تسفى برئيلا واحد من أهم الأحداث التى شهدتها العقود الأخيرة مر من دون أن يثير أى اهتمام داخل إسرائيل. فقد اتفقت الدول العظمى مع إيران على تفاصيل تطبيق الاتفاق المؤقت الموقع فى جنيف الذى سيدخل حيز التنفيذ خلال أيام. وقد ظهر الخبر وكأنه صفقة مفروغ من أمرها، فظلت جوقة الندب خرساء، ولم تبرز كلمة انتقاد واحدة أو توبيخ أو اعتراض، وكأن الأمر ليس مهما ولا يستحق التعليق وكأنه فى كل يوم توقع الاتفاقات مع إيران. لكن على الرغم من ذلك، من المفيد أن نبحث ماذا يعنى هذا الاتفاق. أولا؛ اتضح أن القرار الإيرانى بتخصيب اليورانيوم ليس مفروضا من الله، وأن الامتناع عن إجراء المفاوضات المباشرة مع الولاياتالمتحدة ليس منصوصا عليه فى الفقه الشيعى. فمن وجهة النظر الإيرانية، الموضوع النووى والصناعة النووية وسائل عملية لإدارة السياسات، وليس بالضرورة هدفا مستقلا ولا جزءا من الأيديولوجيا. ••• كذلك، توصلت الدول العظمى إلى استنتاج أن العقوبات ليست هدفا بل وسيلة، وأحسنت صنعا باختيار أهداف محدودة وممكنة التحقيق لها مثل: عدم إطاحة النظام؛ عدم فرض الديمقراطية؛ عدم فرض وقف المساعدة الإيرانية للنظام السورى؛ وحتى عدم تحسين حقوق الإنسان؛ الموضوع النووى فقط. بهذه الطريقة استجابت الدول العظمى لطلب إيران «معاملتها باحترام»، أى عدم التدخل فى شئونها الداخلية أو فى سياستها الخارجية. كما نجحت إيران فى أن تجعل موقعها التفاوضى موازيا لموقع الدول العظمى. ومثلما تستطيع الدول العظمى إلغاء تخفيف العقوبات، تستطيع إيران خلال يوم واحد العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 % وأكثر، وتشغيل جميع أجهزة الطرد المركزى، ومواصلة بناء مفاعل أراك. ويعنى هذا أن الاتفاق المؤقت خلق توزان ردع، وخفف من الحماسة لشن هجوم غربى على إيران، وكبح الهجوم الإسرائيلى (والرد الإيرانى عليه)، وأوجد معايير لبناء الثقة المتبادلة سيجرى استخدامها فى الاتفاق النهائى. ولا يقل أهمية عن ذلك النظرة الجديدة إلى هذا الاتفاق، حيث يجب استبدال السؤال المعتاد: «من الرابح ومن الخاسر؟»، بسؤال آخر: «ماذا ربح الطرفان؟». لقد تبنت الدول العظمى وإيران مبدأ أساسيا واحدا لا يمكن من دونه التوصل إلى اتفاق وهو: الاعتراف بوجود شريك لدى الطرف الثانى، وأن كل ما تبقى يمكن التفاوض عليه. فى سنة 2003، كان تقدير الرئيس الأمريكى جورج بوش أن الرئيس الإيرانى آنذاك محمد خاتمى، ضعيف ولا يستطيع تطبيق اتفاق. وكانت النتيجة خسارة سنوات ثمينة كان يمكن خلالها كبح البرنامج النووى الإيرانى. ومن بعده جاء محمود أحمدى نجاد الذى اعتبر الولاياتالمتحدة نقيض الشريك. وعندما وافق فى النهاية على التفاوض معها، رفض المرشد الأعلى على خامنئى إعطاءه هذا الانجاز السياسى. وعمليا، بدأ الحوار بين إيرانوالولاياتالمتحدة فى مارس الماضى، أى قبل ثلاثة أشهر من انتخاب روحانى رئيسا للجمهورية، بعد أن انتظر خامنئى رحيل أحمدى نجاد. بالطبع تشكل إيران نموذجا، فعلى بعد نحو 1600 كيلومتر من طهران لا تزال المفاوضات «الإسرئيلية الفلسطينية» تراوح مكانها بين طرفين غير شريكين، أو بالأحرى بين شريك فلسطينى ومن يحاول تقويض شراكته. وعلى عكس الموضوع النووى الإيرانى وعقلانية الزعامة الإيرانية، فإن الزعامة الإسرائيلية لا تزال تضفى القداسة على كل شبر من الأرض، وتعتبر أى تنازل بمثابة خيانة وطنية. لقد أخرجت إيران الله من الموضوع النووى، وقررت اختيار الحياة. وأصبح فى نظرها كل شريك ملائم شرط تقيده بالاتفاقات. وفى المقابل، فإن إسرائيل واثقة ليس فقط من أن الفلسطينيين ليسوا شركاء بل وأن الولاياتالمتحدة أيضا ليست شريكة، وبصورة عامة ممنوع أن يكون هناك شريك.