أولت الحكومة المصرية الانتقالية اهتماماً كبيراً بالموقف الدولى من الانتخابات الرئاسية التى جرت فى الفترة من السادس والعشرين إلى الثامن والعشرين من مايو الماضى مدركة أن الاعتراف الدولى بهذه الانتخابات هو بمثابة اعتراف بخارطة الطريق المعلن عنها فى الثالث من يوليو، وباختيار أغلبية الناخبين لرئيس جديد بعد ما يقرب من عام على الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطياً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد شمل هذا الاهتمام الدائرة الأفريقية التى مثلت إشكالية لنظام ما بعد الثالث من يوليو بعد تعليق الاتحاد الأفريقى لمشاركة مصر فى أنشطته معتبراً أن ما حدث فى الثالث من يوليو هو تغيير غير دستورى. فكيف استقبل الأفارقة انتخابات الرئاسة وتنصيب الرئيس الجديد؟ على مستوى التنظيمات القارية والإقليمية، شارك الاتحاد الأفريقى، بالإضافة إلى السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) وتجمع الساحل والصحراء، فى مراقبة العملية الانتخابية. والملاحظ أن تلك المنظمات قد ركزت فى تقييمها للعملية الانتخابية على مدى سلميتها وتنظيمها أكثر من مدى حريتها ونزاهتها. فقد خلص البيان الصادر عن الاتحاد الأفريقى إلى أن الانتخابات قد جرت بشكل «مستقر وسلمى ومنظم»، وفى مناخ سمح للمواطنين أن يمارسوا حقهم فى التصويت، وذلك على الرغم من إشارة التقرير ذاته للمناخ المقيد للحريات. ولم يختلف ذلك عن تقدير بعثة الكوميسا، والتى اعتبرت أن الانتخابات قد تمت بشكل «منظم وسلس وشفاف». وعليه فقد اعتبرت البعثة فى بيانها الأول أن العملية تمتعت بمصداقية واتفقت مع القوانين المصرية، وأوصت منظمات المجتمع المدنى ببذل مزيد من الجهد لتوعية المواطنين. ••• وفى الواقع فإن الاقتصار على معايير التنظيم والسلمية لتقييم الانتخابات يثير مشكلتين. المشكلة الأولى أن هذا الأسلوب يغفل المناخ السياسى الذى تتم فيه الانتخابات ويكتفى بالتركيز على صلاحية وقانونية الإجراءات خلال أيام الاقتراع. ويختلف هذا الأسلوب بشكل واضح عن ذلك الذى تبنته المنظمات الغربية المتابعة للانتخابات، وأهمها الاتحاد الأوروبى، والمنظمة الدولية للديمقراطية. وكانت الثانية الأكثر انتقاداً للمناخ الذى أجريت فيه الانتخابات حيث اعتبرت أن المناخ القمعى الذى جرت فيه الانتخابات جعل إجراء انتخابات ديمقراطية أمراً مستحيلاً موصية الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات لإنهاء حالة الاقصاء والترهيب التى سادت فى المرحلة الأخيرة. كما أشارت المنظمة إلى تحيز الإعلام لصالح مرشح الدولة وهجومه على المقاطعين للعملية الانتخابية، واعتبرت أن قرار مد التصويت ليوم ثالث قد أضر بمصداقية العملية الانتخابية وأثار تساؤلات حول استقلال اللجنة العليا للانتخابات. والأهم من ذلك أن أسلوب المنظمات الأفريقية فى تقييم الانتخابات المصرية يتناقض مع المواثيق الأفريقية ذاتها، وعلى رأسها إعلان الاتحاد الأفريقى للمبادئ الحاكمة للانتخابات الديمقراطية فى أفريقيا الصادر عام 2002، والتى تلزم الدول الأعضاء بحماية الحقوق السياسية والمدنية، وأهمها حق التجمع والتنظيم والتعبير عن الرأى كضمانة لانتخابات حرة ونزيهة. وبذلك فإن الحكم على الانتخابات بناء على معايير التنظيم