• الحاجة بدرية: نردّد الشهادة كل ليلة خوفا من انهيار الجبل • سميرة: الحى يريد تعجيزنا ويطالبنا بتقديم أوراق يعلمون أننا لا نملكها • المياه تأتى للسكان بالتناوب كل يومين • عدم وجود عنوان رسمى أزمة.. الفئران والثعابين خطر يومى.. وانهيار الصخور خطر قادم «نردّد الشهادتين كل ليلة عندما نخلد للنوم، فالصخور أعلى الجبل قد تسقط علينا أى لحظة» تقول الحاجة بدرية عبدالمعبود، البالغة من العمر 60 عاما، بنبرة أسى، وهى تشير بأصابعها إلى الشقوق التى تخترق جدران غرفتها والتى تنفذ من خلالها الثعابين والفئران». الهزة الأرضية التى تعرضت لها مصر منذ أيام ضاعفت مخاوف الحاجة بدرية، التى تحلم بأن يكون لها شقة تؤويها وابنها، بدلا من الغرفة التى لا تتعدى مساحتها 4 أمتار فى 3 أمتار، والتى اضطرت لتخصيص جزء منها كدورة مياه بدلا من قضاء حاجتها فى دورة المياه المشتركة مع باقى جيرانها، وتقول «كلما وقعت صخرة نقوم برصّها بجوار الأخرى». «لا نجد مياها لنشرب، ولا نحصل على أنبوبة البوتاجاز إلا بطلوع الروح... عندما نجلس على الأرض لنأكل، تشاركنا الفئران فى طعامنا، وطعامنا لقيمات مغموسة بالتراب، هو حالها مع ابنها الذى تعيش معه فى هذه الغرفة. فرحت الحاجة بدرية عندما علمت أن الدولة ستعمل على تطوير المنطقة، وإعطاء الأهالى شققا بديلة مؤقتة فى السادس من أكتوبر، لحين الانتهاء من مشروعى الأسمرات وتحيا مصر فى المقطم، الذى من المفترض أن يتم نقل أهالى المناطق العشوائية شديدة الخطورة إليه. لكن فرحتها لم تكتمل، عندما بدأ الحى فى جمع بيانات أهالى شارع أمير المؤمنين الذى تقطن به، «الحى يريد تخصيص شقة واحدة لأكثر من أسرة، وسعينا لمقابلة محافظ القاهرة عندما علمنا أنه فى منطقة توشكى الواقعة بجوارنا، فكان رده علينا «كل 4 أسر سنعوضّها بشقة، وإن لم تستجيبوا سنقطع عنكم المياه والنور». لماذا تركتنا الدولة؟ أمام باب منزلها المواجه للجبل وقفت فاطمة خليفة تشكو حالها «أسكن هنا منذ 8 سنوات، لم يهتم أحد لأمرنا خلالها، وفوجئنا منذ عدة أيام بإزالة أحد البيوت بجوارنا، وتعويض ساكنه من قبل الحى بسكن مؤقت فى السادس من أكتوبر، ولا ندرى لماذا لم يفعلوا معنا الأمر ذاته، مع أننا فى نفس الصف». فاطمة كانت تقيم سابقا أسفل الجبل، أو «تحت» بتعبيرها، ولكن إيجار الشقة التى كانت تمكث فيها ارتفع شيئا فشيئا إلى أن اضطرت للبحث عن شقة أو غرفة بتكلفة أقل، تقول «هذه أرخص منطقة، أقصى قيمة من الممكن أن تُدفع فى الغرفة 100 جنيه، بدون مطبخ أو حمام، فالحمام شرك بينى وبين بقية الغرف». المياه تصل للصف الذى يقع فيه بيت فاطمة يوما، وتصل لصف البيوت المقابل لهم يوما، وهكذا يتبادلون تدفق المياه وانقطاعها، تقول بصوت انقطع منه الرجاء «ذهبنا عدة مرات لرئاسة الحى، لنقدم أوراقنا للحصول على شقق بديلة، وفى