لكى تنجح الأصوات والمجموعات المدافعة عن الحريات فى مهمة البحث عن مداخل ومساحات للبناء الديمقراطى، وذلك فى واقع يهيمن عليه المكون العسكرى الأمنى وتخترقه نصوص دستورية وقوانين قمعية وانتهاكات متواترة لحقوق الإنسان ولكرامته وتجتاحه المتوالية العبثية للعنف الرسمى والعنف الأهلى وتروج به مقولات فاشية العقاب الجماعى والكراهية، لا بديل عن التصالح مع مجتمع المواطنات والمواطنين وإعادة اكتشاف جوانبه الإيجابية دون استعلاء وتجديد الثقة فى قدرة الشعب المصرى على الانتصار للحرية والحق والعدل ولأمل الديمقراطية. وللتصالح استراتيجيات وأدوات متنوعة. يمكن للأصوات وللمجموعات المدافعة عن الحريات، أولا، تنشيط خلايا ذاكرتها الجماعية عن مقاومة قطاعات شعبية واسعة لسلطوية ما قبل يناير 2011 وعن المشاركة الشعبية الجارفة فى يناير 2011 والتزامها بمطالب ديمقراطية صريحة والحراك الشعبى الممتد طوال السنوات الماضية بحثا عن الحرية والحق والعدل. لتنشيط خلايا هذه الذاكرة الجماعية أن يساعدنا على تجاوز إحباطاتنا الراهنة من جراء رواج المقولات الفاشية والمعايير المزدوجة فى التعامل مع حقوق الإنسان والصمت الشعبى بشأن عودة ممارسات الدولة الأمنية. يمكن، ثانيا، الاحتفاء بالتضحيات الكثيرة التى قدمها الشعب المصرى فى مقاومته للسلطوية ومسيرة مطالبته بالديمقراطية، تضحيات كان عمادها شهداء الثورة المصرية ومصابوها والمجموعات المختلفة التى تعرضت للقمع ولانتهاكات الحقوق والحريات والقطاعات الشعبية الواسعة التى خرجت إلى الميادين والشوارع للمطالبة بالديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهى تعانى من شظف العيش ومن سوء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. فى الاحتفاء بتضحيات الشعب المصرى فرصة حقيقية للابتعاد عن الاستعلاء على الناس، ونحن نشاهدهم اليوم يدفعون عبر تزييف الوعى لتأييد الخروج على الديمقراطية وتزين لهم جموع المتورطين فى صناعة الخوف مقايضة الحرية بالأمن. يمكن، ثالثا، البحث عن الجوانب الإيجابية فى الثقافة الشعبية المصرية التى دوما ما اتسمت برفض الظلم والامتناع عن إعطاء الثقة لحاكم ظالم أو لمؤسسات دولة لا تلتزم جانب العدل، والنظر إلى هذه الجوانب الإيجابية فى سياق يصل بينها وبين المقومات غير السياسية للثقافة الشعبية، ومن بينها قبول التعددية واحترام حق الآخر فى الوجود وحب الجمال والحياة. مصر ليست بسياسة فقط، وثقافتنا الشعبية بها من المقومات ما يتجاوز حدود الصراع المحبط بين الأفكار والمقولات غير الديمقراطية، ويمكننا من إعادة اكتشاف إنسانيتنا. أما إستراتيجتى أنا فهى الاستماع إلى محمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب ومحمد قنديل. غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر