واحد من كل ثلاثة أمريكيين سوف يصاب بمرض السرطان خلال حياته. هذه إحصائية حقيقية. بالإضافة إلى ذلك فإن أمراض الأوعية الدموية (Cardiovascular diseases) تنتشر بشكل كبير فى متوالية سريعة فى الولاياتالمتحدة. فى الصين بدأت الزيادة السريعة فى الإصابة بمرض السرطان. وفى مصر فإن الإصابة بأمراض الأوعية الدموية وبالسرطان فى ازدياد مستمر. البعض يفسر ذلك بأن وسائل التشخيص أصبحت فى متناول شريحة أكبر من الناس، وبالتالى فإننا نعرف الآن ما لم نعرفه فى زمن مضى. فبدلا من أن نقول فلان مات «موتة ربنا» أصبحنا نقول فلان مات بالسرطان أو بجلطة أو بسكتة قلبية.. إلخ (طبعا فى النهاية كلها «موتة ربنا»). البعض الآخر يفسر ذلك بأن لدينا شىء غلط فى الهواء أو المياه أو الأكل (ويمكن كلها مع بعض) وأن ضغوط الحياة (stress levels) ارتفعت للغاية. وبدون دراسات علمية لا يمكن التكهن. قابلت الأسبوع الماضى طالبا يدرس علم التغذية فى إحدى كبرى الجامعات فى الولاياتالمتحدة. وقال محدثى إن هناك علاقة واضحة بين الإفراط فى تناول الكربوهيدرات (Carbohydrates) وبين أمراض الأوعية الدموية (Cardiovascular diseases) وهو أمر معروف وأيضا مرض السرطان (Cancer) وهو أمر غير معروف للعامة. الفرق ليس كبيرا سواء كان تناول الكربوهيدرات من أكل السكر (مثل السكر فى الشاى أو الحلويات أو تناول الفاكهة بكثرة) أو من النشويات مثل المكرونة والعيش والأرز. كل واحدة تسبب مشاكل مختلفة، أوصانى الطالب بالإقلال الحاد من الكربوهيدرات وزيادة كميات البروتين والدهون (Fats) وهو ما كان يفعله الإنسان قديما وعكس ما نفعله الآن. فى آخر 30 عاما تضاعف معدل استهلاك السكر فى مصر إلى حوالى 60 كيلوجراما للفرد فى العام (مقارنة بحوالى 65 كيلوجراما للفرد فى العام فى الولاياتالمتحدةالأمريكية). وكذلك حدث ارتفاع كبير فى استهلاك النشويات وانخفاض فى معدلات أكل اللحوم (المصدر الرئيسى للبروتينات) نظرا لارتفاع أسعارها. وهذا الارتفاع فى استهلاك الفرد من الكربوهيدرات واضح فى معدلات السمنة المفرطة (Obesity) وأمراض الأوعية الدموية. الجديد هنا أن نفس هذه الظاهرة (أكل السكريات والنشويات بكثرة) قد تكون السبب الرئيسى لزيادة نسبة الإصابة بالسرطان لأنها تتسبب فى تحور الجينات (Gene mutation ). أى إننا غيرنا ما نأكله (من غذاء مبنى أساسا على اللحوم والخضراوات إلى غذاء مبنى أساسا على النشويات والسكر) وأن أجسادنا غير مهيأة لهذا التغيير وبالتالى فإننا نصاب بأمراض مثل السرطان بنسبة أكبر. هذا حقيقى فى مصر كما أنه حقيقى فى الولاياتالمتحدة. وقال محدثى إن المقولة القديمة أن كل إنسان هو محصلة لما يأكله (you are what you eat) هى مقولة حقيقية. وأن أكبر سبب للإصابة بالسرطان هى طبيعة ما نأكله. ما علاقة ذلك بالفحم إذًا؟ هل أقول مثلا أن انبعاثات مرتفعة من حريق الفحم لا تسبب السرطان وأن المرض يأتى فقط من الإسراف فى الكربوهيدرات؟ بالقطع لا وألف لا. ولكن أقول ذلك لأننا فى مصر ليس لدينا سياسة عامة (Public Policy) تأخذ فى الاعتبار العوامل المختلفة فى الاقتصاد والتفاعلات بينها. عوامل من بينها استعمال أنواع الطاقة المختلفة (الغاز والمازوت والفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة) وتكلفة كل واحدة منها والبطالة والصحة العامة ونوعية وسلامة الغذاء وسعر الصرف والتضخم والتعليم والضغط على موارد المعاشات. كلها أوجه فى مكعب واحد. خياراتنا وأوجه الصرف من جانب المجتمع والدولة سوف تحدد شكل المجتمع فى المستقبل. ممكن مثلا أن نأخذ موقفا متشددا جدا لصالح البيئة ونقرر إيقاف مجموعة صناعات معينة (كثيفة الاستهلاك للطاقة مثلا) ولكن ذلك له أضرار على البطالة وسعر الصرف (لإننا سوف نستورد سلعا أكثر) والتضخم (لأن أسعار هذه السلع سوف ترتفع). يمكن على النقيض الآخر ألا نهتم بالبيئة ويكون عندنا مشاكل صحية أكبر مما هو موجود الآن وتحتاج إلى مبالغ طائلة لمعالجتها. ممكن أن نلغى جزءا من دعم الطاقة وأن نعطى لغير القادرين دعما نقديا وأن نستعمل الفحم كجزء من خلطة الطاقة (Energy Mix ) كما أوضحت فى الأسبوع الماضى للصرف على التعليم والصحة بما فيها الصحة الوقائية والتوعية وساعتها سوف يقل معدل الإصابة بالسرطان ويرتفع العمر الافتراضى للمصريين (Life Expectancy) مما يضع عبئا على المعاشات ويرتفع التضخم (نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة) ولكن الدعم النقدى سوف يحمى غير القادرين من التضخم وتتحسن أحوال المجتمع مع الوقت نتيجة لتحسن مستوى التعليم وهكذا. كلها خيارات (Choices) مفتوحة. وعلينا عمل حوار مجتمعى حقيقى للوصول إلى توازن اقتصادى جديد (New Economic Equilibrium) يرتضيه المجتمع بين كل هذه العلاقات. هذه العلاقات الاقتصادية الآن غير متوازنة (In disequilibrium) وغير قابلة للاستمرار. فلا توجد طاقة كافية ولا توجد مصانع جديدة والخريجين الجدد لا يجدون عملا وصحة المصريين فى تدهور وكذلك التعليم والبيئة فى أزمة والمعاشات فى مشكلة ونتجه إلى فقر مائى وعجز الموازنة فى السماء والجنيه المصرى (بدون إعانات خليجية) سوف ينخفض. والهيئات الاقتصادية فى حالة سيئة والمتاح من الناس لتحمل المسئولية القادمة قليل وأقل كفاءة مما كان عليه فى الماضى. هذه هى الحقيقة كما أراها. أنا لا أقول ذلك يأسا بل أملا فى إصلاح نستطيع أن نكون من خلاله أحسن حالا بكثير. هذه قناعاتى ولن أغيرها. لا يوجد مبرر أن تكون أحوالنا بهذا السوء سوى أننا أسأنا اختيار الناس الذين قادونا. هاتوا «ناس» فى المرحلة العمرية بين 45 عاما و65 عاما فاهمة لواقع مصر ولظروف العالم تستطيع العبور بنا إلى بر الأمان. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن اختيار مسئولين مناسبين يؤسسون لسياسات رشيدة للدولة هو جزء من الحل.