نعود إلى البدايات: إذا كانت نظم الحكم غير الديمقراطية تعول، بجانب الممارسات والأدوات القمعية، على تشويه وتزييف الوعى لصناعة التأييد الشعبى أو فرض الصمت تأييدا على المواطنات والمواطنين أو إخماد رغبتهم فى الحصول على المعلومة ومعرفة حقيقة الأوضاع فى الدولة والمجتمع المعنيين، فإن النظم هذه والنخب المسيطرة عليها والمستفيدة منها تواجه دوما خطر انحسار فاعلية تشويه وتزييف الوعى حين تتوالى الإخفاقات ويكتشف فساد الوعود (على تنوعها من وعد التقدم والرخاء مرورا بوعد الأمن والأمان إلى وعد العدالة والمساواة) ويتبلور تدريجيا إدراك بعض القطاعات الشعبية بأن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات تذهب بعدالة الدولة وبتماسك المجتمع وسلمه الأهلى وفرص المواطن فى وجود يحفظ كرامته الإنسانية. حينها يعمد معظم النظم غير الديمقراطية، وذلك لغياب عقلانيتها ورشادتها السياسية، إلى توظيف المزيد من الممارسات والأدوات القمعية وإلى تصعيد عمليات تشويه وتزييف الوعى العام بإطلاق موجات التكفير (الفاشيات الدينية) والتخوين (الفاشيات العسكرية والدول الأمنية) وتعميم الاتهامات والتهديد بالعقاب الجماعى باتجاه القطاعات الشعبية المعارضة وغير المؤيدة، بل وكذلك تلك التى تظهر فقط بعض أعراض عدم الارتياح لانتهاكات الحقوق والحريات. ويواصل الزج بالنظم غير الديمقراطية إلى متوالية القمع تشويه وتزييف الوعى انحسار التأييد الشعبى اللعين، فعل النخب السياسية والاقتصادية والمالية المسيطرة عليها التى يغيب عنها حتى الحد الأدنى من الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية وتتحلق حولها (وتعتاش عليها) مجموعات المتورطين القدامى والجدد فى صناعتى النفاق وتشويه وتزييف الوعى. تاريخيا وفى بعض الخبرات المعاصرة، خرجت نظم حكم غير ديمقراطية عن هذه المتوالية اللعينة وأوقفت نزيف الدولة الغائب عنها العدل والمجتمع المفتقد للسلم الأهلى عبر الانفتاح على إصلاحات ديمقراطية تدريجية وتطبيق نماذج متنوعة للعدالة الانتقالية جوهرها القضاء على انتهاكات حقوق الإنسان والحريات ومحاسبة المتورطين بها وقبول نخب الحكم لشراكة حقيقية مع بعض المعارضين فى إطار سيادة القانون وتداول السلطة (بعض دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية). إلا أن أغلبية النظم غير الديمقراطية، هكذا تثبت العلوم السياسية، لا تستطيع للمتوالية اللعينة فكاكا، وتغرق الدولة والمجتمع فى غياهب أزمات لا تنتهى، وتفرض عليهما التخلف والفقر وعدم الاستقرار والعنف والتمييز والاضطهاد، أى نقيض كل وعود البداية الزائفة والفاسدة. غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر