• واشنطن تسعى لإعادة ترتيب منطقتنا حتى تتفرغ لمعركة القرن لاحتواء التقدم الصينى • أمريكا تسعى للاتفاق مع إيران لتقليص تكاليف وجودها بالمنطقة كما تسعى لإبقاء مصر فى حالة احتياج دائم حتى لا تتحول لقوة اقتصادية أو عسكرية • أمريكا انتهت إلى تبنى سياسة «بيتك بيتك» أى إعادة الجماعات الإسلامية وإدماجها فى العملية الديمقراطية فى بلدانها أمريكا لديها مصالح فى هذه المنطقة. ويجب وضع تصور لما تريده حتى يتسنى لنا تحديد نقاط الاتفاق وطرق تعظيمها ونقاط الاختلاف وطرق احتوائها. ولنضع أولا عددا من الملاحظات التى أتصور صحتها: أولا: أمريكا تريد التركيز على آسيا واحتواء التقدم الاقتصادى الصينى الذى سوف يترجم حتما إلى قوة عسكرية تحميه. فقد أصبحت الصين هذا العام الشريك التجارى الأكبر فى العالم أكبر حتى من أمريكا نفسها. كما أصبحت الصين بفوائض أموالها قوة استثمارية كبرى فى هذا العالم. ويكفى النظر فى هذا الإطار إلى الصراع بين الصينوأمريكاواليابان على الاستثمار والتعاون التجارى فى أفريقيا. ثانيا: أمريكا صرفت من 4 إلى 5 تريليون دولار على حربين فى أفغانستانوالعراق وهى (تخفيفا لعجز الموازنة الأمريكية) تريد تقليص موازنة وزارة الدفاع بحوالى80 مليار دولار سنويا خلال ثلاث سنوات. وبالتالى هى لا تريد الدخول فى حروب أخرى تتحمل تكلفتها وتضيف أعباء قروض إضافية لتمويل تلك الحروب. فضلا عن إعادة ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بتقسيم ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية على جيوشها الأربعة (القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية والمارينز). ثالثا: أمريكا تريد إعادة ترتيب الشرق الأوسط حتى تستطيع تقليل الأعباء المستقبلية فى هذه المنطقة بدون خلق تعقيدات طويلة المدى حتى تركز على معركة القرن فى آسيا. الامر يشبه ان الولاياتالمتحدة تسعى لاغلاق منطقة الشرق الاوسط بالمفتاح على ان تحتفظ بهذا المفتاح فى جيبها حتى إشعار آخر. رابعا: إنه فى تصور أمريكا أن سبب هذه الحروب هو خروج مجموعات إسلامية متشددة من بلادها نتيجة التضييق عليها والصراع معها من جانب نظم حكم استبدادية. خامسا: إن جماعات الجهاد الإسلامى فى أفغانستانوالعراق سببت لأمريكا ضررا كبيرا. وبالتالى هى تريد تفكيك هذه القوة. وقد وصلت إلى نتيجة مفادها أن سياسة «بيتك بيتك» هى أنجح سياسة. وهذه السياسة تعنى أن أسهل وسيلة لتفكيك هذه المجموعات هى رجوعها لبلادها عن طريق إدماج أفرادها داخل العملية الديمقراطية. والوسيلة الوحيدة لإقناع هؤلاء أن يثقوا فى هذا السيناريو هو عن طريق تمكين مجموعات إسلامية من حكم هذه البلاد عن طريق تفعيل نظام ديمقراطى يسمح للإسلاميين بتولى الحكم حيث إنه من المتصور طبقا لهذا التفكير أن الإسلاميين هم القوة المنظمة الوحيدة على الأرض التى تستطيع الحشد. وبالتالى فإن الديمقراطية تعنى بالنسبة للأمريكيين حكما إسلاميا، وذلك يسهل رجوع هذه العناصر المتشددة إلى بلادها، وفى هذا الإطار يأتى حكم الإخوان لمصر لمدة عام. سادسا: إن تسرع ورعونة الإخوان فى التصرف من وجهة نظر أمريكا قد عطل هذه المخططات وكما قال أحد المواطنين فى