كل فرد أو مؤسسة لديه احتمال لقدر من المخاطرة (Risk tolerance) قد يزيد عند بعض الناس ويقل عند آخرين. وكل فعل يحتوى على قدر من المخاطرة، فعبور الشارع يحتوى على مخاطرة، واستعمال السيارة يحتوى على قدر من المخاطرة، وكذلك ركوب الطائرة، ويعتبر تأسيس الشركات الجديدة من الأنشطة الاقتصادية التى تحتوى على قدر مرتفع من المخاطرة. وفى مجتمعاتنا العربية فإن كلمة المخاطرة تحمل مضامين غير إيجابية بينما بعض المجتمعات الأخرى يتم فيها تشجيع المخاطرة الإيجابية. فأمريكا مثلا تصنع أبطالا من أفراد خاطروا وأسسوا شركات نجحت. فستيف جوبز مؤسس أبل مع ستيف وزنياك وبيل جيتس مؤسس ميكروسوفت مع بول ألن ولارى أليسون مؤسس أوراكل ولارى بادج مؤسس جوجل مع سيرجى برين من الأبطال الشعبيين. وفى مصر يقف طلعت حرب مؤسس بنك مصر كقامة عالية فى ضمير الوجدان المصرى كمؤسس أول مجموعة مالية صناعية كبرى برأسمال وطنى. كل هؤلاء خاطروا وأسسوا شركات جديدة نجحت. المخاطرة فى حدود مهمة للمجتمعات لأنها تعنى التجديد. يجب أن نغير من ثقافة مجتمعنا ونجعل من كلمة مخاطرة كلمة نتقبلها بإيجابياتها وسلبياتها. كيف نريد تنمية وإنشاء شركات جديدة بدون مخاطرة؟ لماذا أقول ذلك فى معرض حديث عن تآكل مؤسسات الدولة. أقوله لأن الجهاز المركزى للمحاسبات يتحمل جزءا من الجمود الذى نعيشه فهو كمراجع يقوم بدور هام وفعال ولكن فى بعض الأحوال تتسبب ملاحظاته فى تقليل الرغبة فى التجديد فى هذه المؤسسات. وبدون تجديد فى المعدات والوسائل ونظم الإدارة تشيخ المؤسسات ولا نواكب التطور وتصبح غير فاعلة. إن مراجع الحسابات لن يرى التجديد الذى نجح ولكنه سوف يكتب ملاحظات عن «إهدار المال العام» عند كل محاولة تجديد فشلت. ولتقريب الأمر للقارئ فلنتصور أن مدير صندوق استثمار قام بشراء 10 أسهم، ربح فى سبعة وخسر فى ثلاثة. وحقق متوسط عائد 14% هل ممكن أن نحاسبه على الأسهم الثلاثة التى خسرت؟ وإذا حاسبناه على ذلك خلال عام هل هناك تأثير لذلك على قراراته المستقبلية؟. إن دراسة الموضوع قبل اتخاذ القرار يقلل من المخاطر ولكن لا يلغيها. وعلى الجهاز المركزى للمحاسبات مراعاة عدم الحكم بأثر رجعى. المعيار يجب أن يكون صحة القرار فى حينه وبالمعلومات المتاحة وفى الوقت المتاح. مسألة الوقت المتاح هذه مهمة. فليس كل مرة نتخذ فيها قرارا يكون لدينا فسحة كافية من الوقت. فطبيب الطوارئ مثلا عليه اتخاذ قرارات فى جزء من الوقت وبالمعلومات المتاحة لديه. وقد يكون قراره مختلفا لو كان لديه وقت أكثر لإجراء فحوصات أدق. وفى الاقتصاد كما فى الطب فإن القرار يجب ألا يتأخر عن موعده. ومع ذلك يجب أن نعلم أن كل محاولة تجديد أو إنشاء شركات جديدة نجحت أمامها محاولات لم تنجح ويجب أن نتقبل ذلك. فالناس لا تتكلم عن عدد الشركات التى فشلت وأفلست. ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية نسبة نجاح الشركات الجديدة لا تزيد على 10% (دراسة حقيقية). وحتى العظيم طلعت حرب نفسه دفع ضريبة مخاطراته وسوء حظه بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية فتم إقصاؤه من بنك مصر عام 1940 بسبب أزمة سيولة واجهت بنك مصر وتوفى بعدها بعام. والسؤال الآن لو ظهر طلعت حرب جديد فى القطاع العام هل سيستطيع العمل؟ وماذا سيقول عنه الرأى العام؟ وكيف سيتعامل معه الإعلام؟ والأهم كيف سيتعامل معه الجهاز المركزى للمحاسبات؟ مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن تجديد مؤسسات الدولة تحمل تبعات الفشل فى بعض الأحيان هو جزء من الحل.