• طبيب نفسى: ضحية التحرش تمر بمرحلة من الذهول والإنكار قبل الشعور بالرغبة فى الانتقام «لم أشعر سوى بتنميل شديد فى جسدى، ودخلت عربة المترو المخصصة للسيدات منهارة من فرط البكاء، غير مصدقة ما حدث». مها، تعرضت لتحرش جماعى فى محطة المترو الذى تستخدمه كوسيلة مواصلات يومية، وهى تقوم بتغيير الخط فى محطة «الشهداء» أو «محطة الجحيم»، كما وصفتها، نظرا لتكرار حالات التحرش الجماعى بها بسبب الزحام الشديد، بعد إغلاق محطة السادات لدواع أمنية منذ نحو أربعة أشهر. ضحية التحرش تمر بمرحلة من الذهول والإنكار أو البكاء وعدم التجاوب، بحسب الدكتور أحمد البحيرى، استشارى الطب النفسى، الذى أكد أن ردة فعلها تتغير وفقا للسن والتجربة الشخصية ومدى مساندة الأسرة، بعد ذلك تغضب وتشعر أكثر بالإهانة والرغبة فى الانتقام، وربما تلوم نفسها وتصاب بالاكتئاب. وقد ينتابها القلق من تكرار الحادثة وتصبح استباقية فى العدوان مع أى شخص أو موقف يذكرها بها. «ضد التحرش، تحرير بودى جارد، امسك متحرش، التحرش بالمتحرشين، فؤادة واتش، ولاد البلد».. كلها أسماء لمبادرات لا حصر لها انطلقت مؤخرا للتصدى للظاهرة والدفاع عن الفتيات. لكن رغم حملات التوعية وتواجد شباب هذه المبادرات والحملات فى الشارع، على الأقل من حين إلى آخر، تزداد حالات التحرش، ما بين تحرش جماعى فى المظاهرات، إلى المواصلات العامة، مرورا بالفاعليات الفنية كحفل محمد منير الأخير بالعين السخنة. • الزحام يؤدى للعنف ويفقد الإنسان جزءا من اهتمامه بمن حوله ويزيد من أنانية الفرد • منسق «شفت تحرش» يطالب بتطبيق القانون وتحصيل غرامات «ستجلب للدولة أموالا لا بأس بها» أعضاء حركة «شفت تحرش» في محاولة للتوعية داخل محطة الشهداء - تصوير: هبة الخولي يقول أيمن ناجى، مؤسس حركة ضد التحرش: «منذ شهرين تلقينا أول شكوى عن حالات التحرش الجماعى بمترو (الشهداء) وقمنا بتصوير الزحام فى هذه المحطة، ونشرنا الصور على مواقع التواصل الاجتماعى لتحذير النساء، ولكن بمرور الوقت تلقينا بلاغات عدة عن التحرش الجماعى بالمكان نفسه، ومنها حالة واحدة شاهدها أحد أعضاء الحملة.. لكن مع الزحام لم يتسن له الوصول للضحية». ثوانٍ معدودات، لكنها تمر كسنوات طويلة.. إحساس متكرر لدى ضحايا الزحام. على رصيف المترو، اتجاه الجيزة بمحطة «الشهداء»، كانت تنتظر القطار القادم، ومع إعلان صفارات الإنذار والإشارات الحمراء عن وصوله، تدافعت كتلتان من البشر أمام الباب الزجاجى، تمهيدا للنزول أو الصعود. «فوجئنا بمجموعة من الرجال تخرج من العربة المجاورة لمجرد لمس كل ما تطاله أيديهم من اجساد النساء، تعالى صراخنا ولكن دون جدوى فأمن المترو غير موجود سوى عند ماكينات التذاكر»، هكذا تروى «س.» قصتها مع التحرش. يحلل د. أحمد البحيرى ثقافة الزحام، موضحا كيف تؤدى للعنف وسهولة الاستثارة والغضب والتنافس وتجعل كل فرد بالكاد يذهب للطريق الذى يريده فلا يتدخل فيما حوله مهما رأى من مشاكل أو تحرش. ويضيف: «الزحام يفقد الإنسان جزءا من اهتمامه بمن حوله ويزيد من أنانية الفرد، فالشخصيات المضطربة يظهر عدوانها أكثر فى الزحام، فى شكل تحرش وبلطجة أو سرقة». ظاهرة التحرش لها علاقة بالتفكير الجمعى فى لحظة معينة، كما يؤكد المتخصصون، فيظن الفرد أنه فى الزحمة ممكن أن يفعل أى شيء، بل ويتحرك كالقطيع. وحتى لو تواجد أحد أفراد الحملة للدفاع عن الفتاة، فالمتحرش يدعى أنه أخوها أو أحد أقاربها ويحول دون إنقاذها بموافقة كل من حوله، كما يشرح أيمن ناجى، بناء على مشاهداته خلال عمله فى حركة «ضد التحرش». ويرى أيضا الدكتور أحمد البحيرى أن فى التحرش الجماعى استهتارا عاما بالقانون وتغييرا فى مفاهيم الترفيه التى تتخذ شكل المطاردة أو تحرش جماعى فى الأماكن العامة، ومنها محطات المترو خاصة فى غياب أفراد الأمن. تروى سيدة مثلا كيف حاولت الاستغاثة بأمن المترو، لكنها لم تجدهم حولها. بحثت عنهم حتى عثرت عليهم عند بوابة العبور. وهى تقول: «شكوت لضابط شرطة، لكنه لم يعر اهتماما لكلامى. وعندما بدأت فى الصراخ فى وجهه، تحرك متثاقلا وأعطى أوامره لأمن المترو بالنزول بالعصى الكهربائية لتفريق تلك المجموعات، وهم يعرفون بعضهم البعض ويعرفون ماذا يفعلون وما هو الوقت المناسب لذلك». حركة «ضد التحرش» مثلا أرسلت رسالة بالبريد الإلكترونى لإدارة المترو وأرفقت بها كم الشكاوى التى تلقتها، ولكن بحسب الناشط أيمن ناجى كل ما فعلوه هو التنويه فى الإذاعة الداخلية على عدم ركوب الرجال لعربات السيدات، رغم أن الكثير من حالات التحرش تتم على الرصيف. مشكلة أخرى تعوق عمل الناشطين ضد التحرش هى القبض على أعضاء المبادرات والحملات عند قيامهم بتعطيل المترو لإرغام الرجال على النزول من العربة التى يحدث بها التحرش. وهى واقعة تعرض لها بالفعل أعضاء حملات مختلفة، وتم التحقيق معهم فى قسم عابدين وإخلاء سبيلهم. فتحى فريد، منسق حملة «شفت تحرش»، يؤكد من جانبه على ضرورة تطبيق القانون وتحصيل الغرامات على التحرش الجنسى الذى سيجلب للدولة أموالا لا بأس بها، مشيرا إلى أن وظيفة أمن المترو حاليا تقتصر على التفتيش الذاتى وتفتيش الحقائب أو اكتشاف وجود مفرقعات. ويعلق محمد إبراهيم، منسق حملة «امسك متحرش»: «غياب الوازع الدينى هو عنصر من عناصر مشكلة التحرش، طبعا بالإضافة إلى التربية والتعليم والثقافة. أصبحت هذه الأخيرة عبارة عن أغنيات وأفلام هابطة، ورغم وجود اتجاه مناهض لأفلام السبكى مثلا، إلا أنه بلا جدوى عند الناس حتى لآن». التحرك الموسمى كما يحدث خلال الأعياد والمظاهرات الحاشدة لا يكفى، فلخلق حالة من النفور المجتمعى يجب التحرك بشكل دائم، كما يوصى الدكتور أحمد البحيرى، موضحا: «المجتمع مازال يعتبر التحرش أمرا شخصيا، وليس مشكلة مجتمعية، ومازال يتعامل مع التحرش على أنه مشكلة الفتاة وأسرتها، وعلى أفضل تقدير مشكلة تربية». وبالتالى حتى إشعار آخر.. التحرش مستمر.