يقف محمد ممتاز ذو ال11 عاما على عربة الخس مناديا «الكبيرة بجنيه ونص، والصغيرة بجنيه بس يا خس»، يصبر على فصال زبون فى محاولات مستميتة لأخذ 3 خسات كبيرة بجنيهين ونصف، محاولا تمالك غضبه من ثرثرة الزبائن الذين يدفعون البقشيش فى المطاعم ويبخلون به على بائع غلبان، بحسب قوله. لم تتحمل براءة محمد إصرار الزبون الذى بان من مظهره توسط مستواه الاجتماعى، كل هذا الوقت من الفصال حتى أوشك على البكاء، فساعات عمله أطول من عمره، الذهاب للمدرسة صباحا ثم العودة للبيت واستذكار دروسه بعد الظهر، ثم النزول لتسلم وردية العمل على عربة الخس من والده بسوق حلوان للفاكهة والخضراوات. فى انتظار الرزق يجلس محمد لبيع بضاعته قبل حلول المساء وذبول أوراقها، ليعود سريعا للمنزل لاستذكار دروسه المتراكمة، خاصة بعد اعتماد والده عليه، بسبب مرضه حيث لم يعد الأب يستطيع مواصلة العمل من الصباح حتى المساء، لكن كل هذا لم يمنع محمد من التطلع للحصول على أعلى الدرجات بامتحانات الصف السادس الابتدائى. يعلق العم ممتاز والد محمد ل«الشروق» على المادة 80 من الدستور الجديد والتى تحظر عمل الأطفال دون إتمام التعليم الأساسى (الابتدائى والاعدادى)، أنه يوافق على المادة فى حالة وجود معاش أو عمل يكفل لأسرته حياة كريمة، مشيرا إلى أنه منذ حصوله على دبلوم التجارة عام 86 ، لم يتمكن من الحصول على وظيفة حكومية تضمن له راتبا ثابتا يكفل لأطفاله العيش دون الاحتياج لتشغيلهم، متسائلا «نشغل عيالنا ولا نسرق علشان نأكل؟!». وأضاف «الناس بالمنطقة عشرة وجيرة قديمة ولا يقسون عليه، وولدى يعمل معى وليس مع شخص غريب، ولم أرغب فى عمله حتى بعد مرضى لكن ما باليد حيلة»، داعيا ربه أن يحصل ابنه على شهادة ويصبح أفضل حالا منه. نصت المادة 80 على أنه «يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجبارى مجانى، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية. وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى. للطفل الحق فى التعليم المبكر حتى السادسة من عمره». وبحسب مشروع الدستور الجديد الذى سيصوت عليه خلال أيام فإنه «يحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الاساسى، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر. كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائى خاص بالأطفال المجنى عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه فى أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل فى كافة الإجراءات التى تتخذ حياله». محمد قطب، صاحب إحدى ورش الحديد ،يعمل لديه طفل فى الخامسة عشرة، يعترض على نص المادة بسبب تطبيقها فى ظل تدنى المعيشة والحالة الاقتصادية. يقول: «المشكلة تحل من جذورها عندما يكون التعليم مجانيا بالفعل من غير دروس خصوصية ومجموعات مدرسية، يضغط فيها المدرسون على التلاميذ لدخولها واضطهادهم فى حالة رفض الطالب، فمن أين يأتى مواطن لديه 5 أطفال بالمال للمأكل والملبس والتعليم لهم». يقول المستشار القانونى للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أحمد مصيلحى، إن المنظمات المعنية بحقوق الطفل بذلت جهودا بالغة لتغير المادة الخاصة بحقوق الطفل سواء فى الجمعية التأسيسية فى نظام الإخوان السابق، أو لجنة ال50 الحالية، مشيرا إلى أن المادة بلغت مكسبا هاما بعد رفع سن الطفولة من 15 إلى 18 عاما، وتخصيص نظام قضائى خاص للأطفال كمجنى عليهم أو شهود. وأوضح أن المنظمات الحقوقية طالبت باللجوء إلى «القضاء الخاص» فى حالة اتهام الطفل فى أى جريمة، مؤكدا أن الطفل ضحية فى كل الجرائم وليس مجرما.