أربع ساعات قضاها مازن أبوسمرة مع خمسين من رفاقه الفلسطينيين فى الأتوبيس، بنفس راضية اخترقوا الزحام القاسى من شارع الهرم إلى مستشفى فلسطين بمصر الجديدة، حيث بدأت الجالية الفلسطينية حملة تبرع بالدم لوزارة الصحة المصرية. «هذا يوم وطنى بالنسبة لنا»، مازن يدرس ماجستير علوم سياسية بالجامعة العربية، يعيش فى مصر من أربع سنوات تقريبا. كانت السفارة الفلسطينية قد أصدرت بيانا صحفيا، أعلنت فيه بداية حملة للتبرع بالدم، تقدمها الجالية الفلسطينية لبنوك الدم المصرية، فى أول مبادرة عربية من نوعها، تحت شعار «إعلان للتضامن، الشعب المصرى والفلسطينى، مصير واحد ودم واحد». الحملة بدأت يوم الثلاثاء الماضى، واستمرت ثلاثة أيام تحت إشراف وزارة الصحة. «أنا ماليش دعوة بالسياسة»، الرجل فتحاوى الميول السياسية، لا يبدى أى رأى فيما يحدث فى مصر، «احنا عارفين حدودنا هنا». يحكى مازن عن صعوبة الشهرين الأخيرين، حين بدأت حملة اعلامية وأمنية، تشير إلى تورط عناصر حماس فى قضايا الإرهاب، والعنف الداخلى فى مصر، عاش الفلسطينى وزملاؤه أياما من التوتر والإحباط، لاقوا فيها معاملة مختلفة من أهل الحارة التى يسكنها، وحتى من السائقين، «مرة بركب ميكروباص وبتكلم بلهجتى، السواق قالى انزل خلاص مابنركب فلسطينيين». حالة الاكتئاب والغربة التى عاناها مازن فى مصر بدأت تتحسن فى الفترة الأخيرة، «الأمور بقت أحسن، وتأكيدا على حبنا لمصر جيت أتبرع بدمى». د. محمود يحيى، طبيب بخدمات نقل الدم القومية، التابعة لوزارة الصحة، والمشرف على الحملة، يعتبرها مبادرة جاءت فى وقتها، «تعانى بنوك الدم حاليا من عجز شديد يصل إلى 30%، منذ بداية الأحداث العنيفة مؤخرا». وفى الوقت الذى تزيد فيه الأزمة، تقل فيه التبرعات، يوضح د. يحيى أن ناتج الحملة سوف يتم توريده إلى مستشفيات العريش، حيث نسبة العجز الأشد، وأحداث الدماء التى لا تنتهى فى المناطق القريبة فى سيناء. د. يحيى يناشد الجميع التبرع بالدماء، «ولو قلقان من التبرع فى الشوارع، ممكن تتبرع فى المراكز المتخصصة»، يحدد الطبيب ثلاثة أماكن مضمونة تابعة للوزارة، الأول جمعية خدمات نقل الدم القومية بشارع وزارة الزراعة بالدقى، والفرع الثانى بالعباسية والأخير بدار السلام، «وهناك هتتعمل لك كل الفحوصات قبل التبرع». ولكن ريهام محمد، فلسطينية والاسم مستعار، لا تنتظر نداء د. يحيى، ولا حملة السفارة للتبرع بدمها، «أول الأسبوع دا واحدة صاحبتى مصرية والدها عمل عملية رحت اتبرعت لها». ريهام فلسطينية الأصل، تعيش من سنوات طويلة بمنطقة رابعة العدوية بالقاهرة، لا تستطيع منع نفسها من التعليق على الأحداث، «أنا بكتب على فيس بوك بتاعى أنى ضد القتل، وضد التزوير، أنا شفت بعينى ناس بتموت، ما بتحدث فى سياسة، ولكنى أبحث عن الإنسانية». ومن هذا المنطلق تعبر ريهام عن رأيها، وتتجاهل تحذيرات الأهل فى غزة، ليكون شعارها «حماس لا تمثلنى، وفتح لا تمثلنى، أنا فلسطينية وبس».