رفض مجلس إدارة نادى مستشارى هيئة النيابة الإدارية، برئاسة المستشار عبد الله قنديل، مشروع قانون الخدمة المدنية، الذي أعدته الحكومة، حيث إن المشروع يحجب كثيرًا من الجرائم عن اختصاص النيابة الإدارية، ويجعله قاصرًا على المخالفات المالية، التي يترتب عليها ضررًا ماليًا. وأضاف النادي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الخميس، بمقر النادي، أن مشروع القانون- الذي من المقرر رفعه لرئاسة الجمهورية، بعد تعديله بقسم التشريع بمجلس الدولة، لإقراره- يهدر عن عمد روح ثورتي 25 يناير و30 يونيو، واللتان قامتا بهدف القضاء علي الفساد المالي والإداري بأروقة ودواليب العمل الحكومي العام. وطالب النادي، في بيان له، الخميس، الرئيس عبدالفتاح السيسي، وإبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بإعادة دراسة المشروع من أجل تحقيق طموحات المصريين، وترك أمر تشريع هذا القانون لمجلس النواب القادم. وأسباب رفض المشروع هي: 1- إن مشروع القانون يهدر وعن عمد روح ثورتي الشعب المصري في 25 من يناير 2011، و30 من يونية 2013،اللتين قامتا بهدف القضاء علي الفساد المالي والإداري بأروقة ودواليب العمل الحكومي العام. إذ أن هذا المشروع يحجب كثيرًا من الجرائم عن اختصاص النيابة الادارية ويجعل هذا الاختصاص مقصورًا على المخالفات المالية التي يترتب عليها ضرر مالي يتعذر جبره أو تداركه، وتناسى واضعو المشروع أن كثيرًا من الجرائم التأديبية ذات الخطورة الشديدة قد لا يترتب عليها ضرر مالي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الضرر المالي ليس من أركان الجريمة التأديبية التي تقوم علي مجرد مخالفة قوانين الوظيفة العامة حماية لهذه الوظيفة ومقدراتها وضمانًا لاستمرار المرافق العامة بانتظام واطراد. ومن ثم فإن اشتراط الضرر المالى المحقق لاختصاص النيابة الادارية بالتحقيق يصيب المصلحة العامة في مقتل ويفتح الباب علي مصراعيه للفساد والمفسدين. من ناحية ثالثة، ما العمل إذا قامت جهة الإدارة بالتحقيق والتصرف مع أحد العاملين بتهمة ارتكاب جريمة تأديبية لها الوصف المالي علي سند من تعهد العامل برد المبالغ المخالسة أو قيمة الإضرار، وبعد صدور القرار نكث العامل عن هذا التعهد وعلي نحو يجعل الضرر محققًا لا يمكن اقتضاؤه. هل تحيل العامل للنيابة الإدارية بعد سبق إصدارها القرار؟. لا يجوز ذلك قانونًا ومن ثم وبدون تفاصيل يتضح العوار في هذا الموضع. وأخيرًا لا يوجد ضرر يتعذر تداركه، فكل الاضرار يمكن اقتضاؤها إما بالخصم من راتب العامل، أو الحجز الإداري أو الدعاوي المدنية، ومن ثم فإن اشتراط الضرر المحقق الذي يتعذر اقتضاؤه كما جاء بالمشروع يعني حقيقة إعدام اختصاص النيابة الادارية بالجرائم المالية، وهو أمر يتصادم مع نص المادة 197 من الدستور الحالي ويؤدي ذلك إلى تقنين الفساد لا القضاء عليه وفقًا لإستراتيجية الدولة المعلنة في هذا الشأن. 2 - أن هذا المشروع يأتي بمفارقة في غاية الخطورة مفادها، أنه ينص على عدم اختصاص النيابة الإدارية بالتحقيق مع شاغلي الوظائف العليا مطلقًا، أي مهما كانت المخالفات المسندة إليهم ووصفها وقيمتها. وبشأن من هم دون ذلك من الدرجات الوظيفية، يشترط أن يكون هناك ضرر مالي محقق، ويتعذر اقتضاؤه وهو أمر يتصادم مع العقل والمنطق ويدفع بشاغلي الوظائف القيادية إلى الهروب من المساءلة وتحميل غيرهم لأمور المرفق العام، وهذا الأمر يتنافي مع اتجاه الدولة نحو تفعيل مباديء المحاسبة الإدارية، ويعطل ما نص عليه الدستور المصري وإستراتيجية مكافحة الفساد التي أطلقها مجلس الوزراء في 9/12/2014، وأن ذلك يعد خللًا في أصول التشريع بحرمان الهيئة القضائية من اختصاصها في التحقيق في تلك المخالفات رغم أهميتها وإسنادها لجهة الإدارة دون مراعاة اعتبارات الحياد والعدالة. 