اعتبرت مجلة فورين بوليسى التى تصدرها مجموعة واشنطن بوست نيوزويك الأمريكية اعتقال عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا فى مصر محاولة لإحباط العناصر الإصلاحية فى الجماعة ودفعها إلى التطرف. فى المقابل قالت مصادر مصرية رسمية عليمة ل«الشروق» إن «التعامل» مع جماعة الإخوان المسلمين يعد أولوية رئيسية للنظام فى المرحلة الحالية بالنظر إلى «الحرص على دعم الاستقرار». وحسب مصدر مطلع على الملف فإن «الدولة لا تبحث عن مواجهة مع الإخوان المسلمين ولكنها مضطرة للذهاب إليها بالنظر إلى ما تقوم به الجماعة من تحركات تؤشر إلى نوايا غير مطمئنة حول الاستقرار فى مصر». وقال المصدر إن حملات الاعتقالات المكثفة التى شهدتها الأشهر الأخيرة الماضية لقيادات وكوادر الإخوان المسلمين كانت حتمية بعد «العديد من التحذيرات» وجهتها الدولة للجماعة «للكف عن القيام باتصالات مع جهات خارجية» فيما يتعلق بالوضع السياسى الراهن والمستقبلى فى مصر. وأضاف المصدر «لقد سبق التحذير ولم نجد أى نتائج إيجابية وبالتالى كانت عمليات التوقيف». وحسب المصادر التى تحدثت ل«الشروق» وهى مصادر سياسية وليست أمنية فإن المرحلة المقبلة من «التعامل مع الإخوان المسلمين» هى المرحلة الأكثر حساسية. وقال مصدر إن شخصية قيادية فى الحزب الوطنى «بعثت برسالة إلى الإخوان المسلمين عبر شخصية حزبية معارضة» تطرح عرضا غير قابل للتفاوض يقوم على أساس التزام الدولة بتقليص عمليات اعتقال قيادات الإخوان والإفراج عن بعض الشخصيات التى ألقى القبض عليها مقابل أن توقف الجماعة النشاطات التى تراها الدولة من قبيل التحريض السياسى الداخلى والخارجى. وقالت المصادر إن الشخصية الحزبية المعارضة أبلغت قيادات الإخوان أن العرض لن يكون قائما لفترة طويلة وأنه على قيادات الإخوان التقدم برد سريع «فى خلال أسابيع وليس أشهر». وأضاف المصدر نفسه أن الرسالة الواضحة: أما الاتفاق أو الدخول فى مواجهة حتى النهاية ستشمل استمرار حملات الاعتقال والتضييق السياسى والمادى. وحسب المصادر نفسها فإن مصير مجلس الشعب وما إذا كان هناك توجه نحو الحل المبكر أو عدمه مرتبط ضمن أمور عديدة بموقف الإخوان المسلمين الذين لهم نجو 20 بالمائة من إجمالى مقاعد المجلس ال454 من العرض المطروح عليهم. وقال مصدر مطلع «حتى الآن فإن رئيس الجمهورية مازال غير متجه نحو الحل المبكر للمجلس وهو لايميل إلى ذلك»، وأضاف ولكن توفير «مسببات الاستقرار» أمر رئيسى. وفى مقال مجلة فورين بوليسى أشار الكاتب الأمريكى مارك لينش فى تحليله تحت عنوان «حملة على الإسلاميين المعتدلين فى مصر» إلى أن الحملة التى تشنها السلطات المصرية ضد العناصر المعتدلة فى جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام كما حدث فى اعتقال أبوالفتوح وبعض المدونين الشبان فى الجماعة وسوف تجعل مهمة هذه العناصر فى دفع الجماعة نحو تبنى مواقف أكثر اعتدالا وانفتاحا أشد صعوبة. وحذر التقرير الأمريكى من أن تصعيد عمليات القمع ضد جماعة الإخوان المسلمين التى وصفها بأكبر جماعة معارضة فى مصر يهدد بزيادة حالة الاستقطاب فى المشهد السياسى فى مصر الذى يعانى بالفعل من الغليان. وأضاف أن تشديد الحصار على جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن يؤدى إلى ظهور تيارات أو أجنحة متطرفة من داخلها ولجوء بعض عناصرها إلى الاحتجاجات العنيفة أو الدعوة على العصيان المدنى. وذكرت المجلة أنه قد لا يكون من المبالغة القول إن اعتقال عبدالمنعم أبوالفتوح يمكن أن يكون سببا فى ظهور جيل جديد من الإسلاميين المتطرفين كما حدث عندما فتح إعدام المفكر سيد قطب فى الستينيات الباب أمام تحول أعداد كبيرة من شباب الإخوان فى ذلك الوقت إلى مواقف أكثر راديكالية. وتساءلت فورين بوليسى فى تقريرها عما إذا كان هذا هو ما تريده الحكومة المصرية؟ وما إذا كان هذا يمكن أن يخدم مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟ وعما إذا كان من الأفضل وجود جماعة الإخوان المسلمين فى النظام السياسى كجماعة إصلاحية عملية معتدلة. واختتمت المجلة التقرير بالقول إن قضية الإخوان المسلمين ومشاركتهم فى النظام السياسى المصرى يمكن أن تكون محورا لمناقشات مفيدة أثناء وجود الرئيس حسنى مبارك فى واشنطن الشهر المقبل. من جانبه كشف مهدى عاكف مرشد الإخوان المسلمين أن الجماعة أبلغت الدولة من خلال شخصية رفيعة موافقتها على مطالب نقلت إليها بعدم خوض الانتخابات التشريعية القادمة المقررة حتى الآن فى 2010 مقابل الإفراج عن جميع المعتقلين من كوادرها وقياداتها بمن فيهم من ينفذون أحكاما بالسجن صدرت عن القضاء العسكرى. غير أن عاكف قال: رد الجماعة على رسالة النظام لم يقابل برد إيجابى من قبل الدولة حتى الآن، مشيرة إلى أن هذا العرض كان قد تم طرحه على الجماعة منذ أشهر وليس فى الآونة الأخيرة. وقال المرشد إن حالات الاعتقال التى تشنها الأجهزة الأمنية استمرت بالرغم من قبول الجماعة بالعرض. وحول موقف الجماعة فيما يتعلق بسيناريو التدريب قال عاكف: «إننا مازلنا نرفض هذا السيناريو بالثلاثة»، مشيرا إلى أن موقف الجماعة فى هذا الشأن ليس محل تفاوض. وعن اتهام النظام للجماعة بتقليب الرأى العام الداخلى ضد الدولة تحت عناوين القضية الفلسطينية، قال عاكف: «نحن لم نحرض ضد النظام وموقفنا من القضية الفلسطينية نابع من تقديرنا لدور مصر التاريخى». ويرى الدكتور عصام العريان القيادى الإخوانى أن المقارنة بين ما ترتب على اغتيال سيد قطب من ظهور جماعات العنف الإسلامى، واعتقال أبوالفتوح وغيره من أعضاء الجماعة فى محله، قال «كلما أغلقت أبواب العمل الإصلاحى كلما فتحت الباب للعنف»، إلا أنه أكد أن الإخوان حسموا خيارهم السلمى منذ عقود. وتابع العريان «البعد الحقيقى للاعتقالات الأخيرة يتعلق بالقضية الفلسطينية، وليس إحباط العناصر الإصلاحية بالجماعة ودفعها للتطرف كما ذكرت فورين بوليسى، والدليل أن الاعتقالات طالت كل التيارات الفكرية بالجماعة.