كل مرة يكون ردّهم «روّحوا وإحنا هنجى لكم». فى مكان مرتفع فى صدر الجبل تروى أم مريم، التى بنت وزوجها بيتا منذ 22 عاما فى هذا المكان قصتها وتقول «جئنا إلى هنا للبحث عن لقمة العيش، ولم نجد سكنا نأوى إليه، فجئنا إلى هنا.. وضعنا أيدينا على هذه الأرض، عشنا لفترة على «لمض الجاز»، ومنذ 3 سنوات فقط تمكّنا من إدخال المياه». «لماذا لم تسألنِا الحكومة حينها عن أى شىء؟» هذا هو السؤال الذى لا تجد له أم مريم إجابة حتى الآن، تقول «مع ضيق العيش وارتفاع الأسعار، فكرّنا فى تأجير غرف المنزل البالغ عددها 8 غرف». «بطاقتنا الشخصية مسجّل فيها أننا مقيمون فى منشأة ناصر، وعندما حاولنا تغيير محلّ الإقامة لنثبت أننا مقيمون فى شارع أمير المؤمنين بالدويقة، رُفض طلبنا، وتقدّمنا بطلب دخول عدّاد كهرباء ودفعنا ثمنه منذ 2009 وحتى الآن لم يتم تركيبه».. بجوار بيوتنا هناك كابينة كهرباء يستخدمها الجميع لتوصيل الكهرباء لبيوتهم عن طريق أسلاك، وكثير من الأطفال تعرضوا لصعق كهربائى بسبب هطول الأمطار وتكشّف الأسلاك من الكابينة. تتابع: «منذ شهرين جاءنا مسئولون من الحى، لإجراء حصر، وخيّرونا بين الحصول على شقة واحدة أو 2 أو 3، وقلنا لهم إن البيت فيه 8 أسر، ولكن كان ردّهم، هو أنه ليس لنا أحقية فى الحصول على أكثر من ذلك». أم مريم تقول: «منذ سقوط صخرة الدويقة عام 2008 وكل الإجراءات توقّفت، ولم يعد بإمكاننا إجراء تغيير لمحل الإقامة، وحتى شهادات ميلاد أبنائنا تسجّل على محل الإقامة القديم بمنشأة ناصر، وتصدّينا لذلك من خلال توثيق عقود الإيجار للغرف التى نقيم فيها بوزارة العدل». أزمة الأوراق فى البيت ذاته، تقيم أسماء وطفلتاها وزوجها فى إحدى الغرف، تتحدث عن معاناتها «زوجى سائق، ولكن لا يوجد من يوظّفه لأنه لا يجيد القراءة والكتابة، إن عمل يوما، جلس فى البيت فى اليوم الآخر، وحاليا أصيب بانزلاق غضروفى، ولا يعمل». كغيرها ذهبت لرئاسة الحى حاملة ما بيدها من أوراق تثبت أنها تعيش فى غرفة مستأجرة بشارع أمير المؤمنين وتروى ما جرى معها «قابلت رئيس الحى ورئيس المباحث، وأخذوا أوراقى، وسألونى لماذا لم أغير محل إقامتى فى بطاقة الرقم القومى، فقلت لهم إن السجل المدنى رفض ذلك، فكان رده أنتم غير مستحقين». تتعجب أسماء التى رفضت أحد الحلول التى طرحت عليها وتقول «فى ناس قالت لى هاتى 700 جنيه، وإحنا نعملك بطاقة من تحت لتحت، وأنا رفضت، لأنى مش عايزة أعمل حاجة غلط». تشارك فى الحديث سميرة أحمد، التى تقطن فى إحدى غرف المنزل، قائلة «الحى يريد تعجيزنا، ويطالبنا بتقديم أوراق يعلمون أننا لا نملكها، ويعلمون أن استخراج تلك الأوراق متوقّف، وعلمنا أن رئيس الحى سلّم آخرين مثل حالنا مقيمين بشارع عامر ومنطقة توشكى، شققا مؤقتة فى السادس من أكتوبر، رغم أنهم لا يمتلكون أى أوراق تثبت أنهم من المنطقة. سميرة تعمل فى أحد مصانع الملابس، وطفلها لم يتجاوز بعد ال11 شهرا، وزوجها سائق، لا تتمنى أكثر من حياة كريمة، لأسرتها الصغيرة، تقول «عندما أتت لجنة الحصر، وجدونا جالسين فى غرفتنا، وطلبوا منا تقديم أوراقنا فى مبنى رئاسة الحى، ففعلنا ذلك، وبعدها عاودت لجنة الحصر المجىء إلينا عدة مرات، وفى كل مرة كانوا يطلبون منا رؤية عقد الإيجار، ويطلبون منا التوجه لرئاسة الحى». تقول «المرة الأخيرة التى توجّهنا فيها إلى الحى قابلنا رئيس مباحث المرافق فسألناه ماذا نفعل، فقال «توكلوا على الله»، ولم نفهم شيئا من هذه العبارة، وكلما سألنا أحدا من المسئولين عن مشكلتنا تهرّب منّا». رسالة وحيدة تريد أن توجّهها سميرة للمسئولين عن العشوائيات «لو كنتم فاكرين إننا هنبيع الشقق اللى هتدوها لنا أو هنأجرّها، مضّونا على تعهّد، أو احبسوا اللى هيعمل كده.. المهم يكون فيه حيطة تدارينا». بجوار سلم ضيق يصعد بك إلى الجبل، تقطن حِكم أبوالحمد فى غرفة أخرى هى وزوجها المريض وأطفالها الثلاثة، وتكسب رزقها من بيع جِلد أسطوانات البوتاجاز.. تقول «معى عقد إيجار قمت بتوثيقه من وزارة العدل، ومع ذلك فالحى لا يعترف به، ويطالبنا بوصل الكهرباء أو البطاقة الشخصية، لتعويضنا بشقة»، تخشى حكم من مغادرة منزلها خوفا من أن يتم هدم منزلها دون وجود حل يضمن توفير شقة لأسرتها. الوضع يختلف إلى حد ما مع نجاح حسن، صاحبة البيت الذى يضم 5 غرف، فقد قامت بإدخال عدّاد الكهرباء إلى البيت منذ عدة سنوات، وبحسب قولها «هذا دليل على أنى أقطن بشارع أمير المؤمنين، وكذلك إحدى الساكنات معى وتدعى هناء عبدالله، لديها قسيمة زواج، مسجّل فيها أن تقطن هنا، ومع ذلك فالحى يريد أن يخيرنا جميعا بين الحصول على شقتين أو ثلاث». تقول هناء «أنا تزوجت مرتين، فى المرة الثانية سجّلت فى قسيمة الزواج أنى أقطن هنا، ومع ذلك فالمسئولون فى الحى يرفضون تعويضى بشقة، ويقولون لى زوجك كفيل بك، رغم أنه على باب الله»، تتمتم فى أسى «سيتركوننا هكذا حتى نموت، كما مات من قبلنا». من جهته قال عاطف أمين، مؤسس التحالف المصرى لتطوير العشوائيات «الدولة لو أجرت تحريّاتها وبحثت سيتسنى لها التأكد من إقامة تلك الأسر بالفعل فى مثل تلك المناطق أو لا»، وتساءل: «أين الأجهزة السيادية؟ من المفترض أن الدولة لديها وسائل وإمكانات تعلم من خلالها ما إذا كان هؤلاء المواطنون يمتلكون مساكن أخرى أم لا، وهو ما سينطبق عليه بعدها ما إذا كانوا مستحقين للحصول على شقق بديلة أم لا». وقال: «لماذا تضع الحكومة هذه الشروط التعسفية، من المفترض أن تسهّل عليهم، وأن يكون هناك شفافية فى عملية توزيع الشقق»، لافتا إلى أن كثيرا من الأهالى اشتكوا بعد انهيار صخرة الدويقة 2008، من حصول عدد من المواطنين، لم يكونوا من سكان المنطقة، على شقق بديلة.