"بوابة الشروق تقدم عرضًا لمقال كتب الناشط علاء عبدالفتاح في محبسه بسجن ليمان طره في 9 مارس الجاري، يتحدث فيه عن العالِم النصاب "ليسينكو" الذي ظهر في الاتحاد السوفيتي، بعهد ستالين، وادعى قدرته على تحقيق انجازات زراعية كُبرى، وقامت الدولة بقمع أي معارض لما روجه من أساطير، ويُسقط علاء هذه الواقعة على الواقع الحالي بمصر. يُذكر أن علاء قد حصل اليوم على قرار بإخلاء سبيله على ذمة قضية التظاهر أمام مجلس الشورى، بكفالة 10 آلاف جنيه، وتم تأجيل الجلسة إلى 6 أبريل القادم. بدأ علاء مقاله بشرح الأجواء التي سبقت ظهور ليسينكو: "في مطلع ثلاثينات القرن الماضي تسببت سياسات ستالين في مجاعة رهيبة في مناطق واسعة من الاتحاد السوفييتي، وخصوصا أوكرانيا، راح ضحيتها ملايين الأرواح أغلبهم - ويا للعجب- من الفلاحين المسئولين عن زراعة القمح. دار جدل واسع من وقتها إلى اليوم حول طبيعة المجاعة، هل ساهمت عوامل طبيعية في تفاقمها؟ هل كانت بسبب سوء سياسات الإنتاج أم التوزيع؟ هل كانت نتيجة ضرورية لسياسات "الاصلاح" الزراعي نفسها أم لفرضها بالقوة رغم مقاومة ورفض الفلاحين؟ وصل الجدل لدرجة اقتناع قطاع من الأوكرانيين أن المجاعة كانت بسبب سياسة تجويع مقصودة، ومجزرة جماعية لضمان خضوع أوكرانيا تماما. الثابت والمؤكد أن هذه السياسات لاقت معارضة قوية من داخل الحزب الشيوعي الحاكم وخارجه، وأن المجاعة لم تكن مفاجئة للمعارضين على اختلاف مشاربهم بين سياسيين وخبراء وفلاحين. الثابت أيضا انشغال ستالين وقتها بتصفية معارضيه ورفاقه السابقين في الثورة البلشفية وأي منافس مستقبلي له. لذا كانت الأدوات الرئيسية المستخدمة في مواجهة المجاعة هي القمع والبروباجاندا. في هذا السياق ظهر ليسينكو كأداة مثالية للروباجاندا، ابن البروليتارية الكادحة المولود في أرياف أوكرانيا الذي علم نفسه علوم الأحياء والزراعة والوراثة، دون الاعتماد على المؤسسات الأكاديمية الموروثة عن البرجوازية وعهد القيصر. قُدم ليسينكو للمجتمع السوفيتي على أنه بطل الثورة القادر على صنع المعجزات، وزراعة الحبوب خارج مواسمها، ومضاعفة إنتاجية الأرض بقوة إخلاصه للثورة، وولائه للحزب الحاكم. ارتفع نجم ليسينكو سريعا بتوجيه من السلطة، لم يهتم ستالين بتفاصيل تافهة كصحة الأبحاث ودقة التجارب، ولا مدى التزام ليسينكو بالمعايير العلمية. لم يقلقه إجماع علماء عصره على أن ليسينكو جاهل أو دجال، فقد كانت مشكلة ستالين سياسية، تنحصر في كيفية إقناع شعبه بتحمل المجاعة والتعايش مع العوز والخضوع للسلطة. لن يفيده العلم، لكن قد تفيده أسطورة ليسينكو." ثم تحدث علاء عن مسيرة صعود ليسينكو بدعم كامل من الدولة: "صار ليسينكو أهم علماء السوفييت، وأسست الدولة مراكز بحثية ومجلات علمية مخصصة لليسينكوية. قوبل معارضي ليسينكو بالتشويه والترهيب والحرمان من الوظائف والترقيات، حتى وصل الأمر في ذروة سلطة ليسينكو لإصدار قانون يجرم نقد نظرياته، أو إجراء أي تجارب من شأنها إثبات عدم صحتها. بحجة مواجهة مؤامرات الغرب الرأسمالي وطابورهم الخامس من العلماء ضعاف النفوس البرجوازيين، أُهدرت أهم مبادئ البحث العلمي، تساوي العلماء والأبحاث وخضوع كل النتائج والنظريات للتشكيك والتجريب والتمحيص والمراجعة والمناقشة." وتابع علاء: "ظهر ليسينكو في قلب نظام ديكتاتوري يسعى لبناء دولة عظمى وإمبراطورية تسيطر على نصف الكوكب، فعطل فيها العلم كثيرا ورسخ السلطوية فيها كثيرا، حتى أن من فضحوه وهدموا أسطورته بعد رفع الحظر على نقده، انتهى بهم الحال في المعتقلات والمنفى لاحقاً بسبب تصورهم أن رفع الحظر عن النقد العلمي لخرافات ليسينكو يعني أن الحظر رفع عن النقد السياسي لانتهاكات "اللي مشغل ليسينكو". فما بالكم بليسينكو يظهر في قلب نظام عسكري بائس جل طموحه الحفاظ على دولة التبعية والإفقار والفساد؟" ثم انتقل علاء للحديث عن جهاز القوات المسلحة لعلاج الإيدز وفيرس سي معتبرًا إياه صورة عصرية