حينما أعلنت مصر خططا عن الحد الأدنى للأجور فى أواخر العام الماضى كانت الحكومة تأمل فى رفع مستويات معيشة المواطنين وتهدئة الاحتجاجات التى ساهمت فى الإطاحة برئيسين للبلاد خلال ثلاث سنوات. ورغم أن واحدا من كل أربعة مصريين يعيش تحت خط الفقر، الذى يبلغ 1.65 دولار يوميا، يرى كثير من العمال إن الحد الأدنى للأجور الذى بدأ تطبيقه فى يناير وقدره 1200 جنيه مصرى (170 دولارا) شهريا أقل من اللازم وجاء بعد فوات الأوان فى بلد ينحاز حكامه منذ القدم للنخبة على حساب الفقراء. وقال إبراهيم حسين وهو حارس أمن خاص يتقاضى 800 جنيه شهريا لا تكفى حاجات أبنائه الثلاثة: «بعض الناس ينفقون نصف هذا المبلغ على كلابهم يوميا». وتستخدم الحكومة المدعومة من الجيش بعضا من مساعدات خليجية تزيد على 12 مليار دولار فى تلبية المطالب بإصلاحات اقتصادية وعدالة اجتماعية. ويؤيد كثير من المصريين قيام الجيش بعزل الرئيس محمد مرسى فى يوليو والحملات الأمنية الصارمة التى أعقبت ذلك على جماعة الإخوان المسلمين والتى أسفرت عن مقتل نحو ألف شخص من أنصاره. وهناك كثيرون معجبون بشخصية وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى الذى أطاح بأول رئيس منتخب فى مصر بعد احتجاجات شعبية ضد حكمه. ومن المتوقع أن يعلن السيسى قريبا ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية كما تشير التوقعات إلى أنه سيفوز بالمنصب. ولكن بمجرد انحسار نشوة الفوز فقد يواجه السيسى بدوره ما يطلق عليه البعض ثورة الجياع ما لم يضع على رأس أولوياته القضاء على الفقر والتصدى للمشكلات الاجتماعية. يقول أشرف التعلبى وهو ناشط حقوقى إن وضع حد أدنى للأجور هو الخطوة الأولى على مسار العدالة الاجتماعية وعلى الحكومة ألا تتوقف عند الحد الأدنى للأجور فقط فإذا لم يشعر الناس بالعدالة الاجتماعية فستندلع ثورة ثالثة لتحقيق هذا الهدف. وكان الفساد والمحسوبية والتفاوتات الصارخة فى توزيع الثروة وقود انتفاضة 2011 التى أطاحت بحسنى مبارك حينما انضمت نقابات العمال إلى الحشود الضخمة المطالبة «بالعيش والحرية والعدالة» للبلد الذى يضم 85 مليون شخص. وبعد ثلاث سنوات من انتفاضة يناير فإن مدنا فقيرة مثل الصف على بعد 60 كيلومترا جنوبالقاهرة لا تزال تنتظر تحسن أحوالها إذ يصطف الكثيرون فى طوابير لساعات يوميا للحصول على الخبز المدعم فى أزقة تتراكم فى جنباتها أكوام القمامة ومخلفات الصرف الصحى بينما يقطن الأغنياء فيلات فاخرة فى تجمعات عمرانية محاطة بأسوار. وقال سيد حسين وهو مدرس فيزياء يبيع الأرز والمكرونة فى المساء لتحسين دخله «يجب أن يكون الحد الأدنى للأجور ثلاثة آلاف جنيه». «إذا لم تحل المشكلات سننزل جميعا إلى الشوارع وإذا استمر هذا الوضع سأختنق». ويسرى الحد الأدنى للأجور على 4.9 مليون موظف حكومى وسيكلف ميزانية الدولة 18 مليار جنيه إضافية سنويا مما يؤدى إلى تضخم عجز الموازنة ليصل إلى نحو 200 مليار جنيه هذا العام. لكن محللين يقولون إن الحكومة لم تطرح خططا طويلة الأجل لتعزيز الإيرادات بهدف إصلاح الخلل المالى وإنما علقت آمالها على حزمتين تحفيزيتين كل منهما 4.3 مليار دولار. ويعتمد ذلك بشكل غير مباشر على مساعدات خليجية وهو ما يعنى أنه إذا أصبحت السعودية والإمارات والكويت أقل سخاء فقد تضطر مصر لتقليص الإنفاق مع المجازفة باثارة احتجاجات شعبية. ويعتمد المصريون على دعم الغذاء والطاقة وهو ما يشكل ربع إجمالى الإنفاق الحكومى. وترددت الحكومات المتعاقبة فى خفض الدعم خشية إثارة السخط الشعبى إذ لم تبارح ذاكرتها أحداث الشغب فى عام 1977 إبان فترة حكم أنور السادات. كما أن نقص الخبز أثار اضطرابات فى عام 2008 أثناء حكم مبارك. وإضافة إلى أعباء الدعم والحد الأدنى للأجور فإن هناك ضغوطا أخرى على الميزانية إذ ينص الدستور الجديد على تخصيص نحو ستة فى المائة من الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى. وقال محب مالك الخبير الاقتصادى لدى برايم للأوراق المالية إن الحكومة ستواجه صعوبات لتلبية احتياجاتها المالية. وأضاف: «سيكون هناك خفض فى مجال ما ولن يستطيعوا خفض الأجور» وهو ما يعنى أن الدعم وهو بند ضخم سيكون البند الوحيد المتاح أمام الحكومة للتحرك. وتأمل الحكومة فى أن تجد زيادة الأجور صدى لدى بعض الناس مثل على عبدالمجيد (33 عاما) الذى يعمل 16 ساعة يوميا بين موظف فى مدرسة نهارا وسائق شاحنة ليلا دون أن ينجح فى الخروج من دائرة الفقر. ومثل آخرين غيره يريد عبدالمجيد من الحكومة تحقيق العدالة الاجتماعية وليس مجرد ضخ بعض المال لعلاج المشكلات. وقال: «أتطلع للتغيير والإصلاح أريد أن يأخذ الكل حقه فى هذا البلد فتكون هناك مساواة بين ابن الوزير وابن البواب». وانسابت دموع عبدالمجيد وهو يحكى قصته وكيف اضطر للعمل منذ سن الثانية عشرة. ولا تملك مصر خيارات سهلة. فالاضطرابات السياسية أفزعت السياح والمستثمرين لتدفع احتياطيات النقد الأجنبى للهبوط إلى نحو 15 مليار دولار العام الماضى وهو ما يغطى بالكاد فاتورة الواردات لثلاثة أشهر. وربما تؤدى السياسات الاقتصادية التوسعية للحكومة إلى ارتفاع التضخم الذى بلغ 11.9 فى المائة فى ديسمبر كانون الأول وهو ما يؤدى بدوره إلى تبديد أى مزايا لزيادة الحد الأدنى للأجور مما يفاقم مشاعر الإحباط. يقول أحمد الديك الذى بدأ عملا إضافيا منذ ثلاث سنوات لدعم أسرته «لا تعطنى زيادة فى المرتب باليمين ثم ترفع الأسعار بالشمال».