الآن.. رابط نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها رسميًا (استعلم مجانًا)    بعد ارتفاعها 400 جنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    واشنطن تطلب من مواطنيها مغادرة لبنان فورًا    حزب الله يعلن استهداف قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق حيفا    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    يوسف أيمن: جماهير الأهلي الداعم الأكبر لنا.. وأفتقد محمد عبد المنعم    خالد جلال: قمة الأهلي والزمالك لا تخضع لأي لحسابات    أحمد فتحي يوجه رسالة مؤثرة إلى جماهير الأهلي بعد اعتزاله.. ماذا قال؟    «عيب اللي قولته واتكلم باحترام».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على أحمد بلال    عاجل- أمطار ورياح.. تحديثات حالة طقس اليوم الأحد    أستاذ مناخ: نتوقع حدوث السيول في فصل الخريف بنسبة 100%    نقل آثار الحكيم إلى المستشفى إثر أزمة صحية مفاجئة    إسماعيل الليثى يتلقى عزاء نجله بإمبابة اليوم بعد دفن جثمانه ليلا بمقابر العائلة    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    أحمد سعد يعلن عودته لزوجته علياء بسيوني.. ويوجه رسالة للمطلقين (فيديو)    احتفالية كبرى بمرور 100سنة على تأسيس مدرسة (سنودس) النيل بأسيوط    اليوم.. محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة بالمرج    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 سبتمبر بعد الانخفاض بالبنوك    الدفاعات الإسرائيلية تحاول التصدي لرشقات صاروخية أطلقها حزب الله.. فيديو    وزير الدفاع الأوكراني: الغرب وعدنا بأموال لإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة    الموزب 22 جنيهًا.. سعر الفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    أحمد شكري: كفة الأهلي أرجح من الزمالك في السوبر الإفريقي    لاعبو الأهلى يصطحبون أسرهم خلال الاحتفال بدرع الدورى 44.. صور    مواجهة محتملة بين الأهلي وبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال إفريقيا    وزير الشباب والرياضة يشيد بحرص القيادة السياسية على تطوير المنظومة الرياضية    عاجل.. بدء حجز وحدات سكنية بمشروع «صبا» للإسكان فوق المتوسط بمدينة 6 أكتوبر    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأوزبكستاني أوجه التعاون وعلاقات البلدين    الخارجية الأمريكية تطالب رعاياها بمغادرة لبنان    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    نشأت الديهي: الدولة لا تخفي شيئًا عن المواطن بشأن الوضع في أسوان    نشأت الديهي: الاقتصاد المصري في المرتبة ال7 عالميًا في 2075    صيادلة المنوفية تُكرم أبنائها من حفظة القرآن الكريم    محمد حماقي يتألق في حفل بالعبور ويقدم «ليلي طال» بمشاركة عزيز الشافعي    «موجود في كل بيت».. علاج سحري لعلاج الإمساك في دقائق    جثة أمام دار أيتام بمنشأة القناطر    اندلاع حريق بمحال تجاري أسفل عقار ببولاق الدكرور    خبير يكشف عن فكرة عمل توربينات سد النهضة وتأثير توقفها على المياه القادمة لمصر    الصين وتركيا تبحثان سبل تعزيز العلاقات    محافظ الإسماعيلية يناقش تطوير الطرق بالقنطرة غرب وفايد    رئيس شعبة بيض