النقابة العامة للعاملين بالنيابات والمحاكم تطلق النسخة الثالثة من الدورة التثقيفية    بعد تحديث خدمات إنستاباي.. طريقة سهلة لدفع المصروفات الدراسية    مشروعات جديدة لشركة سكاتك النرويجية في مصر لتعزيز الطاقة المتجددة    معسكر تدريبي بين «حياة كريمة» و«صناع الحياة» لتطوير ملف الحالات الأولى بالرعاية    انتخابات أمريكا 2024| ترامب يستهدف 3 ولايات لاستعادة الرئاسة    محمد رمضان يناقش لائحة الأهلي الجديدة قبل اعتمادها    تفاصيل أول نوة خريف.. أمطار غزيرة ورياح شديدة تضرب الإسكندرية في هذا الموعد    إصابة 12 عاملا في حادث اصطدام ميني باص بشجرة بالإسماعيلية    بعد انطلاق فعالياته.. 5 أفلام مصرية تشارك في مهرجان وهران السينمائي    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    اليابان تجلي 16 من رعاياها من لبنان بطائرة عسكرية    خبير تربوى: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم التكنولوجي الذي يؤهل إلى سوق عمل    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    مدرب بايرن ميونيخ: من المؤسف غياب موسيالا.. وهذه نقطة قوة فرانكفورت    «لا يشترط الخبرة».. الشباب والرياضة تعلن وظائف خالية جديدة لجميع المؤهلات (تفاصيل)    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    القبض على المتهم بقتل صديقة داخل منزلة فى مطروح    نيران في غرفة الحاسب الآلي.. حريق داخل مدرسة في المنيا    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    المطرب محمد الطوخي يقدم «ليلة طرب» في مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. ورش وعروض فنية ضمن فاعليات قصور الثقافة    الأوقاف: افتتاح البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دور الإفتاء الماليزية    تقديم أكثر من 103 ملايين خدمة طبية متنوعة ضمن حملة «100 يوم صحة»    باحث سياسي: إسرائيل تحاول إعادة صياغة شكل المنطقة بالتصعيد المستمر    موشيه ديان يروى شهادته على حرب 73: مواقعنا الحصينة تحولت إلى فخاخ لجنودنا.. خسرنا كثيرا من الرجال ومواقع غالية    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    رئيس "الأسقفية" مهنئًا المصريين بذكرى أكتوبر: روح النصر تقودنا في معركة التنمية    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    ابنة علاء مرسي تحتفل بحنتها على طريقة فيفي عبده في «حزمني يا» (صور)    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    3 دعامات في القلب.. تفاصيل الأزمة الصحية المفاجئة لنشوى مصطفى    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    خاص- محامي أتشمبونج: فيفا سيخطر الزمالك بايقاف القيد    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    استشهاد 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي علي بيت حانون    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    غارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الشعوب والأنظمة: السياسة الإقليمية لمصر منذ 2011
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 01 - 2015


2011-2012: العروبة هى الحل
لفترة وجيزة من الزمن، أحل التضامن الشعبى العربى محل العروبة النفعية المزيفة التى اتبعها مبارك لدرجة جعلت البعض يتحدث عن إعادة ميلاد العروبة بإرادة الشعوب وليس بقرار من النظام الحاكم الذى يريد أن يفرض توجهاته على باقى الأنظمة العربية كحال مصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى. ولكن اخترقت هذا الشعور العروبى بعض التفاصيل التى تفسر محدودية الدور الذى لعبه التضامن العربى فى السياسة الإقليمية بعد سقوط مبارك.
لعل أهم هذه التفاصيل هو أن اندفاع الشعوب نحو الشعور بأن مصر هى تونس أو سوريا كان فى حدود التعويل على اللحظة التاريخية دون أن يعنى ذلك إعادة تشكيل نظام إقليمى عربى جديد.
فإن الفاعلين الأساسيين فى الحراك السياسى لم يختاروا القالب العربى لربيعهم ولكن فى الكثير من الأحيان وضعوا فيه بعد حدوثه، على خلاف الثورة العربية على الحكم العثمانى خلال الحرب العالمية الأولى أو حركات التحرر من الاستعمار فى الخمسينيات والستينيات. ذلك أن تبادل الخبرات بين النشطاء العرب كان محدودا قبل 2011، لأن كلا منهم يعيش فى إطار سلطوى لا يسمح بتطوير استراتيجيات تثبت نجاحها وبالتالى تدفع الآخرين نحو الاستفادة منها بما يثرى التبادل بين المجتمعات المدنية العربية عبر الحدود.
