فى حواره ل«الشروق»، أكد مستشار شيخ الأزهر الدكتور محمد مهنا أن القيم والأخلاق والسلوك هى أهم الأدوات لبناء الأمم، ودون ذلك وإذا لم يوافق الخطاب الدينى حقائق السلوك والفكر ولم يخطاب الأخلاق فهو دون جدوى ويصير كذبا وافتراء على الناس، كما يؤكد الأبعاد الثقافية والاعلامية والقانونية التى يجب أن توضع فى الاعتبار للقضاء على الفتاوى العشوائية: • ما تأثير الخطاب الدينى على الواقع السياسى؟ أود أن أشير قبل التحدث عن الخطاب الدينى إلى مشكلة أكبر وهى اختزال الدين الاسلامى بكل ما يحيونه من شئون للدين والدنيا ومنفعة للعباد إلى مجرد خطاب، فالإسلام ليس مجرد خطاب ولكنه عمل وتطبيق وإخلاص وممارسة وصدق، ولا يمكن أن تبنى الأمم بمجرد خطاب حتى لو كان دينيا، فالأمم تبنى بالعمل طبقا للمبادئ والقيم الدينية التى تشكل البعد الحضارى لأى أمة أو حضارة، وهذه القيم تكون فى السلوكيات والتى من خلالها تظهر فى واقع التطبيق العملى. وهكذا كان الاسلام منذ بدايته وكل الفترات التى كانت فيها الحضارة الاسلامية فى قمة مجدها كانت القدوة وحسن السلوك الاسلامى الذى هو أساس فى البناء اجتماعى قوى. ولم يبن النبى عليه الصلاة والسلام الحضارة الاسلامية من فراغ ولكن سبق ذلك 13 سنة من تربية أخلاقية عظيمة للصحابة على المبادئ التى جاء بها الاسلام وعلى الايمان والتوكل والصدق والصبر وتحمل الأذى والاستعلاء على الدنيا والمادة. وأؤكد أنه إذا لم يوافق الخطاب الدينى حقائق السلوك والفكر ولم يخطاب الأخلاق فهو دون جدوى ويصير كذبا وافتراء على الناس. • من وجهة نظرك كيف يتم تطوير الخطاب الدينى لجعله أداة تعمل مع باقى الأدوات لبناء الدولة؟ أعتقد أنه عندما تتوجه كل الأمة بكل الأفراد والمؤسسات والهيئات والتجمعات إلى مفهوم التربية والتطبيق العملى فى حياتها فسوف يأتى الخطاب الدينى معبرا عن حقيقة الاسلام، ويبتعد الخطاب عن كل الاتهامات التى يحظى بها الآن بأن يكون نفعيا وهوائيا يتماشى والمصالح السياسية، وبالتالى استغلال الدين فى تحقيق مكاسب دنيوية، وما ابتلينا فى زمان مثل ما ابتلينا فى هذا الزمان من استخدام الدين كحرفة أو أداة لجلب النفع والربح الدنيوى. • ومن خلال حديثكم نصل إلى نتيجة هامة وهى تقويض الفتاوى وإصدارها بطريقة عشوائية للمصالح والمآرب السياسية فما رأيك؟ بالنسبة للفتاوى فأعتقد أن لها ثلاثة جوانب، أولها جانب فكرى وثقافى، والثانى الجانب الاعلامى، والثالث الجانب القانونى. أما الجانب الفكرى والثقافى فأعتقد أنه على المستوى الثقافى يجب أن يتوافر فى أى شخص يتصدر للفتوى بأن يترسخ فى فكره ثقافة الورع عند التعرض للفتوى، خاصة أن النبى عليه الصلاة والسلام انتقل إلى الرفيق الأعلى وترك الصحابة رضوان الله عليهم علماء عظام، ولم يكن يتصدر أحد منهم الفتوى إلا القليل، لعلمهم بخطورة الأمر، فكانوا يخشون الله ويخافون ألا يصيبوا حينما يفتون الناس، مثل سيدنا عمر بن الخطاب حينما كان يتردد عليه الناس يطلبون منه فتاوى لأمور دنياهم، فكان يقول لهم اذهبوا لأمير المؤمنين أبى بكر الصديق وكفى لابن الخطاب ارتكابا للذنوب. فأين نحن من هذه الأخلاق، فهل يدرك من يتصدر الفتوى فى زمننا هذا أنه يفتى فى الأمور التى تكون بين الله عز وجل وبين عباده، فما بالنا من بعض المتشددين الذين وضعوا أنفسهم موضع الحاكم بأمره وجعلوا أنفسهم أوصياء على الناس يدخلون من شاء الجنة ويدخلون الباقى النار. أما مسئولية الاعلام فيجب أن تكون نابعة من التحرى من كل من يتحدث باسم الدين أو يخرج على الشاشات الفضائية ليفتى الناس فى أمورهم، فيجب ألا يؤخذ العلم إلا من أهله، والدين أيضا إلا من أهله. وفى رأى يجب أن تسن قوانين تجرم التصدر للفتوى لغير المتخصصين لوقف الفتاوى العشوائية ونشر الفتن والبلبلة بين الناس، وأن يتصدر فقط من أهل العلم والمتخصصين طبقا للقانون.