المائدة: بيان حماية المنافسة متسرع.. ولم يتم إحالة أحد للنيابة    شاهد عيان يكشف تفاصيل صادمة عن سقوط ابن المطرب إسماعيل الليثي من الطابق العاشر    استدعاء ولي أمر يرفع لافتة كامل العدد بمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي ال14    أخبار × 24 ساعة.. طرح لحوم مجمدة ب195 جنيها للكيلو بالمجمعات الاستهلاكية    احذر تناولها على الريق.. أطعمة تسبب مشكلات صحية في المعدة والقولون    نشرة التوك شو| انفراجة في أزمة نقص الأدوية.. وحقيقة تأجيل الدراسة بأسوان    د.حماد عبدالله يكتب: "مال اليتامى" فى مصر !!    5 أعمال تنتظرها حنان مطاوع.. تعرف عليهم    خبير لإكسترا نيوز: الدولة اتخذت إجراءات كثيرة لجعل الصعيد جاذبا للاستثمار    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    الحكومة تكشف مفاجأة عن قيمة تصدير الأدوية وموعد انتهاء أزمة النقص (فيديو)    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتقادات السبعة للمادة 219
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 09 - 2013

صدر دستور سنة 2012 وقد احتفظ بين نصوصه بالمادة الثانية منه كما هى بذات عباراتها الواردة فى دستور سنة 1971 المعدل التى تنص على أن:
«الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»
ومن ثم فقد أفصح الدستور عن تمسكه بمبادئ الشريعة الإسلامية كأحد أهم الثوابت الدستورية التى تميز نظامنا الدستورى والإبقاء عليها كأحد الأعمدة الأساسية التى لاقت قبولاً اجتماعاً عاماً من جميع أفراد المجتمع على اختلاف ثقافاته وتوجهاته السياسية والدينية والاجتماعية، مؤكدة اعتبار الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وهو الأمر الذى يوجب وحسب تفسير المحكمة الدستورية العليا على المشرع أن يتحرى فى تشريعاته جميع الأحكام قطعية الثبوت والدلالة كالتزام دستورى قطعى عليه، بل واعتبرت مخالفة المشرع لهذا الالتزام بمثابة مخالفة دستورية توجب القضاء بعدم دستورية النص المخالف للأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة، أما فى غيرها من الأحكام الشرعية والتى يتسع فيها الاجتهاد لأكثر من رأى؛ فإن للمشرع أن يتخير من الاجتهادات المختلفة ما يلائم الصالح العام بشرط أن بلتزم بضوابطها الكلية، ودون أن يعطل مقاصدها الشرعية، مستهدياً فى ذلك بقواعد الاجتهاد الشرعى المبينة فى علوم الفقه، وأصوله.
إلا أن دستور سنة 2012 استحدث نصا برقم (219) أراد به أن يفسر هذا الالتزام الدستورى على نحو يخرج به عن التفسير المعتمد لنص المادة الثانية أو يتوسع فى فهمه:
«مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة»
ولقد كان هذا النص موضع انتقادات عديدة بما يطرح على مائدة البحث مسألة جدوى التمسك به ونحن فى مقام إجراء تعديلات على نصوص هذا الدستور. ويمكن لنا أن نجمل الانتقادات الموجهة لهذا النص فى الآتى:
أولاً: اعتراض شكلى يرتبط بموقع هذا النص، فإذا كنا بصدد نص مفسر لنص المادة الثانية من الدستور فإن المنطق القانونى كان يستوجب أن تكون هذه المادة فقرة ثانية للمادة الثانية من الدستور بحسبان أنها تفسر مدلولاً ورد فى الفقرة الأولى منه، من ثم كان تأخيرها إلى باب الأحكام الختامية من الدستور أمراً غير مبرر.