من ليسينكو: "في السجن كل مصادر المعلومات ميري إلا الصحف اليومية. حرمت من حضور الحفل الساخر على الانترنت وفاتتني "إيفيهات الكفتة" ولكني صبرت نفسي بتخيل ما سأقرأه في صحف الصباح من نقد جاد وفضح مهني وهدم علمي لهذه المسخرة، فلا هذا زمن ليسينكو ولا المؤتمر الصحفي الهزيل ينفع كبروباجاندا مقنعة. جائت الصحف خاوية من أي نقد ولم يكلف السادة الصحفيون أنفسهم عناء الاتصال بأي مصادر أصلا. نشرت خزعبلات ليسينكو كما هي. صبرت نفسي فكتاب الرأي يرسلون مقالاتهم مبكرا ولم تسنح لهم فرصة الرد على المؤتمر الصحفي بعد. في اليوم الثاني كان عامود خالد منتصر بجريدة الوطن الصوت الوحيد المشكك بأدب بدا لي مبالغ فيه، في اليوم الثالث انضم له عصام حجي مصرحاً أخيراً أن الأمرفضيحة كبيرة، ومع هذا نشرت الوطن فقط تصريحاته وتجاهلتها باقي الجرائد. وهكذا تتابعت الأيام بلا نقد ولا فضح ولا كشف إلا لخيانة عصام حجي وسفالة شباب الإنترنت. تغير الأمر بعد يوم الجمعة ( فهمت لاحقاً أن هذا أثر حلقة باسم يوسف) وإن ظلت الأصوات المعارضة ملتزمة بالأدب الجم والتردد والإصرار على أن جهاز الكشف حلال لكن جهاز العلاج يحتاج لأبحاث أكثر، والمؤتمر يحتاج لإخراج أفضل. وإلى أن نشر باسم يوسف مقاله في الشروق لم يجرؤ أحد على نشر حقيقة أن كل كلام ليسينكو تخاريف ودجل رغم أن المسخرة واضحة لأي خريج ثانوية عامة علمي." وقال علاء إن الظاهرة متكررة في أكثر من مجال بمصر حاليًا، تشمل القضاء والداخلية وغيرها. "ألم يصرح ليسينكو الداخلية بنهاية الإرهاب "واللي عايز يقرب يجرب" فانفجرت مديرية العاصمة؟ انتقدته بعض الصحف على استحياء لأن ضباطه لم يتحققوا من هوية المعتقلين قبل تعذيبهم، ولكن نادراً ما تجرأ أحد على الجهر بأن الأمن قائم عليه "كفتجية". وليسينكو مُصر على وجود فحم نظيف، وليسينكو آخر مُصر على عدم وجود انفلونزا الخنازير، وليسينكو يدَّعي تطبيق الحد الأقصى للدخول. أما سد النهضة فمن كثافة فَتْي ليسينكو فقدت الأمل في الوصول لمعلومة واحدة واضحة عن حجم الخطر وخطط مواجهته. أتصور أن الانترنت غارق في رسائل فضح كل ليسينكو لذا قد لا يلاحظ أغلبكم غيابها عن الجرائد." وأشار علاء إلى أن المشكلة تتعلق أيضًا بالسلطة التي تدعم هذه الظاهرة: "الخوف إذا من ليسينكو الكبير، الصاعد نجمه رغم فشله، المُصر على الفتي في كل شئ حتى لو خارج مجاله، رغم جهله البين بأغلب الأشياء بما فيها مجاله. مع ذلك يتغنى الجميع بعبقريته، ابن المؤسسة القادر على المعجزات، من تصك له القوانين ويقمع ويخرس ويشوه منافسيه ومعارضيه والمشككين في أسطورته. من يروج له بهيستيريا للتغطية على كوارث "اللي مشغلينه" وجرائمهم. لا يلهيكم ليسينكو صغير عن ليسينكو كبير، ولا يلهيكم ليسينكو حتى الكبير عن من صدّره ليحمي سلطويته. لم تنتهي السلطوية في روسيا بافتضاح أمر ليسينكو ولا انتهت بموت ستالين ولا انتهت حتى بسقوط الاتحاد السوفييتي، فالسلطوية لا تكمن في فرد مهما وصلت سطوته وإنما تكمن في بنيان الدولة ومؤسساتها نفسها." وتابع علاء: "صعود ليسينكو من قلب كل مؤسسة سيادية في الفترة الحالية ليس تعبيرا عن عجز في تسويق جوهر جيد لكن مظلوم لتلك المؤسسات، بل هو إشارة لأن جوهر المؤسسات هو الفساد والإفلاس والفشل. أي سمعة طيبة تتمتع بها المؤسسة أكذوبة. لم تصدر لنا تلك المؤسسات عبر تاريخها إلا طابور طويل من أشباه ليسينكو ليغطوا على الفشل والقهر والاستهتار بالأرواح واستباحة الكرامة واستعذاب التبعية واحتراف الخذلان." وأنهى علاء مقاله بالتأكيد على أهمية فضح هذه الظاهرة بكافة جوانبها: "معهم حق، فضح ليسينكو يهدم هيبة الدولة، ويشوه سمعة مؤسساتها لأنه بكل بساطة يكشف جوهرها الفاسد. إذا كان همك هو إصلاح سمعة المؤسسات وترميم هيبة الدولة شاركهم محاولة إنتاج ليسينكو شيك ومودرن لا يسهل فضحه، أما لو كان همك إصلاح جوهر الدولة وحقيقة مؤسساتها فلا تكتفي بفضح ليسينكو وركز مع "اللي مشغله".