أثبتت التطورات التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية أن التحذيرات التي أطلقتها وزارة الداخلية المصرية فيما يتعلق بتطبيق قانون التظاهر الجديد ذهبت أدراج الرياح ، وكانت الوزارة قد حذرت من أنها ستتصدى بكل حسم لأي تظاهرات تخرج بعد صدور القانون الذي يفرض قيودا شديدة على التظاهر ويتضمن عقوبات قاسية جدا على المخالفين كانت قد انتقدتها هيئات ومنظمات دولية ، وعلى مدى الأيام الماضية التي تلت القانون بدت قوات الأمن المصرية وهي تجهد في احتواء التظاهرات التي خرجت في تحد واضح للقانون وكان ملفتا أنها شهدت مشاركة واسعة النطاق من قوى ثورية أخرى غير الإخوان المسلمين الذين تتهمهم السلطة دوما بإثارة القلاقل. وفي الوقت الذي دعت فيه قوى ثورية إلى تنظيم وقفات احتجاجية الأربعاء السابع والعشرين من نوفمبر في ميدان طلعت حرب وسط القاهرة شهد الميدان حتى وقت متأخر من الثلاثاء السادس والعشرين من نوفمبر عمليات كر وفر بين قوات الأمن والمتظاهرين كما شهد محيط مجلس الشورى تظاهرة منددة بالقانون الجديد انتهت باعتقال عدد من المحتجين وهو ما دفع بدوره بعضا من أعضاء لجنة إعداد الدستور إلى تعليق عضويتهم احتجاجا على الاعتقالات. وتلقي ردود الفعل الصادرة حتى الآن سواء من داخل مصر أو خارجها إضافة إلى تواصل المظاهرات بمزيد من الشكوك على إمكانية تطبيق القانون خاصة في المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد في أعقاب أعمال عنف دامية أودت بحياة العشرات من الأشخاص ، ففي الوقت الذي ترى فيه السلطة وأنصارها أن القانون ضروري من أجل إعادة الاستقرار المفقود للشارع المصري، يرى كثير من المعارضين أن الاستقرار لا يمكن إعادته من خلال القوانين وأن الأمر يحتاج إلى معالجة سياسية وحل المشكلات قبل فرض القوانين ، وقد كان لافتا تكتل العديد من منظمات حقوق الإنسان داخل مصر وخارجها ضد القانون الجديد قانون صائب يقول المستشار زكريا شلش رئيس محكمة جنايات الجيزة وأحد المتحمسين للقانون إن القانون صائب ومطلوب في الفترة الحالية ، ولا يرد شلش السبب في قناعته إلى ما هو قانوني لكنه يرده إلى ما هو سياسي، وبرأيه فإن هناك قوى تريد هدم الدولة المصرية من خلال دعم المظاهرات والترويج للفوضى، ويرى شلش أن على رأس تلك الدول إسرائيل وأمريكا وتركيا وقطر بالإضافة إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ويضيف شلش بأن تلك القوى تمول المظاهرات واستمرارها، وأن هناك أدلة على استغلال حاجة بعض الشباب ودفع أموال لهم من أجل الاستمرار في التظاهر ، ويرد شلش على القائلين بأن القانون يمنح وزارة الداخلية سلطات مطلقة في التعامل مع التظاهرات والترخيص لها دون وجود رقيب فيقول إن ذلك حق يراد به باطل ، ويرى أن الأمر في النهاية يخضع لقاضي الأمور الوقتية والذي يمكن الطعن أمامه في منع المظاهرة أو استكمالها ويضيف شلش أنه إذا حدثت تجاوزات خلال المظاهرة وتم الطعن في تقارير الأجهزة الأمنية فمن حق قاضي الأمور الوقتية أن ينتدب من يراه للوقوف على مدى التزام المظاهرة بأحكام القانون . ويرى شلش أن مصر ستنعم بالاستقرار إذا ما صدقت النوايا واستعادت الدولة عافيتها ونفذت القانون عن طريق الشرطة والقوات المسلحة لكنه يشترط لتحقيق ذلك عدم الخشية من "الجمعيات المسماة بحقوق الإنسان لأن مصلحة مصر هي الأولى" مرحلة غير ديمقراطية غير أن من يختلفون مع شلش كثيرون ومنهم الدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري الذي قدم في حديث للبي بي سي تأصيلا تاريخيا لحق التظاهر ، يقول جبريل إن حق التظاهر كغيره من الحقوق والحريات يرتبط بمراحل تطور الدول وتحولها إلى الديمقراطية ففي مرحلة الدكتاتورية يكون التظاهر حاله كحال غيره من الحريات في حالة الحظر، وفي طريق تطور الدولة باتجاه الديمقراطية يتحول إلى مرحلة الترخيص وهو ما يعني أنه لا يمكن لشخص أن يمارس حقه في التظاهر إلا بعد حصوله على ترخيص السلطات ، لكنه وفي المرحلة الديمقراطية من تطور الدول يتحول حق التظاهر إلى الإباحة وفي هذه المرحلة يكفي إخطار السلطة فقط قبل تنظيم المظاهرة وهي أي السلطة لا تملك حق منع التظاهرة لكن يمكنها اللجوء للقضاء في حالة اعتراضها عليها ويضيف جبريل إنه في الحالة المصرية الأخيرة بدا أن القانون أخذ بالترخيص وليس بالإخطار وهو ما يشير إلى حالة غير ديمقراطية، ويعلق على القانون