ثانياً: هناك تناقض واضح بين أحكام المادة الثانية والمادة (219) من الدستور، فمعلوم أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى جزء من أحكام الفقه الإسلامى، إلا أن المادة (219) أعادت تعريف مضمون مبادئ الشريعة الإسلامية لتشمل المصادر التى عددها النص، وهذه المصادر هى المصادر التى يستقى منها جميع الأحكام الشرعية، سواء منها ما كان يعد من مبادئ الشريعة الإسلامية، أم تلك التى لا تعد من هذه المبادئ ومن ثم فقد ثار التساؤل بصدد ما إذا كان هذا النص أراد تعديل نص المادة الثانية من الدستور بإضافة كافة الأحكام الفقهية المستخلصة من المصادر المعينة به، أم أراد مجرد تحديد المصادر التى يستقى منها الحكم الشرعى الذى يعد من مبادئ الشريعة الإسلامية دون غيره من الأحكام الشرعية؟
والحق أنه لا يمكن فهم هذا النص ودوافعه إلا فى ظل الحوار المجتمعى المصاحب لوضعه، فقد كان هذا النص موضع جدل كثير وخلاف عميق فى المجتمع، فقد ذهب توجه اجتماعى إلى وجوب قصر دلالة مصطلح المادة الثانية من الدستور «مبادئ الشريعة الإسلامية» على المبادئ العامة كالحرية والعدالة والمساواة، وجميعها مبادئ عامة تتفق فيها جميع الأنظمة القانونية الحديثة فى العالم، دون المبادئ التشريعية المميزة للشريعة الإسلامية والتى تعد من قيمها الأساسية بما لا يحتمل الخلاف عليها.
ومن جهة أخرى، فقد برز اتجاه آخر أراد أن يجعل أحكام الشريعة الإسلامية وليس مبادئها فقط هى المصدر الرئيسى للتشريع ومن ثم فقد استقر هذا الرأى على استبدال عبارة «أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» بعبارة «مبادئ الشريعة الإسلامية» الأمر الذى يجعل كافة أحكام الشريعة الإسلامية سواء منها قطعية الثبوت والدلالة أم غيرها من الأحكام المصدر الرئيسى للتشريع بما يلقى التزاماً على المشرع بعدم مخالفتها وإلا وقع تحت طائل مخالفة أحكام الدستور، وقد قيل فى تبرير هذا إن أغلبية الأحكام الواردة فى كتب الحديث النبوى الشريف غير قاطعة الثبوت والدلالة بما يفوت واجب تطبيق تلك الأحكام، ويحل المشرع من واجب سن شريعات منفذة لها فيما لو اقتصر هذا الالتزام على مبادئ الشريعة الإسلامية وحدها.
إلا أن هذا الرأى لم يلق قبولاً لدى قطاعات واسعة فى الرأى العام فى مصر حتى أن المغالين منهم قالوا إن هذا النص سيؤدى إلى حتمية التحول إلى دولة دينية خالصة تأخذ بنظام ولاية الفقهاء، الأمر الذى استدعى حلاً وسطاً حاصله الإبقاء على عبارة مبادئ الشريعة الإسلامية كما هى، مع إضافة المادة المفسرة لها برقم (219)، وذلك بتعريف مقصود مبادئ الشريعة الإسلامية على النحو السالف البيان، وهو الرأى الذى تبناه دستور 2012، وكان بدوره موضع نقد، حاصله ابهام المعنى الذى أتى به هذا الدستور، إذ يتعذر الوقوف على نحو قاطع عما إذا كان نص المادة 219 قد أضاف حكما آخر إلى المادة الثانية أم قدم تفسيرا لها.
ثالثاً: إن حقيقة الخلاف بين كلا الفريقين كان موضوعه تحديد كم أحكام الشريعة الإسلامية التى يتعين على المشرع أن يعتبرها مصدراً رئيسياً للتشريع، فكان نص المادة الثانية يقصرها على مبادئ الشريعة الإسلامية فقط، حال أن الفريق الآخر يرى مدها إلى مجمل أحكام الشريعة الإسلامية سواء ما كان منها مبدأ متفقاً عليه عند أهل الفقه، أم كان موضع خلاف بينهم وتشعبت بشأنه الاجتهادات.
