النصيحة التى تلقاها كل شخص زار الصعيد بالسيارة لحضور العيد مع أهله وأقاربه هى ان يحضر معه جركن بنزين احتياطى، ويفعل الأمر نفسه وهو عائد للقاهرة. غالبية محطات وقود أسيوط والمنيا وبنى سويف والفيوم رفعت لافتة «لا يوجد وقود» وتركت الناس يتصارعون للحصول على حد أدنى من الوقود يكفيهم حتى الوصول إلى محطة يتقى أصحابها الله ولا يبيعون الوقود فى السوق السوداء. أعرف أشخاصا لم يقضوا العيد مع أهاليهم، بل بحثا عن «تفويلة»، وقصص هؤلاء لا تعد ولا تحصى، والاتصالات التليفونية بشأن الحصول على جركن بنزين حتى لو كان 95 تصلح لفيلم ساخر من «الكوميديا السوداء». سألت مجموعة متنوعة من الأشخاص ذوى الخبرة فى هذا المجال، فقالوا هناك ثلاثة أسباب أساسية للازمة الأول قلة المعروض والثانى غياب الضمير والثالث ضعف الرقابة وتراخيها وأحيانا تواطؤها. جزء من المحطات مملوكة لأشخاص عاديين وبالتالى فقد صار من الشائع ان صاحب المحطة يبيع «حمولة» للمستهلكين بالأسعار العادية، وحمولة أخرى يضعها فى أحد المخازن ويبيعها فى السوق السوداء بسعر يزيد أربعين فى المائة على السعر الرسمى ويصل أحيانا إلى مائة فى المائة خلال أيام العيد. ويلجأ بعض أصحاب المحطات بالصعيد إلى حيلة لئيمة وهى قطع الكهرباء عن المحطة،وبالتالى يتوقف البيع. بعض أعيان البنادر والمراكز الذين يعرفون خبايا الفساد يتم استرضاؤهم، ويحصلون على الوقود من الأبواب الخلفية أو تذهب إليهم الجراكن فى بيوتهم. السؤال هو: أين رقابة الحكومة؟!. لا يمكن ان يكون هناك فاسد إلا إذا كان هناك من يعينه على الفساد، وحكايات بعض المفتشين الفاسدين متعددة، والشائع ان المفتش يتقاضى ألف جنيه يوميا مقابل ان يتوقف ضميره عن العمل. المفاجأة ان خبيرا بتروليا من اهل الصعيد يؤكد ان الحكومة لا تضخ أكثر من 60٪ من الوقود المخصص لمحافظات الفيوم والمنيا وبنى سويف وأسيوط. وان كل ما يقال عن الاهتمام بالصعيد محض كلام بلا تنفيذ، وإذا صح هذا الكلام فتلك مصيبة كبرى. يبدو ان الحكومة لا تدرك خطورة ترك مشكلة الوقود تتفاقم، ولا تدرك وتهتم بالصعيد، فإننا نقترح عليها إذا كانت جادة ان تطبق ما تفعله مع أعضاء جماعة الإخوان وكل المتطرفين والإرهابيين على لصوص الوقود سواء كانوا أصحاب محطات أو مفتشين عليها. وبما ان أجهزة الأمن تقبض على كل من يخالف القانون بتهم التحريض والتجمهر والتظاهر بدون ترخيص، فيمكنها ان تطبق نفس المنهج على لصوص الوقود. لو أن أجهزة الحكومة أظهرت العين الحمراء لهذه الفئة الفاسدة الباغية فستضمن لنفسها شعبية فورية. ما لا تدركه الحكومة ان موضوع الوقود يؤثر على شعبيتها بصورة شديدة السلبية. الفكرة الرئيسية التى يرددها كثيرون فى الصعيد ان كل لصوص دولة مبارك عادوا للعمل والنشاط وبكل همة من دون الخوف من أى عواقب. الذين يقولون هذا الكلام ليس الإخوان فقط أو المتعاطفين معهم، بل عدد كبير من المواطنين العاديين المختلفين مع الإخوان والذين خرجوا ضدهم فى 30 يونيو وصوتوا لصالح الدستور وانتخبوا الرئيس عبدالفتاح السيسى. ان لم تبادر الحكومة بشن حرب لا هوادة فيها ضد هؤلاء اللصوص وأمثالهم، فلن يمضى وقت طويل حتى يتمكن الإخوان وكل تجار الدين من العودة مرة أخرى إلى المشهد السياسى عبر هذه البوابة الملعونة. عدو الحكومة الأكبر فى الصعيد ليس الإخوان والإرهابيون بل الفاسدين.