عشرات السيدات والرجال تعلقت إياديهم بالضريح الموشّى بالأغصان والتشكيلات الفضية التى انعكست عليها إضاءات خضراء أشاعت أجواء من الخشوع فى مقام القطب الصوفى الكبير «سيدى عبدالرحيم القناوى». بأصوات متهدجة ودموع منهمرة يقرأ الرجال والسيدات «الفاتحة»، بعد أن تجمعوا من كل مكان فى مصر للمشاركة فى الاحتفالات بمولد «ساكن قنا»، كما يصفه معظم الفنانين الشعبيين فى مديحهم وأغانيهم، وهى الاحتفالات التى انطلقت فى أول شهر شعبان وتستمر حتى الليلة الختامية فى منتصف الشهر ذاته، وهو اليوم الذى يتزامن مع ذكرى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة. آلاف المريدين والعشاق يتوافدون على مولد «صاحب الكرامات»، بحثا عن البركة والمدد، عن الصفاء الروحى الذى يهبه المكان لزواره. مسجد سيدى عبدالرحيم القنائى، من أشهر المزارات فى الصعيد، ويتسم بطراز معمارى مميز، وقد شيد فى عام 1136 ميلادية ثم أعيد بناؤه عام 1948، وأجرى له تطوير وترميم قبل بضعة سنوات، شملت الساحة المواجهة له. الشيخ القناوى، هو عبدالرحيم بن أحمد بن حجون وينتهى نسبة للحسين بن الإمام على، رضى الله عنهما، وقد ولد فى الأول من شعبان عام 521 هجرية بقرية تراغى بالمغرب، ثم جاء نازحا لصعيد مصر ليستقر فى مدينة قوص ثم مدينة قنا، وعمل بالتجارة وكانت له الكثير من الكتب والمؤلفات، ومات الشيخ الزاهد عام 592 هجرية ودفن بداخل بالمسجد. مظاهر الاحتفال بالمولد على تتوقف على حلقات الذكر والإنشاد الدينى، إنما تقام مهرجانات التحطيب، وتنظم به سباقات الخيل التى تصاحبها أنغام المزمار البلدى، وعلى مساحة تتجاوز الثلاثة كيلو مترات بجوار المسجد وخلفه، تقام أسواق بيع الحلوى والألعاب والفول السودانى الذى يعد من أكثر المبيعات خلال المولد ويجد رواجا كبيرا خاصة بين أبناء القرى الذين يتوافدون كى يعايش أطفالهم هذه الأجواء الروحانية كما تنتشر الساحات التى تقدم فيها الأطعمة للزائرين الذين يزيد عددهم فى الليلة الختامية على المليونى زائر. وعلى بعد أمتار قليلة من مسجد القناوى تنتشر ساحات الطرق الصوفية التى تقام فيها حلقات الذكر والابتهالات والتواشيح الدينية، ومن بينها الرفاعية والشاذلية والسعدية والحمدية والبرهانية، التى تحرص على قراءة الأوراد وإقامة الحضرات. وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بقنا، الشيخ محمد الصغير طه، قال عن إحدى الطرق المشاركة فى الاحتفالات، وهى الطريقة الرحيمية، إنها أنشت منذ حوالى 63 عاما على يد مؤسسها طه محمد على عتمان، أحد أتباع سيدى عبدالرحيم، والتى تهدف إلى «الإصلاح وبث روح الإخلاص بين أبنائها، واتباع تعاليم الدين الإسلامى، ويحرص أتباع هذه الطريقة على إقامة حلقات الذكر والمديح»، مضيفا «الصوفية مثل البحر كلما بلغت منه عمقا ازدت إليه شوقا، بحثا عن الصفاء»، مؤكدا أن الطريقة بعيدة تماما عن الفكر الشيعى، موضحا «نحن محبون لآل البيت وصحابة رسول الله». ورفعت محافظة قنا حالة الطوارئ، خاصة فى المستشفيات، بتوفير كل المستلزمات الطبية وسيارات الإسعاف فى محيط المسجد، إضافة إلى تكثيف الوجود الأمنى.