يتكلم الكثيرون عن تفشى الفساد فى مصر. ويفرق الناس بين الفساد الكبير والفساد الصغير وبين الفساد الضار (أن تدفع مالا للحصول على ما ليس لك حق فيه) والفساد الأقل ضررا (الدفع للحصول على حقك). بالقطع حدث فى مصر بعض حالات الفساد فى الحصول على أراضٍ بغير وجه حق أو فى الحصول على تراخيص بناء مخالفة أو على عقود طاقة بسعر ثابت لفترات طويلة من الزمن أو على تهريب قطع آثار من مصر...إلخ. ولكن أخشى ما أخشاه أن يتحول الكلام عن الفساد إلى نوع من جلد النفس بدون معرفة وأن يتحول الكلام عن الفساد إلى التفسير السهل لما لا يستطيع عامة الناس فهمه. وبما أن ثقافة عموم المصريين فى الأعمال ضحلة (إن لم تكن منعدمة) فيصبح ما لا ندركه أكثر بكثير مما ندركه ويصبح الفساد هو التفسير السهل لكل شىء. أليس غريبا أن الغالبية العظمى من التهم ضد مسئولين سابقين قد حُكم فيها بالبراءة؟. بوضوح أنا هنا أتكلم عن الفساد المالى وليس الفساد السياسى. كل مرة نتكلم كلاما مرسلا عن الفساد فإننا نقع فى الفخ. نُستدرج للغة لا تستحضر الهمم ولكن تستلهم الإحباط وتولد الحقد وتفقد الثروة كامل مشروعيتها ويصبح كل من يركب سيارة مرسيدس «حرامى» وكل من يمتلك فيللا لصا وكل من يسافر للخارج مستفيدا ويصبح المستثمر غير مرحب به لأنه يربح (كما لو أن المستثمرين يجب أن يخسروا). عندئذ سوف يحجم المستثمرون عن ضخ استثمارات جديدة وتزيد البطالة، ونكون قد وضعنا أنفسنا فى مأزق لا يمكن الخروج منه. من لديه كلام جاد وحقيقى عن وقائع فساد فعليه أن يقدمها للنائب العام ليحاسب عليه المذنب. أما غير ذلك فكل واحد منا يجب أن يشجع المستثمرين على الاستثمار وإذا لم يستطع فعليه أن يدعو للبلد أن يجد مستثمرين كافين لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وإذا لم يستطع «فلينقطنا بسكاته» وهذا أضعف الإيمان. بدون استثمار خاص (وعام) لن نتقدم. شجعوا المستثمرين وكفى كل هذا العبث فى الكلام المرسل عن الفساد. مرة أخرى من لديه كلام بجد عن فساد فعليه تقديمه للنائب العام.