إذا كانت ظواهر كالفقر والفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل وغياب الحراك الاجتماعى (الصاعد والهابط) وتداعياتها المجتمعية والسياسية تضغط اليوم علينا فى مصر ولم ننجح بعد فى التعامل معها بعد عبر صياغة أجندة متكاملة للسياسات والإجراءات اللازم تطبيقها، تستطيع الأصوات المدافعة عن الديمقراطية أن تفيد من تجارب معاصرة لبعض بلدان أمريكا اللاتينية والقارة الآسيوية وتضطلع هى بصياغة مثل هذه الأجندة. وإذا كانت تحالفات حكام ما بعد 3 يوليو 2013 الاقتصادية (نخب المال والأعمال وشبكات الفساد القديمة الجديدة) والاجتماعية (الشرائح العليا وشرائح الطبقة الوسطى فى المدن والمناطق الحضرية وبيروقراطية الدولة بشقيها العسكرى والمدنى) والمؤسسية (المكون العسكرى الأمنى) لا تؤهلهم لصياغة أجندة متكاملة للتعامل مع الفقر والفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل، تستطيع الأصوات المدافعة عن الديمقراطية أن توظف ذلك فى تحقيق تواصل أفضل مع الناس والسعى لإقناعهم بفساد المقايضة السلطوية التى تروج للتخلى عن حقوق الإنسان والحريات نظير الوعد الزائف بالاستقرار والأمن وتحسن الأوضاع المعيشية وبكون التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص واحترام الكرامة الإنسانية بضمان الحق فى التعليم والصحة والمسكن الملائم وفى حد أدنى من الدخل لن تتأتى مجتمعة إلا فى سياق تحول ديمقراطى. تستطيع الأصوات الديمقراطية أن تدرس تجربة البرازيل المعاصرة فى الحد من الفقر ومن فجوة الدخول الواسعة ومن تركز الثروة، وجميعها ظواهر استمرت طويلا وحضرت حين بدأت الرئاسة المنتخبة للولا دا سيلفا والذى طبق منظومة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية وسياسات الرعاية والضمانات والعمل والتمييز الإيجابى لصالح الفقراء ومحدودى الدخل والأسر التى تعولها النساء وحقق نجاحا كبيرا خلال العقد الماضى. تستطيع الأصوات الديمقراطية أن تدرس بعض التجارب الآسيوية كالهند التى توظف بها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمعالجة اختلالات سياسات الدعم ومواجهة الفقر والفساد المستشرى فى بيروقراطية دولة مترامية الأطراف وبهدف تحقيق التنمية، أو كفيتنام التى انتقلت من الاقتصاد المركزى إلى اقتصاد السوق ومن حكم الحزب الواحد إلى تعددية سياسية جزئية ونجحت خلال السنوات الماضية فى تسجيل معدلات نمو مرتفعة وفى الحد من الفقر وتحسين مستويات الخدمات الأساسية المقدمة لمحدودى الدخل، أو كماليزيا التى قفزت اقتصاديا واجتماعيا إلى الأمام فى إطار تطبيق حديث لنموذج كوريا الجنوبية القديم «تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة متبوعة بانفتاح سياسى» لم يغب به لا الانفتاح السياسى طويلا ولا تفعيل إجراءات جادة لمواجهة الفساد. شرط أساسى لنجاح الأصوات الديمقراطية فى مصر فى التواصل مع قطاعات شعبية واسعة وفى تجاوز المقايضة السلطوية الراهنة وحملات التشويه والتخزين والتخويف والقمع المستمرة التى تديرها ضدها شبكات مصالح وأبواق المكون العسكرى الأمنى هو صياغة أجندة متكاملة للتعامل مع الفقر والظواهر المرتبطة به وتوظيفها للاقتراب من الناس وإقناعهم بأن بعض السياسات والإجراءات التى طبقت فى البرازيل والهند وفيتنام وماليزيا وغيرها من البلدان يمكن تطبيقها فى مصر إذا أعدنا دولتنا ومجتمعنا إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى وأن استفاقتهم ورفضهم للسلطوية التى تجددت دماؤها وتسجيل معارضتهم السلمية لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات تمثل اليوم خطوات البداية. هذا عن الفقر والفجوة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل وغياب الحراك الاجتماعى كظواهر تعانى منها مصر ولها الكثير من التداعيات المجتمعية والسياسية وعن سبل مواجهته وتوظيف ذلك بإيجابية لمصلحة الأمل فى حاضر وغد ديمقراطى. أما النوع الآخر من الفقر، فقر الضمائر والظواهر المتعلقة به كصناعة المستبد وخدمة السلطان وتزييف الوعى والتحايل على الصالح العام لحسابات خاصة وتهافت النخب التى تتورط فى تبرير انتهاكات الحقوق والحريات والقمع بمقولات فاسدة، فله معالجة قادمة.