• الصيادون يخسرون مصدر رزقهم.. والمياه غير صالحة للشرب فى المحمودية وفوه ومطوبس ورشيد.. وتجارة رائجة للمياه المعدنية • بائع أسماك: نخسر لأن المشترى لا يفرق بين سمك البحر وسمك النيل • خبير زراعى: للأسماك النافقة أثر سيئ على صحة البشر قوارب صغيرة متوقفة على ضفتى فرع رشيد للنيل، صيادون يجلسون فى انتظار فرج يبدو أنه لن يأتى قريبا، أهالٍ يبحثون عن أرخص تاجر يبيع المياه المعدنية، هذه هى الملامح الثلاثة التى تشترك فيها مراكز الرحمانية ورشيد والمحمودية وفوه ومطوبس بمحافظتى كفر الشيخ والبحيرة، الواقعة على ضفاف النيل، بعدما تسممت مياهه بالأمونيا ونفقت آلاف الأسماك وتلوث مياه الشرب. لا تزال آثار الأسماك النافقة موجودة على ضفتى النهر، وعلى الرغم من فتح قناطر إدفينا لتسريب المياه والسمك النافق إلى البحر المتوسط، فإنه لم يؤد للتخلص من الآثار التى بقيت متمسكة بموقعها على الارض بعد أن جرفتها المياه وانخفاض منسوب المياه بعد ضخه فى البحر المتوسط. فى بدايات ترعة المحمودية، مع التقائها بالنيل؛ تبدو الصورة مظلمة لدى الصيادين الذين جلسوا بجوار مراكبهم بعد أصبحوا غير قادرين على كسب قوت يومهم، فالمزارع السمكية فى الأقفاص دمرت لم يبق منها سوى بقايا القطع الخشبية والشبك الصغير الذى لم يعد يضم سوى اسماك ميتة نفق بعضها على سطحه. لا حديث بين الاهالى إلا عن مصانع كفر الزيات التى تقوم بإلقاء مخلفات الصرف الصناعى فى النيل، فالاهالى يتهمونها بأنها السبب الرئيسى فيما يحدث، كما يلقون باللوم على المسئولين لعدم سرعة فتح قناطر إدفينا للتخلص من المياه المسممة إلى البحر المتوسط رغم علمهم بوجودها. جلس محمد إبراهيم، صاحب أحد القوارب الصغيرة، بداخل المركب، منتظرا أن يأتى له مسئول ليسأله عن الخسائر التى لحقت به، فالمزرعة، التى باع لإنشائها ذهب زوجته وأم طفليه، دمرت، والرخصة التى حصل عليها من هيئة الثروة السمكية لم تفده حتى الآن. قال إنه كان يعمل مع والده منذ طفولته وبدأ بعدها فى العمل بمركبه الصغير وانشاء مزرعة للسمك حيث حصل على الرخصة بعد سداد مائتى جنيه رسوما وقام ببنائها بعدما قام ببيع ذهب زوجته، مؤكدا أنه فقد رزقه ولم يعد لديه أموال لينفق بها على بيته، فى حين تضطر زوجته لشراء المياه المعدنية لطفليهما خوفا من تسممهما بمياه الشرب التى تحمل روائح كريهة. موقف محمد لم يختلف عن عشرات الصيادين الجالسين، ونظرات الحسرة فى أعينهم، ليس فقط بسبب تدمير مزارعهم التى كانوا ينتظرون حصاد إنتاجها مع بداية الصيف ولكن لتوقف مصدر رزقهم فى الصيد بعد نفوق أسماك النيل وعدم وجود أسماك للصيد فى النهر الذى ينفقون منه على أسرهم. أما جمال الشافعى، الذى كانت ينتظر عائد مزرعته لتجهيز كبرى بناته، فيتذكر بداية المشكلة مع تلقيهم اتصالات من زملائهم بوجود كمية كبيرة من الملوثات فى المياه، إلى أن شاهد نفوق الاسماك فى مزرعته ولم يستطع ان يفعل شيئا حياله، فيما انتقد حديث المحافظ عن المياه النظيفة فى المحمودية بينما هو وأسرته لا يجدون سوى مياه تحمل ألوانا وراوئح كريهة فى الصنابير. من جانبه، قال نبيل الصالحى، أحد مشايخ الصيادين بالمنطقة، إنهم لم يتمكنوا من صرف اى تعويضات حتى الان، مشيرا إلى أن التعويضات لا تمثل لهم قيمة حيث سبق أن حصل كل صاحب رخصة بمزرعة سمكية على 50 جنيها تعويضا عند حدوث مشكلة مماثلة قبل أعوام، موضحا أن المشكلة ليست فى قيمة التعويض الهزلية ولكن فى ضرورة ايقاف المصانع التى تضخ التلوث فى مياه النيل حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم. لم يختلف مشهد الاسماك النافقة من المحمودية بالبحيرة إلى الجهة الأخرى فى مركز فوة بكفر الشيخ، حيث لجأ بعض الصيادين فيها إلى حرق الاسماك النافقة للتخلص منها ومن رائحتها على ضفة النيل، فيما تراصت شباك مزارع السمك على الجانبين بعد تدميرها، واصطفت