ذهبت إلى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس هذا العام. وكان أحد الموضوعات المطروحة للمناقشة هو معنى العدالة الاجتماعية وتفاوت الدخول داخل البلدان المختلفة فى العالم. وقد أجمع الحاضرون على أن التفاوت فى الدخول أصبح فى أعلى مستوياته على الإطلاق فى تاريخ البشرية وأن استمراره بهذا الشكل أصبح يمثل خطورة على سلامة المجتمعات. أحد المتحدثين كان لارى سامرز (Larry Summers) وهو أحد أهم الاقتصاديين فى هذا العصر إن لم يكن أهمهم على الإطلاق. أشار سامرز إلى أنه عند الحديث فى هذا الموضوع يجب التفرقة بين أن يكون سبب الثراء أنشطة طفيلية وبين أن يكون هو اكتشاف تكنولوجيا حديثة أو إنشاء شركات جديدة. وقد ضرب المثل بشركة أبل وقال إن شركة أبل خلقت مئات المليونيرات ممن يعملون فى الشركة وعلى الرغم من أن ذلك يتسبب فى تفاوت طبقى إلا أن ذلك ممتاز بالنسبة للاقتصاد الأمريكى، وأنه يتطلع أن يكون هناك عشرات من الشركات الجديدة مثل جوجل وأبل وتويتر وشركات الخدمات الطبية....إلخ حتى لو أدى ذلك إلى زيادة التفاوت الطبقى. إن متوسط دخل الفرد فى مدينة منلوبارك (Menlo Park) فى كاليفورنيا (وهى جزء من وادى السيليكون معقل شركات التكنولوجيا) يزيد على المليون دولار سنويا جراء ملكية العاملين فى هذه الشركات من الأسهم. وهؤلاء هم صفوة خبراء التكنولوجيا فى العالم. وأن ذلك تفاوت طبقى حميد ومبنى على كفاءة علمية ومعرفة ومخاطرة يجب أن يتم تشجيعها. من ناحية أخرى فإن كثيرين قالوا إن تعليم الأطفال اللغة الإنجليزية وكيفية التعامل مع الإنترنت هو السبيل الأساسى لتقليل تفاوت الدخول فى المستقبل. وبلا أدنى شك فإن التعليم والمعرفة من ناحية وخلق مناخ مناسب لتطبيق هذا التعليم من ناحية أخرى هو أساس الحصول على فرصة عمل مناسبة، وبالتالى الحصول على دخل مناسب. اذن على المدى البعيد فان التعليم هو أساس تقليل التفاوت الطبقى. كثيرون تحدثوا بأن دور القطاع الخاص سوف يزداد فى الاقتصاد العالمى لأن أغلب الدول (إن لم يكن كلها) أصبحت مديونة إلى درجة خطيرة ،وبالتالى لن تستطيع الحكومات حول العالم الاستثمار فى أى شىء بما فيها البنية التحتية. وسوف يؤدى ذلك إلى زيادة الاعتماد على القطاع الخاص فى الاستثمار فى كل شيئ. استمعت فى هذا الصدد إلى كلمة رئيسة البرازيل اليسارية ديلما روسيف. الكلمة كانت طويلة عن إنجازاتها فى فتح الاستثمار فى المطارات والكهرباء والطرق وكل شىء تقريبا أمام القطاع الخاص. التوجهات الأيديولوجية (بين اليسار واليمين) أصبحت منصبة فقط على سياسات الضرائب وسياسات العمل والتشغيل وأولويات الصرف فى الموازنات العامة. أما الكلام عن دور القطاع الخاص فانتهى تقريبا الحديث عنه وأصبح من المسلمات. هذا معناه أن التفاوت الحادث الاّن مرشح للزيادة وليس للنقصان. سياسات الضرائب كأحد أهم وسائل تقليل التفاوت فى الدخل احتلت جزءا كبيرا من المناقشات. الهجوم استمر على سياسات الحكومة الأمريكية التى تتيح لمديرى صناديق الاستثمار المباشر دفع ضرائب فى شريحة 15% فقط سنويا. الكثيرين اتفقوا على أن الضرائب التصاعدية على الرغم من بعض الآثار الجانبية السيئة أصبحت ضرورة. كريستين لاجارد العضو المنتدب لصندوق النقد الدولى قالت إن سياسات دعم الطاقة فى عدد من البلدان خلقت تفاوتا طبقيا غير حميد، لأن هذه السياسات تشجع الاستهلاك الخاطئ وإنه كلما تستهلك أكثر (وهو مؤشر لدخل أكبر) كلما يتم دعمك أكثر مما يخلق تفاوتا أكبر بلا وجه حق. وهذا بالضبط عكس ما يجب أن يحدث من حيث إن قليلى الدخل هم من يستحقون الدعم (وليس الأغنياء). ويحضرنى هنا قصة قالها بن برنانكى (Ben Bernanke) محافظ البنك الفيدرالى الأمريكى السابق مفادها إنه فى أثناء الأزمة المالية الكبرى فى الثلاثينيات من القرن الماضى (Great depression) فإن واحدة من الإستراتيجيات (المجازية) لتشجيع الاستهلاك هو أن تخرج طائرة هليكوبتر بزكائب أموال وتسقطها من أعلى ليلتقطها الناس ويبدأوا فى الصرف. المشكلة فى سياسات الدعم أن الأرض التى سوف تسقط عليها الأموال مملوكة بطريقة غير متساوية بحيث إن من يستهلكون أكثر لديهم أرض أكبر وبالتالى فرصة أكبر أن تسقط الأموال من أعلى إلى داخل أرضهم وبالتالى يحصلون على ثراء أكثر. إن الدعم حينما وجد يتسبب فى اختلالات كثيرة من ضمنها التسبب فى التفاوت الطبقى السرطانى. لو عرف الشعب المصرى يوم خروجه الكبير فى 25 يناير مساوئ طريقة توزيع الدعم كما هى مطبقة عندنا، لأضاف تعديلا مهما إلى شعار «عيش حرية كرامة إنسانية «وهو أن يذهب الدعم لمستحقيه فقط.