كما أن الكثير من النشطاء سمح لهم الانفتاح على العالم الخارجى بالتواصل مع حركات التحول الديمقراطى خارج العالم العربى. وقد خلق ذلك زخما فى العلاقة بين نشطاء عرب وأجانب حول وحدة القضية وهى التحرر من السلطوية وليس الوحدة العربية. أضف إلى ذلك أن الإطار العربى جاء كرد فعل على اتجاهات السياسة الخارجية لدى الأنظمة العربية. فقد اختارت الثورات أن تسير فى الاتجاه المعاكس لاتجاه الأنظمة الحاكمة على المستويات السياسية داخليا وخارجيا. وبالتالى كانت هناك لحظة تقول بأن مصر هى تونس لمعارضة مغذى مقولة نظام مبارك بأن مصر ليست تونس، أى لإثبات العلاقة الممتدة بالثورات الشعبية على السلطوية عبر الحدود.
2012-2013: الإسلام هو الحل
إن هذا الحيز المحدود للعروبة هو ما سمح للإسلاميين باستغلال هذا الزخم الشعبى وابتلاعه فى مشروع الإسلام السياسى الذى ينادى أيضا بالتماهى بين الشعوب دون الاعتراف بحدود ولا بدول. فلم نسمع إبان حكم الإخوان المسلمين أن مصر ليست تونس أو سوريا. وعلى الرغم من أن تعامل مرسى مع القضايا العربية كان من منظورا إسلاميا، إلا أن مرسى لم يسعى إلى قطيعة مع الدول التى ساندت مبارك أو التى تحكمها أنظمة سلطوية. فقد امتلك نظام الإخوان مشروع الإسلام السياسى كمرجعية أيديولوجية فضفاضة تسمح بالخروج عن إطار الأنظمة الحاكمة للدول أثناء التفكير فى السياسة الخارجية. ذلك أن التعويل على الاتصال المباشر بين المجتمعات والحركات السياسية والأيديولوجية سمح لهم بفتح أبواب للسياسة الخارجية حتى فى الدول التى تحكمها أنظمة معادية للثورات. ولعل سر براجماتية الإخوان المسلمين هو أن العلاقات مع الأنظمة لا تحل محل ولا تتعارض مع العلاقات العابرة للحدود. ولذلك يكون من البراجماتية التعامل مع جميع الأنظمة وعدم المبادرة بتهديدها لأن هناك طرقا أخرى لتحقيق الأهداف لا تمر بالأنظمة الحاكمة. لذلك احتفظ الإخوان بعلاقات ودية مع أنظمة الخليج لأن معادتها أغلى ثمنا من الاستثمار فى العلاقة مع الحركات السياسية والدينية داخل هذه الدول.
2013-2014: الأنظمة الحاكمة هى الحل؟ الإجابة من سوريا وليبيا والعراق
نشهد اليوم ميلا فى السياسة الخارجية إلى التفكير فى حدود النظام الحاكم فى الدول الأخرى وتجاهل شعوبها. ولكن فى وقت تتحدى فيه المجموعات التى تقوم على الهوية إطار الدولة، تحتاج مصر لأن تتخلى عن تعريف علاقاتها الخارجية فى إطار الأنظمة الحاكمة وأن تنفتح على الحركات الداخلية خصوصا أن كان أقرب حلفائها فى المنطقة تستخدم هذا النمط من العلاقات فى تعميق نفوذها الإقليمى، وإذا كانت القوى الدولية تستخدمه أيضا بل وتعول على الدول التى تجيد استخدامه. لا يجب أن يحرمنا الهوس بعودة هيبة الدولة ونظرية المؤامرة التى تسيطر على التعامل مع المجتمع المدنى والمعارضة السياسية من أداة مهمة من أدوات السياسة الخارجية بشكل يجعلنا أضعف من أن نلعب دور الوسيط.
فبالنظر إلى تجارب لبنان والعراق بل وأفغانستان ندرك أن الدول الإقليمية التى تستمر فى كونها طرفا فى إدارة الصراع على المدى الطويل هى التى تتمكن من أن تبنى علاقات سياسية بل وأيديولوجية مع الفاعلين على الأرض سواء كانوا داخل النظام الحاكم أو خارجه.