3 - إن هذا المشروع يتصادم مع الدستور الحالي للدولة، والذي أفرد نص المادة 197 منه للنيابة الإدارية، والذي أكد الطبيعة القضائية لها واختصاصها بالمخالفات الإدارية والمالية دون ثمة تحديد أو قيود. ووفقًا لقواعد التدرج القانوني ووجوب احترام القانون لنصوص الدستور، يتعين أن يصدر القانون لتوضيح النص الدستوري وبيان نطاق تطبيقه دون زيادة أو نقصان. فإذا أتى هذا المشروع محددًا المخالفات المالية بأنها التي يترتب عليها ضرر لا يمكن تداركه فإن هذا المشروع يكون قد أتي بقيد لم يأت به الدستور، ومن ثم فإن هذا المشروع بعد صيرورته قانونًا يقع مخالفًا للدستور، ويحق وصفه بعدم الدستورية. 4 - أن هذا المشروع يتصادم مع اتفاقية مكافحة الفساد، التي أعدتها الأممالمتحدة ووقعت عليها مصر في عام 2005، والتي توجب علي كل دولة طرف في الاتفاقية اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمكافحة الفساد والقضاء عليه، وتدعيم الهيئة القائمة على هذا الأمر ومنحها كل السلطات والاختصاصات التي تكفل تحقيق أغراض هذه الاتفاقية. فإذا كانت النيابة الإدارية هي الهيئة القضائية التي اختصها الدستور بالتحقيق في كل المخالفات المالية والإدارية التي تقع في نطاق الوظيفة العامة وكافة الميادين التي تتصل بالأموال العامة، وارتأى المشرع الدستوري تفعيل دورها بالنص عليها وبيان مجمل اختصاصها بما لا يتصور معه أن يأتي القانون على غير رغبة المشرع الدستوري، ومن ثم فقد كان الأحرى والأوفق هو تدعيم اختصاص وسلطات هذه الهيئة القضائية بدلًا من تقليص هذه السلطات والاختصاصات. 5 - أن هذا المشروع يقضي وبشكل كامل على كل الضمانات التأديبية لموظفي الدولة والتي كانت وراء إنشاء النيابة الإدارية بموجب القانون رقم 480 لسنة 1954 كهيئة قضائية متخصصة في مجال التأديب. إذ أن مباشرة الجهة الادارية التحقيق مع العامل حال اتهامه بارتكاب جريمة تأديبية تجعل هذه الجهة في مقام الخصم والحكم في وقت واحد، وهو ما يتصادم مع العدالة وذلك يمثل ردة قانونية غير مقبولة بعد ثورتين للشعب المصري. 6 - إن هذا المشروع يتصادم في مواضع كثيرة أخرى مع الدستور، من ذلك أن هذا الدستور قد عنى بشكل واضح بالمرأة والأسرة المصرية واهتم بتحقيق كل ما يؤدي إلى نشوء الأسرة المتماسكة المترابطة؛ لأن هذه الأسرة هي نواة المجتمع فجاء نص المادة (11) من الدستور على أن «تكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل»، إلا أن المشروع ورد به المادة 49 التي تنص على أنه "ويتعين على الوحدة أن تستجيب لطلب الزوج أو الزوجة في السفر ولا يجوز الترقية إلا بعد العودة واستكمال المدة البينية. ومعني النص أنه في حالة مرافقة الزوجة لزوجها بالعمل بالخارج لا يتم ترقيتها في وظيفتها إلا بعد عودتها من الإجازة. وهو ما يعني إكراه الزوجة علي مفارقة زوجها بقصد العودة للعمل حتي تحافظ علي حقها في الترقية، ومن ثم فإن ما جاء بنص المشروع يؤدي إلي قطع الرباط الأسري وهو أولي بالرعاية حفاظًا علي المجتمع وترابطه ويصم هذا النص بعدم الدستوريةوكان يتعين وضع النص بصورة تجيز للمرأة مرافقة زوجها الذي يعمل بالخارج دون الإضرار بوضعها الوظيفي. 