« لا ما ينفعش أنا لازم أقبض الجمعية أول يوليو، لازم أدفع حق إيجار الشاليه فى مارينا، ولا عايزينى مصيفش السنة دى أنا وأولادى»، هذا ما جاء على لسان ماجدة أسعد، ربة منزل وأم لابنين متزوجين، تصطحبهما معها فى «مصيف الأسرة» ليقضوا الإجازة سويا. توفير مصروف المصيف أصبح مما لا شك فيه بندا أساسيا فى ميزانية الأسرة، التى تنتمى للطبقة الوسطى والوسطى العليا، شأنه شأن المدارس أو رمضان، أوغيرها من أساسيات الأسرة المصرية، ولكنه فى الفترة الأخيرة، كما تقول أسعد، تحول إلى «عبء لا تستطيع أن تتفاديه الأسرة»، بحسب قولها لأنه أصبح مصدر الترفيه الوحيد فى حياة الكثيرين. ومن ثم تبارت هذه الشريحة من الأسر فى توفير التمويل، فكثير مثل ماجدة قرروا الدخول فى جمعية شهرية ليستحقوا مبلغها فى شهر المصيف، وآخرون قرروا أن يحددوا موعد السفر فى بداية الشهر «مع القبض»، كما يقول أحمد عبدالحافظ، موظف بشركة أدوية، وكثير من الأسر قررت الاشتراك كلها فى شاليه أو شقة واحدة لتقتسم مبلغ الإيجار فيما بينهم وبذلك يكون العبء معقولا. «نحن لا نملك الاختيار، مش معقول كمان مش حنصيف، السفر إلى الخارج غالى ولا نستطيع أن نتحمله، والسفر إلى شرم الشيخ والغردقة أيضا بات مكلفا، مفيش أمامنا غير الإسكندرية، مش معقولة كمان مش حنقدر نستوعب ميزانيتها»، تقول ماجدة أسعد. لذلك شهدت أسعار الإيجارات فى الساحل الشمالى، موضة السنوات الأخيرة، زيادة ملحوظة بعد أن ظلت منطقة الساحل سنوات طويلة مهجورة باعتبارها خارج نطاق محافظة الإسكندرية نفسها. فبعد أن كانت الإيجارات فى الإسكندرية تقترب فى كثير من الأحيان إلى ألف جنيه فى اليوم، بحسب إبراهيم مدكور، سمسار، إلا أنه فى الوقت الحالى انخفضت إلى أكثر من النصف لتصل فى كثير من الأحيان إلى 300 جنيه فقط، وذلك نتيجة «موضة الساحل الشمالى ومارينا» بحسب قوله. المنتزه، جليم، ميامى، المعمورة، والعجمى، كانت تلك هى شواطئ الصفوة من قبل، ولكن الآن الوضع تغير، فقد أصبحت القرى التى تقع على خط الساحل هى «الأشيك» الآن، وكلما اقتربت المسافة من مارينا زاد الإقبال، وبالتالى ارتفع سعر الإيجار. ويضيف مدكور أن الساحل، نجح فى الخمس سنوات الأخيرة، فى اجتذاب الشريحة الأكبر والأعلى من المجتمع، «اللى بيدفعوا فلوس»، على حد تعبيره، بينما ترك لبلاجات الإسكندرية، الطبقات الفقيرة، التى «يادوب على قد حالها»، على حد تعبيره. فبعد أن كان منتجع عايدة، هو الوحيد الموجود على هذا الخط، اصطفت القرى، واحدة تلو الأخرى، لا يتجاوز عدد الكيلوهات بينهم 2 أو 3، لتسحب البساط من تحت هذه المصايف التقليدية فى الإسكندرية. فتجد المروة، والمنتزه، وسيدى كرير، والريفييرا، إلخ، وقد بدأ الخط يطول، ليمتد حتى بعد شاطئ مارينا ليقترب من سيدى عبد الرحمن. هذا الإقبال على الساحل الشمالى، رفع أسعار الإيجار لتصل فى كثير من الأحيان إلى 2000 جنيه فى اليوم، «مش حرام ده، هذا يعنى أنه لكى تمضى أسرة أسبوعا فى المصيف عليها أن تتكبل إيجارا بما يقرب من 14 ألف جنيه، إيه الفرق إذن بينه وبين السفر إلى الخارج، خاصة أن المصيف يحتاج إلى مصاريف كثيرة كونه فترة الترفيه والفسحة للأسرة»، يقول محمد عمر، مهندس، مشيرا إلى أنه لكى يقضى إجازة مع زوجته ووالدته وولديه اضطر إلى أخذ قرض من البنك لتكملة حق الإيجار، وليكون معه نقود تسمح له بالفسحة، علما بأنه من متوسطى الدخل. زيادة الطلب تخلق بزنيسا جديدا مع ازدياد الطلب على المصيف فى الساحل الشمالى صار على من يريد أن يضمن مصيفا أن يبادر بالحجز مبكرا ليضمن حصوله على الشاليه الذى يريد. فالطوابير طويلة، ومن يتأخر، سيلاقى نفس مصير منال وجيه، مدرسة، العام الماضى. «حجزت الشاليه وتأخرت فى الدفع أسبوعا واحدا بسبب تأخر تحويل راتبى، فقامت صاحبة الشاليه بإيجاره إلى أسرة آخرة ولم أجد شاليها آخر فى نفس القرية، التى يجتمع فيها الأسرة كل عام واضطررت للسكن بمفردى بعيدا عنهم»، كما تروى وجيه. إذا كان تمويل الأسرة للمصيف أصبح إذن عبئا، فهذا يرجع فى الأساس إلى قيام كثير من الأفراد باستغلال زيادة الطلب وتحويل العملية بأكملها إلى بيزنس، فنجد من يؤجر شاليها ليتم تأجيره من الباطن بسعر أعلى، ونجد من قرر تخصيص الشاليه الخاص به ولأسرته للإيجار على أن يحصل على المبلغ ويصيف هو فى مكان آخر. هذا غير السماسرة الذين يتظاهرون دائما بعدم وجود شاليهات خالية للإيجار من أجل الحصول على نسبة عمولة أكبر. «من يريد إيجار شاليه فى الساحل فليتصل بهذا الرقم، وسترد المسئولة عن عدد من الشاليهات الفاخرة، التى تتناسب مع جميع الطلبات، وبمختلف الأسعار، طلبك، مهما كان موجود»، هذا الإعلان تكرر مرارا قى جرائد الإعلانات فى الفترة الأخيرة ترويجا لعدد من الشاليهات فى الساحل. والشخص الذى يرد مسئول عن قائمة من الشاليهات، يقوم بترويجها لأصحابها مقابل نسبة تتراوح من 15 و25% على حسب السعر التى تنجح فى الحصول عليه. هناك شاليهات صف أول على البحر، وأخرى بعيدة عن البحر، هناك شاليهات غرفتين وأخرى ثلاث غرف، وهناك قرى بها خدمات ترفيهية (حمام سباحة، وسينما وملاهى) وأخرى لا، وكله بسعره، هذا هو الرد الذى تلقيته عند اتصالى بأحد الأرقام المعلن عنها. وقرية الريفيرا صورة واضحة لهذا البيزنس الصيفى، فهذه القرية معظم شاليهاتها ملك للمصريين العاملين فى الكويت، وهؤلاء بعد الطلب المتزايد على الساحل، كما يقول أدهم مروان، سمسار بالمنطقة، قرروا الاستفادة منها بعد إغلاقها كل هذه الفترة الطويلة. فقرية الريفييرا، كانت من أوائل القرى التى تم إنشاؤها فى الساحل، وبرغم ذلك لم تكن تحظى بإقبال عال، «فيه حد يشترى شاليه فى الصحراء»، هذا كان هو الرد الذى كانت أتلقاه منذ خمس سنوات حين كنت أعرض على أحد أصدقائى الذهاب إلى الشاليه هناك»، يروى عبدالرءوف محمد، موظف فى أحد البنوك الكويتية وأحد مالكى الشاليهات هناك. الوضع تغير الآن، فأصدقائى يتسابقون للعثور على أسبوع خال فى الشاليه خلال موسم الصيف، لا يكون فيه مؤجر، ليأخذوه منى ويوفروا نفقات إيجار أى شاليه آخر فى الساحل. الساحل سحب البساط من تحت أرجل مصايف الإسكندرية التقليدية، وبدأ خط الساحل نفسه يفقد بريقه فى صالح القرى الجديدة، التى تم إنشاؤها بعد مارينا، فهل ستظهر موضة أخرى للمصيف تسحب أيضا البساط من تحت أرجله؟ «بالطبع نعم، دوام الحال من المحال، والشعب المصرى يجرى وراء المظاهر، وهذا هو حل اللغز»، كما يقول طه مختار، أستاذ جامعى «يضطر»، بحسب كلامه، أن يدفع «هباء» كل عام مبلغا لا يقل عن 10 آلاف جنيه من أجل إرضاء أولاده والتصييف فى الساحل.