هاجر إلى ألمانيا فى شبابه.. وهو يحلم بوظيفة مرموقة ودخل مالى ضخم يغنيه عن الحاجة والسؤال فى خريف العمر، لكن الصدفة لعبت دورها، وغيّرت حاله من الرفاهية والمنصب المرموق إلى السجن تارة والمنع من السفر تارة أخرى. ليحرم بقية عمره من المال، ويبقى لأكثر من ربع قرن يصارع أعلى الجهات الحكومية فى أروقة المحاكم بحثا عن حقه الضائع. المواطن محمد رشدى بسيونى من مواليد 1935، هاجر إلى ألمانيا عام 1959 وهو لم يكمل الرابعة والعشرين من عمره، اجتهد فى عمله، وهناك أثبت تفوقه ليصبح رئيسا لإحدى الشركات الألمانية وهو فى ريعان الشباب، استقرت به الأوضاع، فاشترك فى نظام التأمين الإجبارى والمعاشات الألمانى عام 1977، وبين الحين والآخر كان يعود إلى مصر لزيارة أهله وأصدقائه. زار مصر صدفة مطلع سبتمبر 1981، بالتزامن مع قرارات التحفظ،التى أمر خلالها السادات باعتقال النشطاء والسياسيين الرافضين للسلام مع إسرائيل، ونظرا لوجود تقارير تفيد أن بسيونى له ميول ونشاطات سياسية، تم اعتقاله، وبعد الإفراج عنه فى عهد الرئيس مبارك فوجئ بقرار من وزير الداخلية بمنعه من السفر. تحولت الدنيا فى عينى بسيونى إلى ظلام حالك ويأس مدمر، وفقد وظيفته لمنعه من العودة إلى ألمانيا، رغم صدور حكم نهائى وباتٍ من المحكمة الإدارية العليا عام 1986 بإلغاء قرار منعه من السفر، حيث لم تمتثل وزارة الداخلية لهذا الحكم واستمرت فى إدراج اسمه فى كشوف الممنوعين من السفر. ما منعه من متابعة أعماله وسداد أقساط معاشه طبقا للقانون الألمانى، بالإضافة إلى فشله فى استرداد أمواله فى البنوك الألمانية. وفى أبريل 2000 بلغ بسيونى سن الستين، شعر بأن الزمن مر به وهو فى «سجن الوطن»، مجردا من حقه فى الانتقال والعمل، وزاد حزنه عندما علم بأنه يستحق صرف قيمة المعاش الألمانى نظرا لبلوغه السن القانونية، فلم يجد بدًّا من إقامة دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى ضد رئيس الجمهورية ود.على المصيلحى، وزير التضامن الاجتماعى، ورئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى. وطالب بسيونى فى دعواه بأن تصرف له وزارة التضامن تعويضا عن معاشه الشهرى الذى كان يستحقه فى ألمانيا، وقدره 10 آلاف و500 يورو (نحو 100 ألف جنيه مصرى) باعتبار أن الحكومة هى التى تسببت فى فقدانه معاشه المستحق فى ألمانيا، وأنه غير مشترك فى نظام التأمين والمعاشات فى مصر. تداولت المحكمة الدعوى ثم أحالتها إلى هيئة مفوضى الدولة التى أصابت بسيونى بصدمة أخرى، حيث أوصت بإلزامه باللجوء إلى لجنة فض المنازعات المنصوص عليها فى قانون التأمين الاجتماعى، وقالت إن رئيس الجمهورية ليس له أى علاقة بالدعوى وغير مختص بالاختصام فيها. إلا أن المحكمة برئاسة المستشار د.محمد أحمد عطية، نائب رئيس مجلس الدولة، أصدرت حكما أعاد بعض الحقوق المسلوبة من بسيونى، حيث ألزمت وزارة التضامن وهيئة التأمين الاجتماعى بسداد مبلغ 20 ألف جنيه على سبيل التعويض، وهو أقصى مبلغ تعويض منصوص عليه فى قانون مجلس الدولة. قالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن جميع الأضرار التى أصابت هذا المواطن تعود إلى القبض عليه فى أحداث سبتمبر 1981 تنفيذا لقرار من الرئيس السادات، وأكدت المحكمة أن ذلك القرار يستحق الطعن نظرا لما ترتب عليه من آثار أهمها اعتقال بسيونى ومنعه من السفر وضياع أمواله وعمله فى ألمانيا. وأوضحت المحكمة أنه ليس مطلوبا من بسيونى التوجه للجنة فض المنازعات الخاصة بالمعاشات، نظرا لأنه لا يطلب معاشا أو تأمينا، بل يطلب تعويضا عن معاش تم إهداره بناء على قرارات حكومية تعسفية. أبرزها الخطأ الجسيم الذى ارتكبته وزارة الداخلية بعدم تنفيذ حكم نهائى وباتٍ برفع اسم المواطن من قوائم الممنوعين من السفر، وهو ما كان يستوجب وقتها معاقبة المسئول عن إهدار هذا الحكم.