قائلا إنه أسرف في وضع عقوبات قاسية للمخالفين لشروط التظاهرة ،وفي مجال تعليقه على ما يقال من أن القانون قد يجلب الاستقرار لمصر يقول جبريل "لا يمكن للاستقرار أن يأتي من خلال القوانين وإلا لكان الأمر سهلا جدا وهناك دوما صراع بين السلطة والحرية فممارسة السلطة تكون سهلة عندما يتم وأد الحرية لكن ذلك لا يدوم طويلا ". وحول جدوى القانون في الحيلولة دون المظاهرات يقول جبريل إن الحيلولة دون المظاهرات لن تأتي من خلال القانون وحده فهناك مشاكل متراكمة لدى الشعب المصري تحتاج إلى حلول وهي تتراوح ما بين السياسي والاقتصادي والقضية ليست قضية إخوان ودولة وإنما قضية شعب يريد تحسين أحواله المعيشية ومراعاة ظروفه قبل إصدار القوانين. مناهض لحق التظاهر نجاد البرعي هو أيضا ناشط حقوقي مصري وهو من غير المؤيدين للإخوان المسلمين لكنه يعتبر القانون الأخير مناهضا لحق التظاهر السلمي ومشجعا على استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين بما في ذلك القوة المميتة على حد قوله ، إذ هو في النهاية يسمح للشرطة باستخدام الخرطوش الذي يحدث عاهات مستديمة. ويثير البرعي جدلا آخر فيتساءل من الذي سيراقب التظاهرات ويحكم بما إذا كانت سلمية أم لا وقد ترك الأمر كله للشرطة فالشرطة كما يقول البرعي قد تعلن أن المظاهرة خرجت عن السلمية أو أنها تعاملت معها بشكل تدريجي قبل الوصول لمرحلة استخدام القوة المميتة بينما يكون كل ذلك منافيا للحقيقة إذ أنه لا يوجد طرف مراقب مستقل ويرى البرعي أيضا أن القانون يحول دون حق العمال في الإضراب إذ أنه ينص على عدم تعطيل الإنتاج وهو ما قد يسمح للداخلية بمنع الإضرابات العمالية كما أنه يجعل من وزارة الداخلية المصرية خصما وحكما في نفس الوقت إذ ينص على أن الوزارة هي التي تتدخل لتحقيق مطالب المتظاهرين وربما تعلن هي أنها تدخلت وحققت مطالب المتظاهرين وهو ما قد يكون غير حقيقي أيضا ويخلص البرعي إلى القول بأن القانون يضفي شكوكا قوية على مدى التزام الحكومة المصرية بالمواثيق والاتفاقات الدولية. وبعيدا عن الجدل القانوني يرى البرعي أن القانون ربما يفلح في ردع المتظاهرين لبعض الوقت لكنه لن يكون حلا نهائيا على المدى الطويل إذ أن المشكلة سياسية في أساسها وطالما أن هناك مشكله فإنها قد تهدأ لبعض الوقت لكنها ستعود للتفجر بقوة مرة أخرى والأفضل برأي البرعي أن تلجأ السلطة للحل السياسي أولا والحديث لمن يخرجون إلى الشوارع وليس الارتكان فقط إلى الحل الأمني الذي لن ينهي المشكلة. المرحلة غير مناسبة يقول محمد جميل مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن إن القانون الجديد في مصر هو بمثابة وضع للعربة أمام الحصان، ويرى جميل أنه غير مناسب لمصر في المرحلة الراهنة التي تفتقر فيها إلى المؤسسات الرقابية وإلى منظومة لحقوق الإنسان تحمي حقوقا أساسية للناس مثل الحق في الحياة وحق الرأي والتعبير كما يأتي أيضا في مرحلة تلت وقوع مجازر وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مما يثير شكوكا بأنه أعد لشرعنه تلك الممارسات والانتهاكات ويضيف جميل أن القانون ينطوي على كثير من العنصرية المقيتة إذ أنه ومن وجهة نظره يهدف إلى عزل قطاع كبير من المصريين المناهضين للانقلاب العسكري بينما يحمي أولئك المؤيدين للنظام ومظاهراتهم بما يعزز في نهاية الأمر الانقسام الحاصل في صفوف الشعب المصري. وحول امكانية أن يؤدي القانون لردع المتظاهرين يقول جميل للبي بي سي "تجارب الشعوب تدل على أن القوانين القمعية والآلة التشريعية والمؤسسة القضائية التي تصدر أحكاما قاسية لن تمنع الناس من النزول للشوارع ولنا في الأحكام التي صدرت ضد طلاب الأزهر خير دليل حيث حصل الواحد منهم على حكم بالسجن لمدة خمسة عشر عاما لكن ذلك لم يفت في عضدهم ولم يمنعهم من معاودة التظاهر" تحت التجربة ربما كان واضعو قانون التظاهر الجديد في مصر يهدفون من وجهة نظرهم إلى إعادة الاستقرار المفقود كما يقولون للشارع المصري ووضع البلاد مجددا على طريق التنمية لكن الواضح حتى الآن ومن خلال ردود فعل كافة التيارات السياسية والمنظمات الحقوقية في مصر أن هناك معارضة شديدة للقانون لكن الأهم هو ما ستثبته الأيام القادمة هل سيخرج الناس مجددا للشوارع ؟ وهل ستتمكن السلطات الأمنية من تطبيق العقوبات الصارمة التي وردت به على المخالفين أم أن الأمر سيمضي في اتجاه معاكس تماما؟