فوجئ المصريون بإعلان اثيوبيا فى مايو الماضى بتحويل مجرى النيل الازرق لبناء سد النهضة بعد انجاز حوالى 20% منه، وقد تم ذلك بدون انتظار تقرير لجنة الخبراء التى تضم كلا من مصر والسودان واثيوبيا وعددا من الخبراء الدوليين، وقد اصدرت تلك اللجنة لاحقا تقريرها الذى اشار لعدم استكمال الدراسات الخاصة بالتصميمات والدراسات الجيولوجية. وقد تعددت ردود الفعل حول انشاء سد النهضة، ومنها الحوار المذاع على الهواء مباشرة من رئاسة الجمهورية، وما ذكره البعض من تدمير السد أو الحرب لتوقع نقصان حصة مصر من مياه النيل التى تقررت وفقا لاتفاقيات الدولية وخاصته اتفاقية 1959 (55.5، مليار م3 سنويا). كما تابعنا ردود فعل عقلانية دعت إلى الحوار والتعاون فيما بين الدول الثلاث المعنية مباشرة، أى مصر والسودان واثيوبيا، وفى هذا الاطار جاءت زيارة وزير خارجية مصر لأديس ابابا يومى 16 و17 يونيو الماضى. وهكذا اخطأ الذين طرحوا خيار الحرب، وهو انتهاك لإحكام ميثاقى الأممالمتحدة والاتحاد الافريقى.
وأرى إن الخيارات المطروحة لمواجهة تحديات سد النهضة وغيره من السدود يجب أن تكون سلمية على المستويات الدولية والاقليمية والثنائية، اضافة للمستوى الوطنى.
●●●
أولا المستوى الدولى:
استبعاد استخدام القوة فى العلاقات الدولية بما فى ذلك لمواجهة الموقف الاثيوبى، فهى مخالفه لإحكام ميثاق الأممالمتحدة وفقا للمادتين الاولى والثانية والفصل السادس من الميثاق وخاصة المادة 33 فقره 1 التى تنص على إنه «يجب على اطراف أى نزاع من شأن استمراره أن يعرض السلم والامن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذى بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية... الخ.
اخطار السكرتير العام الذى له اختصاص وفقا للمادة 99 من الميثاق لتنبيه مجلس الامن لأية مسألة يرى انها قد تهدد السلم والامن الدوليين، كما ان السكرتير العام يرأس مجلس التنسيق لرؤساء الوكالات المتخصصة والبرامج والصناديق، لتنسيق المواقف، فعليه تحذيرها من التعاون مع اثيوبيا فى انشاء السد إلى ان يتم التوصل إلى تسوية توافقية بين الاطراف المعنية.
اخطار رئيسى مجلس الأمن والجمعية العامة بتطورات الموقف الذى يعد نذيرا لكوارث تقع على دولتى المصب ومنها مصر، بما فى ذلك انتهاك الحق فى الحياة للشعب المصرى وهو أقدس حقوق الانسان، مع احتمالات تزايد هجرة أو نزوح المصريين للخارج وتهديد السلم والامن الدوليين.
امكانية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتسوية هذا النزاع باعتبارها الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة. فقد نص الميثاق فى المادة 94 على أن «يتعهد كل عضو من اعضاء الأممالمتحدة بأن ينزل على حكم المحكمة فى أى قضية يكون طرفا فيها».
ثانيا المستويان الاقليمى والثنائى:
نظرا لأن اثيوبيا عضو فى الاتحاد الافريقى واللجنة الاقتصادية الافريقية، ارى ضرورة اخطار رئاسة القمة الافريقية ومفوضها والسكرتير التنفيذى للجنه الاقتصادية لأفريقيا بتطورات الموقف حول انشاء سد النهضة لتفعيل آلية تسوية المنازعات الافريقية وعرض الموضوع على مجلس السلم والامن الافريقى، والتحذير من تعاون اللجنة مع اثيوبيا فى انشاء سد النهضة ضمن برامج التعاون الفنى ودعم القدرات.
اخطار منظمة التعاون الدولى والتنمية OECD وبصفة خاصة لجنة المساعدات من أجل التنمية DAC» «بتطورات النزاع مع اثيوبيا حول انشاء سد النهضة والاضرار المتوقع حدوثها وتحذير الدول المانحة من التعاون مع اثيوبيا لتمويل بناء السد قبل تسوية هذا النزاع.
تعزيز التعاون الثنائى والاقليمى على مستوى افريقيا فى كافة المجالات ومنها صندوق التعاون الفنى مع افريقيا وزيادة مواردها والدخول فى تعاون ثلاثى بين مصر والاتحاد الاوروبى اليابان فى تنفيذ مختلف المشروعات التنموية فى دول حوض النيل ومنها اثيوبيا.
التعاون مع الكونغو الديمقراطية لحفر قناة تصل نهر الكونغو بمنابع النيل الاستوائية لتفادى ضياع مئات المليارات من المياه العذبة فى المحيط الاطلسى، وبالتالى اضافة المزيد من الموارد المائية لنهر النيل.
استئناف العمل فى استكمال قناة جونجلى التى توقف العمل فيها منذ سبعينيات القرن العشرين نتيجة الحرب فى جنوب السودان.
●●●
ثالثا المستوى الوطنى: ترشيد استخدام المياه العذبة وتنميتها ومنها:
الاقتصاد فى استخدام المياه العذبة وعدم اهدارها فى رش الشوارع ومنع تسربها.
مراعاة معايير البيئة على ضفاف النيل وفرض عقوبات رادعة لكل من يقوم بأنشطة من شأنها تلويث مياه النيل مع ما يترتب على ذلك من الاضرار بالصحة العامة والبيئة والثروة السمكية.
اعادة تدوير مياه الصرف الصحى باستخدامها بعد معالجتها فى الرى خاصة بالنسبة لزراعة القطن والتيل والزهور وغيرها.
التركيز على الزراعات التى لا تحتاج إلى الغمر فى ريها (الارز).
استخدام مياه البحر فى رى بعض الزراعات.
التوسع فى الرى عن طريق الرش والتنقيط، وقد بدأت مصر بالفعل فى ذلك استصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية.
اعطاء أولوية عند انشاء المحطات النووية لتحلية مياه البحرين الأبيض والاحمر واستخدامها فى الرى وزيادة الرقعة الزراعية باستصلاح المزيد من الاراضى والتوسع الرأسى فى انتاج المحاصيل.
كبير مفتشى منظومة الاممالمتحدة سابقا وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية