حينما بدأت قصة «أبلة فاهيتا» فى التصاعد على صفحات التواصل الاجتماعى، لم أفهم القصة بالضبط، وهى تشبه الكثير من القصص التى تنتشر أحيانا بين النشطاء وغالبا لا يتجاوز الأمر كونها قصصا مسلية ساخرة يستمتع بها المتابعون لها، دون أن ينشغل بها الرأى العام، على اعتبار أنها قصص هزلية تستخدم للمسخرة والنقد العنيف، دون أن يكون لها أى ظل من الجدية، فتبدو دوما كهزل انتشر كثيرا على صفحات التواصل الاجتماعى فى أعقاب ثورة يناير، لكن الصراحة تقتضى أن أشير إلى أن الأمر هذه المرة، للأسف الشديد، كان جديا، وحقيقيا، وأن هناك بالفعل من اعتبر تلك الدمية وسيلة من وسائل التجسس والتحريض على الإرهاب، وأن هناك وسائل إعلام تعاملت معها على اعتبار أنها اكتشفت قضية تجسس كبرى، ثم تم حسم الأمر يتقديم بلاغات للنيابة العامة، والتى حولها النائب العام للتحقيق، كإجراء روتينى معتاد، لنصبح جميعا أمام مسخرة غير مقبولة، وبقدر ما فيها من علامات الضحك، بقدر ما تحمل بداخلها ما يدفعنا للبكاء الشديد على الحال التى وصلنا إليها. أخطر ما فى هذه القصة العبثية، أن وسائل إعلام كبرى، مثل الفاينانشيال تايمز، والبى بى سى، ووول ستريت جورنال والواشنطن بوست، تعرضت لحكاية أبلة فاهيتا، باعتبارها مؤشرا على ما يمكن أن يتعرض له الاستثمار الأجنبى فى مصر، خاصة أن الشركة المتهمة بتقديم الإعلان الداعم للإرهاب، كما تحدث مخترعو القصة، واحدة من كبريات الشركات العالمية فى مجال الاتصالات، إن لم تكن أكبرها بالفعل، حتى أن بعض هذه الوسائل تساءلت عن موعد ذهاب مسئولى الشركة للنيابة، لتتحول هذه الملهاة المحلية إلى مأساة عالمية، تتابعها وسائل إعلام دولية، واللافت للنظر، أن من اخترعوا القصة لم يتراجعوا عنها حتى هذه اللحظة، وكأننا قد أصبنا فعلا بخبل جماعى لم ينجُ منه أحد، خاصة مع إفساح بعض وسائل الإعلام لتصريحات أحد أبطال القصة التى يؤكد فيها أنه لن يترك أبلة فاهيتا إلا بعد معاقبتها بالسجن، وبصراحة أكثر أعترف أننى حتى هذه اللحظة لا أستطيع التمييز بين الجد والهزل فى هذه القصة، وأن هناك من يتحدث فعلا ويطالب بسجن دمية (عروسة) بتهمة خيانة الوطن والتجسس لصالح جهات أجنبية. ورغم حالة الكوميديا التى أنتجتها هذه القصة، إلا أن محرر الإيكونوميست البريطانية، عبر بشكل مدهش عما تعكسه هذه القصة إذ قال إن مصر تعيش موسما من السخافة، وهو محق فيما ذهب إليه، تماما مثل الذى قاله خالد حجازى المتحدث باسم شركة فودافون صاحبة الإعلان الشهير باسم «شريحة المرحوم»، بأن شركته تشعر بالحزن الشديد لأن هناك من يفكرون بهذه الطريقة فى مصر، وأنا أتفق معه أيضا، فما حدث ليس فقط كوميديا سوداء، بل انعكاسا دقيقا لما تشهده مصر من حالة غريبة اختلط فيها الحابل بالنابل والهزل بالجد، والكفر بالإيمان، والثورة بالانتكاسة، والبناء بالتخريب، والحق بالباطل، فعلا مصر تعيش موسما من السخافة.. وعلى ما يبدو أنه سيطول لبعض الوقت، فعلى ما يبدو أن العقلاء تبخروا من هذا البلد، وعلينا أن نحزن جميعا لأن هناك فى بلادنا من يفكرون بهذه الطريقة.