وإذا كانت الولايات المتحدة تعول حاليا على الدول العربية التى تساند الضربات العسكرية ضد داعش، فهى لن تعول على نفس هذه الدول بالضرورة فيما يخص الحل السياسى طويل الأجل فى سوريا والعراق وحتى ليبيا.
إن التحرك المصرى الحالى فى هذه الصراعات يعبر عن نظرة مفادها أن اللجوء بالتفكير فى السياسة الخارجية خارج صندوق الأنظمة الحاكمة لا يعنى بالضرورة مساندة طرف بعينه من الأطراف المتنازعة، ولكن يعنى محاولة لعب دور الوسيط الذى تسمح له هويته المركبة من التدخل دون أن يكون محسوبا على أحد أطراف النزاع، على أن يكون هذا التدخل بهدف الاستبقاء على الأنظمة الحاكمة أو إعادة إحيائها. ذلك أن مصر غير قادرة على توفير المال ولا السلاح ولا المجاهدين، ولكنها قادرة على توفير الاعتراف العربى والدولى للترتيبات السياسية داخل مناطق النزاعات.
فهذا هو الدور الذى تحاول مصر أن تلعبه حاليا فى سوريا وليبيا بل والعراق، ولكن السؤال: هل تمتلك مصر مقومات لعب هذا الدور على المدى الطويل؟ إذ يتطلب ذلك تواصلا مع الفاعلين على الأرض فى إطار الدبلوماسية بالتوازى مع المسار الأمنى بما يسمح بأن تكون الوساطة المصرية مقبولة من جميع الأطراف وليس مفروضة عليها بالقوة العسكرية.
•••
لا شك أن سوء علاقة النظام الحالى بالحركات الإسلامية يعيق أدوار الوساطة التى يمكن أن تلعبها مصر فى سوريا والعراق وليبيا على المدى الطويل لأن هذه الحركات عابرة للحدود بطبيعة تكوينها وأيديولوجيتها حتى وإن لم تكن على اتصال تنظيمى مباشر ببعضها البعض. وإذا كان الاعتماد على القوة العسكرية يحقق نجاحات محدودة على المدى القصير فى ليبيا وفى سوريا، فإن مصر لن تكون طرفا فى حل هذه النزاعات على المدى الطويل لأن الجماعات الإسلامية لن تختفى من هذه الدول، على الأقل قبل أن يتم إعادة بناء الدولة بل والأمة على مدار عشرات السنين.
كما أن التعامل مع بعض أبناء القبائل فى مصر لا يجب أن يمثل نموذجا للتعامل مع أبناء القبائل فى ليبيا والتى يرفض الكثير منها، وهم من المسلحين، الاقتراب المصرى فى التعامل معهم. أضف إلى ذلك أن الحركات الإسلامية والقبائل قد تستمر كعنصر فى التحالف الحاكم داخل هذه الدول. وإن استمرت مصر فى حربها على الإسلام السياسى، فإن ذلك سوف يخرجها تدريجيا من المعادلات السياسية على المدى الطويل فى كل من ليبيا وسوريا والعراق ويحولها إلى عبء على الأطراف الإقليمية والدولية التى تبحث عن حل لهذه النزاعات.
فالحروب الأهلية فى سوريا وليبيا هى حروب تم تدويلها وتستثمر فيها أطراف إقليمية ودولية الكثير من المال والسمعة الدولية، فما الذى تمتلكه مصر لتدفع هذه الأطراف نحو التضحية بعائد هذه الاستثمارات بهدف التوصل لتوافق إذا لم تكن مصر قادرة على فرض التسوية التى تطرحها من خلال امتلاكها لشرعية سياسية تعترف بها جميع الأطراف على الأرض؟ وكيف تفرض مصر الحل على أرض الواقع إذا كان الأطراف الفاعلون فى الحرب الأهلية داخل سوريا وليبيا يرون فى النظام المصرى الحالى نموذجا للنظام الذى أسقطوه فى ليبيا ويسعون لإسقاطه فى سوريا؟ وهل تنجح وساطة مصرية تتجاهل الأطراف الإسلامية والقبائل العربية التى تساندها؟ ألن تكتشف الأطراف الدولية والإقليمية أننا لا نمتلك أدوات فرض الحلول التى نطرحها؟ إن الأطراف السورية والليبية قد تقبل الوساطة المصرية لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل مدعمة بقوة السلاح وبالاعتراف الدولى، ولكن قد ينتهى دور مصر عند هذا الحد قبل أن يتحول إلى ما كان عليه إبان حكم مبارك: مفلس وهدام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.