7 - المادة 52 من المشروع تنص على، «يجب علي الموظف الالتزام بأحكام هذا القانون وغيره من القوانين واللوائح والقرارات». وقواعد مدونات السلوك، ولم يحدد المشروع ماهية قواعد السلوك وترك تحديد ذلك للوزير المختص، الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف هذه القواعد من جهة لأخرى وأيضًا اختلاف ما يجب على الموظف وما يحظر عليه من جهة لأخرى، وكان من الأوفق صدور هذه القواعد من مستوى أعلى من الوزير كقرار من رئيس الوزراء، أو من رئيس الجمهورية للحيلولة دون وجود هذا الاختلاف في التطبيق. 8 - بشأن التعيين في الوظائف العامة، قصر المشروع أسلوب التعيين على «أسلوب الامتحان، وترك للائحة التنفيذية تحديد قواعد، وكيفية الإعلان عن الوظائف الشاغرة، وتشكيل لجنة الاختبار وإجراءات انعقاد الامتحان، وكيفية وقواعد المفاضلة، ويلاحظ عدم وضع المشروع لأية ضمانات تكفل موضوعية ونزاهة الامتحانات ومعايير اختيار المتقدمين وقواعد التظلم من النتيجة وهذا قد يؤدي إلى فتح الباب موسعًا للوساطة والمحسوبية، والاعتبارات الشخصية، وإهدار قواعد ومعايير الكفاءة وإهدار مبادئ دستورية واجبة الاحترام تتعلق بتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، خاصة أن المشروع لم يشترط أن يكون الامتحان تحريريًا». 9 - بشأن العقوبات التأديبية، فإنه باستقراء قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة المعمول به حالياً1978، يتضمن المادة 80، منه والتي تنص على العقوبات التأديبية، التي يمكن توقيعها على الموظف مرتكب الجريمة التأديبية بعدد (11) عقوبة، تبدأ بالإنذار وتتدرج في الشدة لتصل إلى الفصل من الخدمة. وفي هذا التدرج مصلحة للعامل المخالف ذاته لأن السلطة التأديبية يكون لديها متسع من العقوبات التأديبية التي تستطيع أن تختار من بينها ما يتلاءم مع حالة كل عامل مخالف على حده. وهو ما يعرف في فقه القانون العقابي بمبدأ تفريد العقاب، وكل ذلك من شأنه تحقيق العدالة الحقيقية بين العاملين بالمرافق العامة، ويسهم بقدر كبير في سيرها بانتظام واطراد وعلي نحو يحقق المصلحة العامة المبتغاة من وراء وجود المؤسسات والمرافق العامة. ولكن المشروع الماثل، اختزل العقوبات التأديبية في خمس عقوبات، وهي الانذار والخصم من الراتب، وتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة سنتين والإحالة للمعاش والفصل من الخدمة. والمشروع علي هذا النحو يقضي تمامًا علي مبدأ تفريد العقاب بالمفهوم السابق بيانه ويصيب المصلحة العامة في مقتل. 10- إن المشروع الماثل لم يتضمن النص على مدة تقادم المخالفة التأديبية وهو أمر يخالف أصول التشريع في مجال التأديب، ويخالف دأب المشرع في كل قوانين التوظف السابقة، ومعنى ذلك تطبيق قواعد التقادم الجنائي أو المدني وكل من النوعين لا يتلاءم مع أهداف العقوبة التأديبية التي تهدف في المقام الأول إلى الإصلاح للمرفق العام وعماله ولا يهدف لتوقيع العقاب في ذاته مجردًا. 11 - ما سبق جزء من كل للعوار الذي لحق بالمشروع الماثل، ومن شأن ذلك أن يتجرد هذا المشروع من كل قيمة قانونية له ويصمه بعدم الدستورية قبل أن يولد. 12- في حالة الإصرار على إصدار هذا القانون وضمه لمنظومة القوانين المعمول بها حال عدم دستوريته، فإن هذا معناه البدء مبكرًا بتقويض دولة القانون، التي من خصائصها وأركانها وجوب قيامها على دستور واجب الاحترام من الجميع الحكام قبل المحكومين.