وعلى تقدير حمل نص المادة (219) محمل التفسير فإن هذا النص المفسر لنص المادة الثانية هو على التحقيق لا يقدم أكثر من مناهل استقاء هذه المبادئ دون أن يتضمن توسعة فى نطاق الأحكام المطبقة منه ومن ثم فهو لذلك عديم الفائدة، وبافتراض أن هذا النص يقرأ بدلالة التشريع أى اضاف حكما جديداً بانضمام هذه المصادر بكل ما حوته من أحكام متفق عليها ومختلف بشأنها إلى دائرة مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن ذلك يخرج نص المادة الثانية عن محتواها ومضمونها بما يعد إضافة حكم جديد لها بطريقة ملتوية، وهو أمر يناقض مبدأ الشفافية، ويرد مورد الخداع.
رابعا: أن هذا النص على فرض اعتباره موسعاً لمضمون مبادئ الشريعة الإسلامية ليتضمن الأحكام الخلافية فى الفقه الإسلامى، فإنه لم يتضمن أى معيار للقواعد التى تحكم عمل المشرع عند الاختيار بين الاجتهادات المختلفة فى المسألة الواحدة من مسائل الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإنه دون ضابط يحكم طبيعة هذا الالتزام، أو بعبارة أخرى فإن القراءة الموسعة لنص المادة ألقى التزاماً مفرغاً من أى مضمون على المشرع، فحيث كانت المسألة موضوع اختلاف فقهى، فإنها تكون بكل هذه الاختلافات مطروحة على المشرع ليأخذ منها كيف شاء (219) لا تصلح لأن تقدم جديداً طالما أنها لم تحدد الأساس الذى يبين للمشرع كيفية تنفيذ هذا الالتزام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها لا تقدم جديداً لأن هذه الأحكام كانت مطروحة على المشرع من قبل دون نص، وله حق الاختيار من بينها دوماً وفقاً لما يراه أصلح للمجتمع.
وقد يتبادر إلى الذهن أن هذا النص أوجب مرجعية المناهل الإسلامية للحكم الشرعى دوماً، وهو ما يتقدم خطوة إلى الأمام فى شأن الأحكام المختلف عليها دون إخلال بالحق فى الاجتهاد وفقاً للقواعد الشرعية، وتوضيحاً لذلك يمكن قراءة هذا النص على نحو يلزم المشرع فى المسائل الاختلافية غير قطعية الثبوت والدلالة بالاختيار من بين الاجتهادات المعروضة فى هذه المصادر دون غيرها، وعدم تعديها إلى ما دون ذلك، بيد أن هذا الرأى بدوره يبدو عديم الجدوى، إذ لو جاوز اجتهاد المشرع حدود الاجتهاد الشرعى فى المسألة الشرعية لكان بالضرورة قد خالف الأحكام قطعية الثبوت والدلالة، إذ لا يجوز للاجتهاد أن ينفلت من الضوابط الشرعية للشريعة الإسلامية وإلا كان مخالفاً للأحكام قطعية الثبوت والدلالة وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا (بشرط التزام المشرع بالاجتهاد فى حدود الضوابط الكلية للشريعة الإسلامية، ودون أن تعطل مقاصدها الشرعية)، ومن ثم فسوف نعود بالضرورة إلى الضابط الوارد فى المادة الثانية دون المادة (219) من الدستور الأمر الذى يجعل هذا النص الأخير عديم الجدوى.
