كيف تبدأ الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى دون أن يدفع ثمنه المواطن الغلبان؟. هذا هو السؤال الجوهرى الذى يؤرق الحكومة وأجهزة الدولة ليل نهار هذه الأيام. مساء الأربعاء الماضى تلقيت دعوة كريمة لتناول الإفطار من منير فخرى عبدالنور وزير التجارة والصناعة ومن أحمد الوكيل رئيس الغرف التجارية. أكثر من نصف مجلس الوزراء كان حاضرا إفطار رمضان وعلى رأسه المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة وكل وزراء المجموعة الاقتصادية، وغالبية رموز مجتمع الأعمال من تجار وصناع ومستثمرين. توقيت الإفطار ورغم أنه مجدول من أسبوع مسبق فإنه تصادف مع اجتماع مهم دعا إليه رئيس مجلس الوزراء قبل الإفطار مباشرة مع رؤساء مجالس إدارة الصحف ورؤساء التحرير وأصحاب القنوات الفضائية ليشرح لهم الإجراءات التى تنوى الحكومة اتخاذها فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادى. الحكومة ترى أنها تتخذ إجراء تاريخيا عندما تعالج التشوه الرهيب فى دعم الطاقة، وأنه ينبغى على المجتمع خصوصا الإعلام أن يدعمها فى هذا الأمر، لأنه لا يوجد بديل آخر كما قال رئيس الوزراء. محلب طالب مجتمع الأعمال بالتضحية وعدم استغلال زيادة أسعار الوقود المتوقعة من أجل السعى إلى ربح غير شرعى، وقال أيضا «إننا نراهن على الضمير الوطنى لصناع مصر وتجارها الشرفاء». لا يوجد عاقل يعارض علاج تشوهات دعم الطاقة خصوصا الأموال الضخمة التى تذهب إلى جيوب الوسطاء والسماسرة ولا يستفيد منها الفقراء والمساكين. السؤال مرة أخرى: هل هناك أى إمكانية أن تبدأ الحكومة إصلاحا اقتصاديا وترفع من خلاله الدعم تدريجيا عن الطاقة من دون أن يؤثر ذلك على الفقراء؟!. الإجابة بوضوح من دون لف أو دوران هى: لا. أى تحريك لأسعار الطاقة سيؤثر على الجميع، لكن دور الحكومة المهم فى هذا الأمر، أن يكون لديها تحرك واضح وسريع حتى لا يتأثر محدودو الدخل. لو أن الحكومة نجحت فى هذا الأمر فسوف يمر علاج التشوه فى هيكل دعم الطاقة بسلاسة ويسر ومن دون أعراض جانبية خطيرة. الأمر باختصار أن الموظف الذى يتقاضى فى القطاع الخاص 500 أو 800 جنيه سوف يتفاجا بأن أجرة الميكروباص الذى يستخدمه يوميا زادت من جنيه إلى اثنين، وأن أسعار السلع التموينية الرئيسية زادت أيضا، فى حين أن مرتبه ظل كما هو.. فماذا سيفعل هذا الموظف هو و18 مليون موظف مثله فى القطاع الخاص و6.5 مليون موظف فى الحكومة، وحوالى سبعة إلى عشرة ملايين شخص ليست لديهم أعمال أصلا؟!. المنطقى أن الجميع لابد أن يضحى فى هذه الأزمة غير المسبوقة التى تعيشها مصر على جميع الأصعدة، لكن نجاح الحكومة الحقيقى يتمثل فى كيفية توزيع العبء على الأكثر قدرة أولا، قبل أن تطالب الفقير بأن يتحمل ولا يشكو ولا يتظاهر. نحن مع الحكومة فى علاج تشوه دعم الطاقة، لكن الرهان فقط على ضمير التجار والصناع لا يكفى. لو أن الحكومة طبقت القانون بكل صرامة على أى تاجر يفكر فى استغلال رفع الوقود فلن يكون هناك انفلات فى الأسعار كما يخشى كثيرون. الكرة فى ملعب الحكومة والتجار، لأن المواطن البسيط يضع يده على قلبه خوفا مما هو آت.