والسلمية هو درب من دروب الالتفاف حول معايير النزاهة والحرية. الإشكالية الثانية لأسلوب المنظمات الإقليمية الأفريقية فى تقييم الانتخابات المصرية أنها تعاملت مع مصر على أنها دولة فى حالة صراع مسلح مما يجعل السلمية وغياب العنف العامل الأهم فى تقييم الانتخابات. ويعنى ذلك أن هذه المنظمات قد قبلت الرواية الرسمية بأن مصر تواجه حرباً فى مواجهة جماعات إرهابية مسلحة مما يفرض معايير استثنائية للحكم على الانتخابات التى تجرى فيها، وليس أزمة سياسية تحتاج إلى حل سياسى لا يستند إلى قمع الحريات بزعم تحقيق الاستقرار. ••• وبعيداً عن موقف المنظمات الإقليمية والحكومات الأفريقية التى غاب معظم رؤسائها عن حفل تنصيب الرئيس المصرى الجديد، جاءت التغطية الصحفية للانتخابات فى مجملها محدودة. فقد أشار تقرير لصحفية «بيزنس داي» إحدى أكبر الصحف فى جنوب أفريقيا إلى ضعف إقبال الناخبين على التصويت معتبرة أن الاستقطاب السياسى والتضييق على الحريات قد أدى إلى مقاطعة قطاعات من الشعب المصرى للانتخابات. كما نقلت صحيفة «ميل أند جارديان» الجنوب أفريقية عن وكالات أنباء غربية تحليلات تشير إلى مخاوف العودة إلى الحكم السلطوى فى ظل حكم الرئيس الجديد بعد فوزه بأغلبية ساحقة. أما صحيفة «الريبورتر» الإثيوبية فقد طغى التذكير بالخلاف مع مصر حول سد النهضة والاتفاقية الإطارية للتعاون فى حوض النيل على تعليقاتها المقتضبة حول انتخابات الرئاسة المصرية. وحذت صحيفة «أديس فورشان» الإثيوبية الحذو نفسه حيث اهتمت مقالاتها بالتحرك المصرى فى جوار إثيوبيا الجغرافى فى الشهور القليلة الماضية، خاصة زيارة بعض الوفود الرسمية المصرية لإريتريا، أكثر من تركيزها على انتخابات رئاسية معروفة نتيجتها سلفاً. وبصفة عامة فقد استأثر خبر احتجاز ثلاثة مصريين منهم مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى أديس أبابا وترحيلهم إلى القاهرة باعتبارهم خطراً على الأمن القومى الإثيوبى بالتغطية الصحفية الإثيوبية لأخبار مصر خلال فترة الانتخابات. ••• إذا كان الشاغل الأكبر للحكومة المصرية فى الفترة الأخيرة هو ترتيب العودة إلى الاتحاد الأفريقى، فإن هذه العودة باتت قريبة استناداً إلى تقارير بعثة مراقبة الاتحاد للانتخابات الرئاسية، وقد بات من المرجح توجيه الدعوة للرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور القمة الأفريقية القادمة المزمع عقدها فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية فى الفترة من العشرين إلى السابع والعشرين من يونيو الجارى، وعقد لقاء بين الرئيس المصرى ووزير الخارجية الإثيوبى على هامش القمة، للرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور القمة الأفريقية القادمة المزمع عقدها فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية فى الفترة من العشرين إلى السابع والعشرين من يونيو الجارى، وعقد لقاء بين الرئيس المصرى ووزير الخارجية الإثيوبى على هامش القمة، ولكن هل تعود مصر أيضاً إلى ما كانت عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ دولة لا تثير السياسة الراكدة فيها اهتمام الأفارقة ولا تصنع أخبارها عناوين الصفحات الأولى فى الصحف الأفريقية أم أن المستقبل سوف يحمل ما يستحق المتابعة؟