يرى أنه حقق أرباحا تفوق بكثير تلك التى حققها هؤلاء الذين سعوا وراء الفن السهل، الذين طبقوا نظرية «الزبون عايز كده»، فأعطوه ما ساعده على تسطيح أفكاره وتعطل عقله وحصدوا ملايين الجنيهات. يرى أنه رغم الفشل الذى أصاب آخر أعماله «ونيس والعباد وأحوال البلاد»، فإن أعماله هى الباقية وهى الأكثر تأثيراً على المستوى البعيد. هو الفنان محمد صبحى، الذى يعتز كثيرا بلقب «مربى الأجيال»، الذى أطلقه عليه عدد من محبيه من الشباب الذين أكدوا له استفادتهم الكبيرة من سلسلة مسلسله «يوميات ونيس». «الشروق» التقت الفنان محمد صبحى ليتحدث عن آخر مشروعاته الفنية بالتليفزيون والمسرح، والجدل الذى أثير حول تنصيبه مؤخرا الرئيس الشرفى للدورة الأولى لمهرجان الدراما العربية. • بداية ما سبب قبولك منصب الرئيس الشرفى لمهرجان، أثير حوله شائعات كثيرة ووصف بمهرجان السبوبة؟ منذ لحظة الإعلان عن هذا المهرجان وأنا ألمس حربا شرسة تشن حوله، وكأن هناك من لا يريد لهذا الحدث أن يقام لحسابات خاصة به، وعليه لم أعبأ كثيرا بما يُشاع عنه أو وصفه بالسبوبة، فلقد وافقت دعما منى لرئيس المهرجان محمد عرب، وهو يعشق الفن والدراما على وجه التحديد، ولم أجد أى مشكله فى مساندته، ومعى مجموعة كبيرة من الأسماء المحترمة، مثل محمود قابيل رئيس لجنة التحكيم وعضوية كل من المخرج عمرو عابدين والناقدة ماجدة موريس والكاتب محمد الغيطى. • إلى أى مدى نحن بحاجة إلى مثل هذه المهرجانات؟ إلى مدى بعيد للغاية، فعلى الرغم أن هذا المهرجان ليس بكبير الحجم وربما المكانة أيضا، لكنه يساعد فى إدارة عجلة الحياة وأنا أعتبره بقعة نور وسط ظلام حالك، فللأسف نحن نسير منذ فترة متخبطين وسط ظلام دامس فى كل المجالات، وبالتالى نكون فى أمس الحاجة لحراك مهما كان بسيطا، ومثل هذه المهرجانات تنعش ذاكرة الجمهور بأعمال خالدة لن تتكرر حينما تكرم أصحابها سواء فى التأليف أو الإخراج والتمثيل، وربما تفيق القنوات وتلتفت إلى الكنز الكبير المركون على رفوف مكاتبها وتسلط عليه الضوء من جديد. • هل ترى أننا لا نزال نعيش «فى ظلام دامس» رغم بدء تنفيذ خارطة الطريق للنهوض بمصر؟ هذه هى آفة الاعلام الذى يناقش المسألة وكان الازمة التى نعانى منها هى الإخوان وهذا كلام خاطئ، فالأمور فى تدهور مخيف، فنحن بصدد مجموعة من الشباب المصرى وصلوا إلى حد الخيانة العظمى، وأقصد هنا هؤلاء الذى يتعمدون الحرق والتدمير والقتل مقابل حفنة أموال يتقاضونها من الإخوان، وهؤلاء ليس لديهم قضية وشعارهم التدمير من أجل التدمير. وأضاف: خرجنا فى مظاهرات عديدة، وشاركت بنفسى فى الكثير منها فى عهد جمال عبدالناصر، وحينما كنا نجتمع استعدادا للخروج لمظاهرة، كنا نفكر كيف نهرب من رجال الشرطة قبل أن يضربونا ولم نفكر للحظة كيف نواجههم أو نقذف عليهم الحجارة، كنا نخرج فى مظاهرات وكلنا خوف على مستقبل هذا البلد، أما هؤلاء فشعارهم سحقا لهذا البلد. • ألا تعتقد أنه بانتهاء مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستهدأ الأجواء؟ أعتقد أنها ستشتعل، فمنذ أكثر من شهر أعلنت أن أى رئيس جديد مجبر على المصالحة، ومجبر على أن يضع يده فى يد الأمريكان لفتح صفحة جديدة، وأعتقد أن المقابل سيكون عقوبات مخففة لمن تلوثت أيديهم بالدماء وكثير من المحبوسين سيتم الإفراج عنهم، وهذا الأمر فى كل الأحوال لن يقبله أحد، وستشتعل الأجواء. • إلى هذه الدرجة لم تعد متفائلا؟ التفاؤل عندى بحذر والدنيا بالنسبة لى ليست «بمبى»، كما يراها البعض، فلا أستطيع أن أفرط فى التفاؤل، وكل الدلالات تقودنى إلى طريق مختلف تماما، وأخشى من كم التوقعات والاحلام التى يضعها البعض فى الرئيس القادم، وكأنه يملك العصا السحرية، وأقول لكل هؤلاء إنه مهما كان الرئيس القادم حتى لو كان جمال عبدالناصر أو أحد الأنبياء فلن يصلح هذا البلد ما دام الجميع أصبح يفهم فى السياسة، وانصرف عن عمله، وأصبح لدينا أمراض تسمى المطالبة بالديمقراطية والحرية دون الانتباه إلى أننا لا نطيق هذه الديمقراطية إذا نالت منا وتتوقف الحرية عند حريتى، بغض النظر عن حق الآخر فى هذه الحرية. • هناك من يوجه لك الاتهام ذاته أنك انصرفت عن الفن وأصبحت تتحدث فى السياسة أكثر؟ أنا وغيرى من الفنانين والشخصيات العامة يعتبرنا البعض قدوة لهم، وأتذكر أنه حينما فتح أحمد رمزى أزرار قميصه خرج علينا جيل مفتوح القميص، وحينما شرب ناصر السجائر قلده كثيرون، وعليه فنحن قدوة سواء شئنا أم أبينا. • وماذا قدم الفن والفنانون من قدوة فى الفترة الأخيرة؟ قدم الإسفاف والابتذال وتكسير القيم وأعمالا تافهة لا معنى ولا رسالة لها، وإذا كنت أدين كل فئات المجتمع على ما وصلنا إليه من حال متدنٍ، فأنا أدين وبقوة الفنان المصرى الذى ساهم فى تسطيح عقول الناس طوال 30 سنة رغم وجود أعمال عظيمة، لكن الحرب كانت أقوى منها، وللأسف القادم اسوأ، فجيل البراعم الذى وقع ضحية أفلام عبده موتة، وغيره حينما يكبر ستكون المصيبة أعظم. • هل هذا تفسير للفشل الذى أصاب الجزء الأخير من يوميات ونيس والذى يحمل اسم «ونيس والعباد وأحوال البلاد»؟ لا أنكر أن هذا الجزء لم يحقق أى نجاح يذكر، ولا أعتقد أنه أخذ حقه فى المشاهدة بالأساس، ولذا فلقد قمت بإلغاء التعاقد بينى وبين التليفزيون المصرى الذى كان يتضمن إنتاج جزء تاسع وعاشر، فحينما أقدمت على فكرة ونيس عام 1994 كنت أرى خللا فى التربية والعلاقة بين الآباء والأبناء والمدرسين، أما الآن فالحال تغير تماما، أصبحنا نعيش فى ماخور طافح علينا بكل ما هو ردىء، وأى محاولة لإصلاحه بهذا الشكل لن تؤتى ثمارها أبدا. • هل تعنى أنك توقفت عن تقديم أعمال درامية؟ بالعكس، سعيت للبحث عن إيجاد فكرة وهو ما توصلت اليه بالفعل من خلال مسلسل «لما سنبل يرجع»، فلقد انتهت أحداث الجزء الثانى من سنبل بسحب الأرض التى زرعها منه وهو ما دفعه للهجرة خارج البلاد، وبعد 27 عاما يعود سنبل هذا الرجل الذى كان رمزا للعطاء ليرصد ما حدث للشارع المصرى بعد الثورة. ويكمل: أنا هنا لا أوثق للثورة وإنما أوثق للتغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية، فأنا فنان صاحب رسالة ورغم أننى لم أحقق ملايين مثلما فعل البعض الذين رضوا الزبون وقدموا له أعمالا تافهة، فإننى حققت ما هو أعظم حينما يوقفنى فى الشارع كثير من الشباب يقولون إنهم تعلموا من أعمالى، واستفادوا منها، وكم سعدت حينما ألتقيت بعض شباب الإخوان المضلل بأفكار خادعة ممن خرجوا فى مظاهرات سلمية وتحدثت معهم بالعقل ووجدت السعادة فى عيونهم، وهم يقولون بفرحة إنهم كانوا بحاجة إلى ناس مثلى يخاطبون عقولهم، ويستمعون لهم ويسمعون لهم وأثنوا على أعمالى وتاريخى الفنى. • تردد أيضا أنك بصدد تقديم مشروع مسرحى جديد؟ ليس بجديد تماما، ولكنى أواصل تقديم مهرجان المسرح للجميع، والذى سبق وقدمت خلاله ثلاثة عروض، هى لعبة الست وسكة السلامة وكارمن، وفى شهر يوليو المقبل أعيد تقديم المهرجان، الذى يتضمن 4 مسرحيات، هى خيبتنا وغزل البنات وسمع هس وملك سيام. • على ذكرنا للمسرح.. ما رأيك فى فكرة «تياترو مصر» التى يقدمها الفنان أشرف عبدالباقى فى إنعاش المسرح من جديد؟ أرفض توصيف ما يقدمه أشرف بالمسرحى، فالمسرح له أصوله وقواعده، وهو أبعد ما يكون عما شاهدناه من عروض تم تقديمها تحت اسم تياترو مصر، وما قدمه أشرف هو اقرب لسهرات تليفزيونية خفيفة أثارت إعجاب الناس، ولكن لا علاقة لها بالفن المسرحى على الإطلاق.