خامساً: أن هذا النص، على النحو الذى صيغ به قد يؤدى إلى وصد باب الاجتهاد أمام المشرع على نحو يقصر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على سابق الاجتهادات الواردة فى المصادر المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة بما يحول دون الانفتاح على أوجه الاجتهاد الأخرى التى ترحب بها ذخيرة الفقه الإسلامى سواء فى ذلك اجتهادات علماء أهل السنة التى تتباين مع تلك الواردة عن أهل الاعتبار فى مذاهب أهل السنة والجماعة، أو علماء المسلمين فى المذاهب الإسلامية الأخرى والتى لا يجب تجاهلها، أو الانغلاق دونها من غير سند فى الشرع، وإذا كان الإمام أبو حنيفة النعمان ورد عنه أنه دارس العلم الإمام جعفر الصادق إمام الشيعة الاثنى عشرية مدة عامين، وقال فى ذلك لولا العامان لهلك النعمان، فى إشارة إلى استفادته من هذه المدارسة، فإن هذا النص الدستورى قد يؤدى لاستعلاق بعض من أبواب الفقه أمام المشرع من غير سند شرعى يجيز ذلك، ولنا أن نضرب على ذلك المثل فى أن المشرع المصرى قد أخذ بجواز الوصية للوارث والوصية الواجبة استناداً لأحكام هذا المذهب، وابتناءً على أدلته الشرعية الواردة فى القرآن والسنة ومن وافقهم من محدثى علماء أهل السنة دون ما حرج، ولا شك أن هذه الأحكام ستكون موضع مراجعة من المشرع فى ظل العمل بهذا القيد الوارد بهذا النص الدستورى إذا ما أريد تطبيقه بأمانة كاملة، وأن هذه المراجعة ستكون موضع عدم رضاء من قطاع واسع فى المجتمع، وعلامة على انغلاق آفاق شرعية رحبة بموجب نص دستورى.
سادسا: أن مراجعة الحوار المجتمعى الذى جرى قبل وأثناء إعداد هذا النص يكشف عن أنه صيغ على أثر انتشار فهم غير صحيح حاصله أن المحكمة الدستورية العليا تقصر مفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية على الأحكام قطعية الثبوت والدلالة وحدها وهو صحيح وأنها تقضى بعدم دستورية أى نص آخر يطبق أحكام الشريعة الإسلامية فى المسائل التى تحتمل الاجتهاد الفقهى وهو غير صحيح بالمطلق بل العكس هو الصحيح تماماً، إذ قررت المحكمة الدستورية العليا فى غير موضع مبدأ حاصله «وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها فى سنة 1980 من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادؤها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً.
ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها، على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور، تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ومبادئها الكلية، إذ هى إطارها العام، وركائزها الأصيلة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيوتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال. (حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى القضية رقم 5 لسنة 8 قضائية «دستورية» بجلسة السادس من يناير سنة 1996 الموافق 15 شعبان سنة 1416 ه. )».
ومن ثم فإن المحكمة الدستورية تخلص فى تطبيق نص المادة الثانية من الدستور إلى مبدأ حاصله:
(أ) أن مخالفة المشرع للمبادئ قطعية الثبوت والدلالة يعد مخالفة دستورية.
(ب) أن للمشرِّع أن يتخير من الأحكام الفقهية غير قطعية الثبوت والدلالة أحد الآراء الفقهية سواء أكان معبراً عن رأى أغلبية الفقهاء أو أحدهم شريطة أن يكون هذا الاجتهاد مبنياً على أسس شرعية منضبطة تلتزم بضوابطها الكلية، ودون تعطيل لمقاصدها الشرعية. وإذن فلا صحة البتة لما يزعمه البعض من أن المادة الثانية لا تكفل تطبيق أحكام الشريعة غير قطعية الثبوت والدلالة أو تقف عقبة دون ذلك إذا ما سعى المشرع إلى سن قوانين تطبقها، ولا صحة كذلك للزعم بأن المحكمة الدستورية العليا ترى أن نص المادة الثانية عقبة تحول دون تطبيق كافة أحكام الشريعة الإسلامية إذا ما قرر المشرِّع ذلك، فالأمر يعود إلى قرار سياسى من المشرع، وليس إلى عقبة دستورية.
