لقد وضعت فى مقال سابق منذ أسبوعين تصورا لثلاثة محاور وضعتها دول كثيرة صوب أعينها للعبور من مراحل انتقالية إلى آفاق النمو: مكافحة الفقر، المحافظة على حقوق الإنسان واقتصاد سوق يراعى كفاءة الأداء مع برامج اجتماعية مصاحبة له. ولو جاز لى أن أقترح فإن أول سبعة قرارات للرئيس الجديد يمكن أن تكون كالتالى: 1 تشكيل لجنة للمصالحة والمصارحة من شخصيات مستقلة وتعطى لها صلاحيات العفو. 2 قرار بتطوير العشوائيات فى مصر يتكلف مائة مليار جنيه على فترة عشر سنوات. 3 قرار بوضع برنامج تطوير الألف قرية الأكثر فقرا موضع التنفيذ بتكلفة مائة مليار جنيه على فترة عشر سنوات. 4 قرار بوضع كل الهيئات الاقتصادية للدولة وشركات قطاع الأعمال العام فى صندوق سيادى يدار بإدارة محترفة. 5 استبدال الدعم العينى بدعم نقدى تدريجيا خلال فترة ثلاث سنوات. 6 إصدار قانون يحمى الموظف الحكومى من اتخاذ قرارات تقديرية ما لم يثبت بالدليل القاطع بما لا يدع مجالا للشك أنه تربح بشكل مباشر من قرارات اتخذها. 7 تشكيل لجنة اقتصادية بالاشتراك مع الوزارات المعنية لدراسة ملفات الطاقة والمياه والتأمينات والبيئة. وبالنسبة للقرار الأول فإن لى بعض الملاحظات. لقد شهد القرن العشرين محاكمتين مشهورتين للعدالة الانتقالية. الأولى فى نورمبرج (Nuremberg) فى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وفيها انتصر طرف بوضوح وطبق منطق عدالة المنتصر (victor's Justice) وخرجت الأحكام بالإعدام على الكثير من أركان نظام هتلر. طرف استطاع بانتصار كاسح أن يفرض رؤيته لمعايير الصواب والخطأ وأن يردع ويفرض لأن الطرف الخاسر كان قد فقد مناعته. فى جنوب أفريقيا على العكس تحققت العدالة الانتقالية بنظام توافقى مبنى على المصالحة والمصارحة (Truth and Reconciliation). ولولا ذلك لكان النظام العنصرى الأبيض قد حارب للنفس الأخير لأن مناعته والكثير من مصادر قوته كانت موجودة. تجربتان مختلفتان، فى واحدة فرض الطرف الرابح رؤيته بالقوة وأعدم وسجن الآلاف. وفى الثانية تمت معرفة الحقيقة والتعلم من دروس التاريخ فتمت المصالحة مع المخطئين. وكان الزعيم مانديلا قائد هذه المسيرة فى العبور بجنوب أفريقيا إلى بر الأمان. فى مصر لا يوجد طرف رابح وطرف خاسر. هناك كثير من الأخطاء ومن جميع الأطراف. إن هذه الفترة قد أخرجت أسوأ ما (ومن) فينا. سيدى الرئيس الجديد أول مهامك فى رأيى هو عمل لجنة للمصالحة والمصارحة تعطى اختصاصات واسعة وأدوات للمصالحة. يجب أن يتبين ما حدث بدقة وأن نتعلم منه ولا ننسى دروسه ثم نتسامح معه. وإحدى متطلبات المرحلة أن يتم التحقيق فى تجاوزات الداخلية قبل 25يناير وبعدها. ومع أن رأيى أن بعضا من هذه التجاوزات قد جرى تضخيمها لصالح جماعة اختطفت الثورة، إلا أن التجاوزات يجب رصدها حتى نتعلم عدم تكرارها. إن المطلب الملح لناس فقدوا أرواح ذويهم هو معرفة ما حدث ومن المسئول؟. يجب أن تشمل هذه التحقيقات أحداث ثورة 25 يناير واقتحام السجون يوم 28 يناير وأحداث ماسبيرو ومحمد محمود الأولى والثانية وبورسعيد وقضايا التمويل الأجنبى ووفاة خالد سعيد.. يجب أن يعرف كل الناس ماذا حدث حتى نتعلم كمجتمع من أخطائنا. إن فكرة القصاص من أو الدخول فى خصومة مع الشرطة من أى طرف كان، غير مقبولة ومتعارضة مع متطلبات الحرب ضد من رفعوا السلاح فى وجه المجتمع. إن أهم علماء علم النفس الذهنى (Cognitive Psychology) وصلوا إلى قناعة أن أحسن استراتيجية ضد العنف هى الرد بقوة مماثلة أو أكبر على أى اعتداء (TIT for TAT). وبصورة أوضح وكما قال أحد علماء النفس (وللأسف لا أتذكر اسمه) فى أحد البرامج الحوارية «فإن الطلقة بالطلقة والفكرة بالفكرة» وبالتالى فإن دور الداخلية فى الفترة القادمة محورى. بوضوح إن المهمة الأولى للرئيس القادم هى تشكيل لجنة عليا لتبين ما الذى حدث فى العشر سنوات السابقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا. إذا أردنا السير فى الطريق إلى الأمام يجب أن نعرف من نحن؟ أين نحن؟ وكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ ولن يتأتى ذلك بدون تشكيل لجنة عليا تعطى صلاحيات واضحة وسلطات واسعة. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن «التوقف والتبين» أحد أسس الحل.