المراكب الصغيرة إلى جوار بعضها البعض. ناصر سيد، الرجل الاربعينى ووالد البنات الاربع، لم يعد يخرج بقاربه الصغير، يجلس مع زملائه بالنهار، ويعود لمنزله ليلا، توقف عن الصيد قبل أكثر من أسبوع، الرجل الذى كان هدفه اليومى اقتناص الاسماك، اضطرته الكارثة البيئية إلى ان يجبِّر يديه على أن تحرك مجداف قاربه ليزيح الاسماك النافقة. قال ناصر إن التلوث ليس بجديد ولكنه تفاقم فى السنوات الاخيرة فلم يعد ينمو فى النيل نوعيات معينة من الاسماك كالبياضة والحنش والبورى والتى كان يصطادها مع والده عندما كان صغيرا، مشيرا إلى أن السمك اصبح قليلا فى النيل بسبب التلوث خلال السنوات الاخيرة، والان لم يعد موجودا. رغم إحاطة الاسماك النافقة بقناطر أدفينا من الجانبين، فإنها لم تمنع الحاج دكرورى من أن يستمر فى محاولات الصيد، فالرجل، الذى تجاوز الستين من عمره، حريص على الصيد بشبكته رغم التسمم الموجود فى المياه، فيخرج تارة سمكة صغيرة وتارة اخرى متوسطة لا تزال على قيد الحياة. لا يرى دكرورى ان هناك مشكلة فى بيع الاسماك التى لا تزال حية فى المياه، فيلقى شباكه مرة تلو الاخرى لممارسة عمله رغم لهو الاطفال بجانبه بالسمك النافق كبير الحجم، يحاول بشباكه إلى جوار زميل اخر له من نفس عمره صيد ما تبقى من اسماك فى النهر. الخوف من الشراء يقف اسلام أحمد، شاب ثلاثينى يمتلك فرشة لبيع الاسماك بسوق رشيد، لا يجد من يشترى منه السمك، فرغم وجود ملامح الحياة على السمك وعرضه أمام زوار السوق فإنه لم يعد يجد زبائن يقومون بالشراء بعد انتشار خبر تسمم المياه والاسماك بين الاهالى. وعلى الرغم من اعتماد أهالى رشيد على سمك البحر، فإن الخوف من تسمم السمك جعل الاهالى يحجمون عن شراء السمك الذى وقف بائعوه يشتكون من تراجع الاقبال وخوف المواطنين من الشراء رغم انخفاض اسعار اسماك البحر، وتوافر اسماك النيل باسعار اقل بكثير من اسعارها الطبيعية. قال اسلام: «الحركة واقفة بشكل كبير، فيها ركود عكس الاول، خصوصا فى شراء اسماك النيل، وسعرها نزل كثير من 20 جنيها فى البلطى مثلا إلى 6 جنيهات»، فيما يبرر تخفيض السعر بسبب زيادة الكمية المعروضة من السمك بدرجة كبيرة من اصحاب المزارع الذين نجحوا فى إخراج سمك مزراعهم قبل وصول المياه المسممة إليهم وقاموا بطرح أسماكهم بالاسواق. يشير إلى أن كثيرا من الاهالى لا يستطيعون التفرقة بين سمك البحر وسمك النيل وهو ما أدى الى تراجع الاقبال على الشراء، موضحا أن عددا قليلا من المواطنين يحرصون على الشراء نظرا لثقتهم فيه وتعاملهم معه منذ فترة طويلة. الدكتور عبدالعزيز نور، أستاذ الإنتاج الحيوانى بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية، قال إن فرع رشيد يعانى من زيادة نسب تلوث المصارف والتى تبدأ من مصرف الرهاوى على بعد 7 كيلومترات من القناطر الخيرية، مضيفا أن ثمة عوامل ساهمت فى تفاقم الازمة خلال الفترة الحالية، فتزامن السدة الشتوية التى يتم فيها تخفيف المياه مع انخفاض درجة الحرارة لأقل من 8 درجات مئوية خلال موجودة البرد وزيادة نسبة الملوثات الموجودة فى الصرف، كلها أمور أثرت سلبا على الاسماك، موضحا أن سمك البلطى على سبيل المثال يصعب ان يعيش فى درجة حرارة اقل من 8 مئوية. وأشار إلى أن إغلاق نهاية الفرع بقناطر أدفينا يؤدى الى تراكم المياه وعدم حيويتها بسرعة مما يزيد من نسبة السموم التى تنتج نتيجة استمرار الصرف وعدم طرح المياه فى البحر المتوسط، لافتا إلى أن هذا السيناريو يتكرر كل عام دون تدخل من المسئولين. وأكد على ضرورة سرعة إزالة الاسماك النافقة من المياه حتى لا يكون لها تأثير سلبى على المتعاملين مع مياه النيل مباشرة وتؤدى لإصابتهم بأمراض جلدية ويؤدى لزيادة مواد الكلور المستخدمة فى تطهير المياه، مشيرا إلى أن الاسماك ستعود الى النيل بعد فترة ترتبط مدتها بمدى استمرار التلوث فيه.