والخلاصة، فإن المحكمة عندما قالت إن مبادئ الشريعة الإسلامية هى الأحكام القطعية الثبوت والدلالة لم تكن ترسم حدوداً لسلطة المشرع فى سن قوانين مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وإنما كانت ترسم حدود ولايتها هى فى رقابة المشرع فى تحرى مبادئ الشريعة الإسلامية فتراقبه إذا تجاوز الأحكام قطعية الثبوت والدلالة، ولا سلطان لها فى رقابة ما عدا ذلك من أحكام من الزاوية الشرعية دون إخلال بحق المشرع فى الاجتهاد فى هذه المجال كيف شاء طالما التزم بضوابط الشريعة الإسلامية الكلية، ولم يجاوزها، وتحرى مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، ولم يتضمن تشريعة ما يعد تعطيلا للمقاصد الشرعية. وأن نص المادة (219) لا يقدم جديداً فى هذا الشأن، ولا يدفع عن تطبيق الشريعة شيئاً.
سابعا: أن المشرع الدستورى لو كان قد نص فى المادة الثانية على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» لما كان قد قدم شيئاً جديداً لا يمكن بلوغه فوق النص الحالى، إذ ان العبرة حيث يختلف الاجتهاد الفقهى فى المسألة المطروحة لا تكون إلا بالمعيار الذى يتبناه المشرع للترجيح بين هذه الآراء، وبدون هذا المعيار سيعود الأمر إلى ما هو عليه، أى أن حرية الاختيار بين الأحكام الخلافية جق للمشرع دون رقابة ما، وهو ما عليه الحال فى ظل النص الحالى للمادة الثانية.
ومن جهة أخرى فإن وضع معيار لقواعد الترجيح حال الاختلاف من شأنه أن يجعل جهات القضاء الرقيب على صحة تطبيق أحكام الشريعة لتكون بمثابة الفقية الأكبر فى المجتمع، وهو أمر شديد الخطورة، إذ التسليم للسلطة القضائية بهذه المكنة شديدة الاتساع من شأنه أن يحل المرجعية القضائية محل المرجعية الشرعية، ويجعل لها اليد العليا فى هذا الأمر، وهو أمر لا يصب فى صالح المجتمع، فضلاً عن أن هذا المنطق يسند الاختصاص بالافتاء إلى غير أهله من المتخصصين فى العلوم الشرعية، كما يتنافى وطبيعة العمل الافتائى فى ظل الشريعة الإسلامية والذى يتسع إلى حق المجتهد فى أن يراجع نفسه إذا تبين له عدم صواب اجتهاده، أو إذا جد من الظروف الواقعية ما يوجب تغير الحكم، وهى آلية لا تتوافر للأحكام القضائية التى تصدر بحسبانها تعبيراً عن حقيقة مطلقة تحوز الحجية ويمتنع العدول عنها، الأمر الذى يؤدى إلى جمود الفقه الإسلامى بمجرد إصدار الأحكام المعروضة على القضاء بما يحول دون مراجعتها مرة أخرى ولو صادف محلها اجتهاد غير موفق أو غير ملائم.

الخلاصة
ونخلص من ذلك جميعه إلى أن نص المادة الثانية من الدستور وحده «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» يكفى لأن يكفل حسن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما لو أخلصت السلطة التشريعية فى ذلك، وأن نص المادة (219) لا يقدم أى جديد يضاف إلى ما تقرر فى نص المادة (2) الأمر الذى نرى معه إلغاءه.
وإذا كان هناك من حاجة لدى البعض للتيقن من انتفاء أية عقبة دستورية تحول دون تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما لو قرر المشرع ذلك فبالرغم من أننا صرحنا بعدم وجود ضرورة لذلك؛ فإننا نطرح صياغة نحسبها توافقية، بما قد يقرب هوة الخلاف بين الفريقين للمادة الثانية من الدستور، لتكون على النحو الآتى:
«الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
ويقصد بمبادئ الشريعة الإسلامية الأحكام قطعية الثبوت والدلالة.
ويجوز للمشرع فى غيرها من المسائل المتعلقة بالشريعة الإسلامية أن يتخير من الاجتهادات الشرعية ما يحقق الصالح العام، وله أن يجتهد بشرط أن يكون اجتهاده واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لايجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة.
والله من وراء القصد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.