فيلم المخرجة ساندرا نشأت فإن «العبيط فتح». إن الشعب المصرى ومن ورائه الجيش المصرى قد أعطبا هذا المخطط. وفى تصور أمريكا فإن هذا يعرض الأمن القومى الأمريكى للخطر لأن احتمالات ضرب الإسلاميين لمصالح أمريكية أصبح أكبر على المدى البعيد بعد عزل الرئيس مرسى. سابعا: إن أمن إسرائيل هو الهدف الثانى. وبالتالى فإن الوصول لحل للصراع العربى الإسرائيلى هو أمر مهم. وفى هذا الإطار فإن وجود إسرائيل كدولة يهودية قد يعنى أن هناك مبررا لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم فى منطقة (أو مناطق) بديلة من ضمنها جزء من سيناء وهذا ما تريده إسرائيل. ويسهل من هذه المهمة أن يكون هناك حكم إسلامى فى المنطقة بحيث يسهل بيع قصة إسرائيل كدولة يهودية للرأى العام العالمى أى دولة يهودية فى مقابل دول إسلامية. ثامنا: إن الهدف الثالث لأمريكا فى المنطقة هو ضمان سريان التجارة العالمية من قناة السويس. تاسعا: إن هذه المنطقة فقدت أهميتها بالنسبة لأمريكا كمصدر للطاقة، فاكتشافات الغاز والبترول فى أمريكا وكندا سوف تجعل أمريكا مكتفية ذاتيا خلال ثلاث سنوات. وفى هذا السيناريو فإن المنطقة زادت أهميتها للصين لضمان تدفق البترول وهذا ما يفسر دخول شركات النفط الصينية فى شراكات فى المنطقة. وفى هذا الإطار يمكن تفسير دخول شركات صينية باستثمارات ضخمة إلى مصر والسعودية وقريبا للإمارات. عاشرا: إن وصول أمريكا إلى نقطة الاكتفاء الذاتى من الطاقة قد تدفعها إلى المحافظة على سعر البترول عالميا مرتفعا حتى تستطيع وضع ضغوط على تنافسية الاقتصاد الصينى. وطريقة الوصول إلى تلك الغاية هى أولا تخفيض سعر الفائدة على الدولار لفترة طويلة. هذه السياسة قد تخلق بعض التضخم لفترة ممتدة وهذا يساعدها على تقليل حجم ديونها بالمقارنة بدخلها القومى (Debt/GDP). وهو ما تريده. وثانيا عن طريق صنع قلاقل فى مناطق إنتاج البترول مما يضع ضغطا على كميات المعروض. وثالثا عن طريق خلق عوائق لحرية التجارة تخلق تشوهات فى الأسعار (Dislocations). إن تنافسية أمريكا تزيد كلما حصلت هى على غاز أرخص وعلى بترول أرخص بالمقارنة ببقية العالم ومن هنا يمكن فهم الفرق بين سعر بترول برنت (تسليم بحر الشمال فى أوروبا) وبين بترول دبليوتى أى (تسليم أوكلاهوما) وهو ما يعرف ب (Brent / WTI Spread) وهو فرق الآن يصل إلى 15 دولارا أرخص للبرميل لصالح أمريكا. وأيضا فهم الفرق بين سعر الغاز فى أوروبا واليابان (والذى يتراوح بين 14 دولارا للمليون وحدة حرارية إلى 17 دولارا للمليون وحدة حرارية) وبين سعر الغاز فى أمريكا والمتمثل فى هنرى هاب (Henry Hub) والذى يصل سعره الآن إلى أقل من 4 دولارات للمليون وحدة حرارية. حادى عشر: من وجهة نظر الغرب يجب أن يستمر تدفق فوائض البترول العربية عن طريق عقد صفقات سلاح وعن طريق استثمارات مالية (فى صورة سندات أو أسهم أو استثمارات مباشرة) فى الأسواق الغربية. ثانى عشر: إن ضمن ترتيبات تقليص تكاليف أمريكا فى المنطقة هو الوصول إلى اتفاق مع إيران يتم من خلاله الاعتراف بنفوذ إيران فى العراق و(سوريا). وفى هذا الإطار فإن أهمية مصر لدول الخليج تزيد حتى تكون قوة فى مواجهة الخطر الإيرانى. ثالث عشر: إن أكثر الوسائل لضمان استمرارية هذه الترتيبات هو وضع أسس اقتصادية لتثبيت الوضع ولخلق مصالح مشتركة بين العرب وإسرائيل. ومن ضمنها عقد اتفاقيات تجارية بين الخليج وإسرائيل. وعقد اتفاقات غاز مع مصر (للاستيراد هذه المرة وليس للتصدير). ويكفى هنا النظر إلى تصريح الشيخ محمد بن راشد من أسبوع والخاص بالتعاون الاقتصادى مع إسرائيل بعد الوصول إلى سلام فى المنطقة. رابع عشر: إنه يجب الإبقاء على مصر فى وضع احتياج بحيث لا تصبح قوة اقتصادية وعسكرية، أو مساعدتها بما فيه الكفاية لضمان استقرارها ولكن ليس بوفرة حتى لا تصبح قوة اقتصادية وعسكرية، وإنه يجب احتواء مصر ضعيفة داخل حدودها، ويكفى هنا النظر للطريقة التى تم بها عزل مصر عن محيطها الأفريقى. خامس عشر: إن الاعتماد المصرى الاقتصادى على دول الخليج خطر، لأنه بالرغم من كل النوايا الحسنة ومشاعر الأخوة الصادقة فإن الضغوط الغربية على هذه الأنظمة الشقيقة قد تدفعها إلى حلحلة مواقفها فضلا عن أن ما نطلبه من حجم مساعدات (وليس استثمارات) غير قابل للاستمرار، ولذلك علينا وبسرعة الخروج من مرحلة العجز الاقتصادى التى نعيشها. سادس عشر: إنه يجب الاعتراف بأن مصر قد خسرت الجولة الأولى بالنقاط فى معركة تشكيل الرأى العام العالمى لماهية ما حدث فى مصر. وخسرت أيضا الجولة الأولى فى معركة الصور. سابع عشر: إن أمريكا لم تشكل بعد رؤية واضحة لما حدث فى مصر وكيفية التعامل معه. وهذا يفسر سر التضارب فى التصريحات بين البيت الأبيض والكونجرس والخارجية ووزارة الدفاع والأمن القومى. وهذا الأمر لن يستمر طويلا. ثامن عشر: إن أمريكا والغرب من خلفها وبحلفائها فى اليابان وكوريا لن تتنازل بسهولة عن رؤيتها لمصالحها وسبل تحقيقها. وقد تحاول مرة أخرى فى السيناريو الإسلامى بطريقة مختلفة وغالبا عن طريق محاولة تمرير مرشح رئاسى مقبول للتيار الإسلامى. وأعتقد أن ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى يصعب جدا (وغالبا ينهى) فرص نجاح هذا السيناريو. وأعتقد أن هذا أحد أسباب عدم رغبة أمريكا فى ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى أصبحت مسألة ترشحه فرضا عليه. تاسع عشر: إن أمريكا تريد التعاون مع نظام فى مصر تستطيع الاعتماد عليه فى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وبالتالى يجب أن يكون لدى هذا النظام شرعية وقبول فى الشارع المصرى. وقد تصورت أمريكا أن حكم الإخوان هو هذا النظام. وفى اعتقادى أن أمريكا خلطت بين التدين الفطرى للشعب المصرى وبين قبوله لنظام إسلامى يحتكر الدين لصالحه ولمصالحه. عشرون: إن أمريكا تستند دائما لغطاء أخلاقى لتمرير مصالحها، وفى بعض الأحيان يكون ذلك باستخدام ورقة المحافظة على الحريات فى العالم وفى أحوال أخرى يكون المحافظة على حقوق الإنسان (ومن ضمنها حقوق المرأة والأقليات وحق العبادة....الخ) وفى أحوال ثالثة التلوث البيئى وفى أحوال رابعة الإتجار بالبشر وفى أحوال خامسة الديمقراطية، وكلها غايات نبيلة لا يمكن الاختلاف عليها، ولكنها تُفعِلها وتتغاضى عنها حسب مصالحها. إذا كانت هذه هى المعطيات كما أتصورها. فما هو الحل؟ إلى اللقاء فى الأسبوع القادم