مروعة فى العام ذاته، بل تزامنت الحملة السياحية الضخمة التى أطلقتها أوكرانيا فى ذلك التوقيت مع انفجار مفاعل نووى جديد، لكنه فى فوكوشيما اليابانية فى أقصى الشرق. *************** مصطلح «التفكير خارج الصندوق» نفسه سيخجل إذا ما استخدمناه لنصف الفكرة التى وضعتها السلطات موضع التنفيذ وصممت على الاستمرار فيها، رغم حظهم العاثر مع «فوكوشيما»، لقد حولوا هذه المشاهد الموحشة المفزعة التى تراها إلى مزار سياحى كبير يتوقع له أن يدر ملايين الدولارات سنويا. يعرف Edward de Bono رائد قواعد التفكير الإبداعى عالميا، الإبداع باختصار على أنه: «التحرر من التفكير وفق أنماط الحياة التقليدية، حتى نتمكن من رؤية الأشياء حولنا بصورة مختلفة». مغامرون، عشاق للإثارة، مستكشفون وغيرهم يتوافدون بالمئات على Prypiat مدينة الأشباح، ليروا آثار أكبر كارثة بشرية فى العصر الحديث. George Johnson انتبه لهذا التطور الدراماتيكى، لكنه سماها «السياحة النووية The Nuclear Tourist» فى مقال له يحمل العنوان نفسه على National Geographic، والأمر عند التأمل يبدو أعمق بكثير من مجرد ابتكار نمط جديد للسياحة، إنه نمط للتفكير الخلاق! التفكير بلا حدود! *************** اعتقدت بصورة تلقائية أنه لابد وأن تكون مشكلة التلوث الإشعاعى قد انتهت تماما، فالبديهى بالنسبة إلينا طبعا أن يكون المكان مهيئا آمنا لا تشوبه شائبة وإلا كيف سنجتذب السياح؟ لكن المذهل أن كابوس تشرنوبيل لم يختف إلى الأبد. ولا يتوقع لما حوله من مدن تأمينا كاملا إلا بحلول العام 2065...تصور! السلطات الأوكرانية كانت قد بدأت تصنيع ما سمته: «الغطاء الآمن الجديد» وهو عبارة عن قوس يبلغ وزنه 32 ألف طن وتكلفته مليار دولار تقريبا، ويتوقعون إتمام إنجازه بحلول عام 2017، ليحل محل التابوت الحجرى الذى أنشأ عقب حدوث الكارثة مباشرة لاحتواء قلب المفاعل المنفجر. أما توقيت انتهاء عمليات التطهير وتفكيك باقى المفاعلات الفرعية وتأمين المواقع فيقدرها الأوكرانيون بالعام 2065.