كانت تجلس على حجر بأحد شوارع وسط البلد محتضنة حقيبة صغيرة وفى يدها عدد من أجهزة المحمول من أحدث الطرازات وحولها شخصان يفاوضانها فى السعر وانتهى التفاوض مع أحدهما على بيع جهاز حديث بواحد على عشرة من سعر مثيله الأصلى.. انتظرت حتى انصراف زبائنها، وسألتها: هل لديك أدوية أشارت بيدها مستفسرة عن أى نوع قلت لها دواء بلافكس «دواء خاص بجلطات القلب سعره 240 جنيها» قالت الفتاة الصينية بما فهمته أن أنتظر وتحدثت على هاتفها المحمول مع أحد الأشخاص وشاورت 100 جنيه للعلبة 10 أقراص. إنها واحدة من مئات البائعات الصينيات اللاتى يعملن فى تجارة غير مشروعة الأخطر فيها تجارة الأدوية الصينية، وقد اختارت الصين أدوية غالية الثمن تقلدها فى شكل العبوة لا يقدر على شرائها محدودى الدخل من المرضى فعرضت منتجاتها بأسعار جاذبة للغاية على الأرصفة دون أى رقابة أو ملاحقة من أجهزة الدولة ليقع ضحايا ممن يفتقدن الوعى والمال قد يدفعون حياتهم ثمنا لذلك.
أرباح هائلة
الأدوية المزيفة انتشرت بشكل واسع فى مصر نتيجة الانفلات الأمنى لتضليل المستهلك المريض يقول محمود فؤاد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، موضحا أن مصر عرفت خلال ال4 سنوات الأخيرة انتشار الأدوية المزورة أو المقلدة خاصة الصينية، وأصبح الدواء يباع فى الشارع وفى مخازن الأدوية ثم الصيدليات الخاصة، مشيرا إلى أن نسبة الأدوية المغشوشة والمقلدة تمثل نسبة 20% من تجارة الأدوية فى مصر المقدرة ب6 مليارات جنيه، وأن الأدوية الصينية غير مصرح بها من قبل وزارة الصحة فهى تأتى مهربة توزع على الصيدليات باستهداف العقاقير المرتفعة الثمن فتقوم بتقليدها فى الشكل فقط، أما المضمون فلا علاقة له بالأصل
ويؤكد فؤاد أن المركز قام بجولات استمرت شهرين بدء من شوارع العاصمة حتى أقاصى الصعيد اكتشف خلالها العديد من الأدوية المقلدة مثل «بريفيبلوك فيل» المسئول عن تذويب الجلطات عبارة عن حقنة واحدة ثمنها 660 جنيها يُباع الصينى منها ب40 جنيها أيضا عقار «بلافكس» ثمنه 240 جنيها يُباع الصينى ب140 ودواء لعلاج حب الشباب يسمى «نوتيجاسون» سعره 230 يباع الصينى منه ب70 جنيها إلى جانب عشرات من أدوية المسكنات وعقاقير التخدير لتى لم تسلم من التقليد aethoxysklerol ثمن الحقنة 120 جنيها يباع الصينى ب40 جنيها واستخدامها يمثل خطورة كبيرة.
ويضيف أن المستوردين يقومون بتهريب تلك الأدوية عبر الجمارك دون فحص أو عبر الموانى الحدودية والربح الكبير يدفع البعض للاتجار فيها، وقال إن المركز أصدر نشرة يحذر من خطورة تلك الأدوية.
مخازن مشبوهة
تجارة الأدوية الصينية امتداد لظاهرة تهريب وغش الأدوية فى مصر، فالترامادول والمقويات الجنسية تباع على المقاهى وفى الإدارات الحكومية فى غياب رقابة وزارة الصحة بحسب سيف أمام الوكيل السابق لنقابة الصيادلة، مشيرا إلى أنه يتم بيع أدوية على الأرصفة على اعتبار أنها مقويات جنسية مستخرجة من مواد طبيعية وأعشاب صينية لكن بعد تحليلها يكتشف أنها مواد «مرشوش» عليها بودرة فياجرا ومادة «الافاتينين» التى تؤثر سلبيا على الجهاز العصبى، ويضيف أن الأدوية الصينية المقلدة يتم تداولها بمخازن الأدوية، ولا يوجد رقابة عليها رغم ترخيصها من وزارة الصحة أحيانا تأتى شكاوى لوزارة الصحة من وجود أدوية مقلدة بأحد المخازن لكن بمجرد نزول المفتشين فى حى ما يتم إغلاق المخازن به، ويعجز المفتشون عن ضبط الأدوية المغشوشة نتيجة قلة أعدادهم وقلة السيارت التى تساعدهم فى التنقل، مشددا على أهمية أن يكون للجان التفتيش خطة واضحة تركز على المخازن المشبوهة وتتخذ إجراءات حاسمة بغلقها، وأشار إمام إلى أن الوزارة اتخذت قرارا بتحجيم عدد المخازن التى توسعت بشكل كبير، وذلك بفرض شروط ومواصفات لاستخراج رخصة المخزن.
ويفجر «إمام» مفاجأة بقوله إن المفتش يعجز عن ضبط الأدوية المقلدة بالصيدليات لأنه لا يستطيع التفرقة بينها وبين الأصلى لتشابهما من حيث الشكل والتغليف معترفا بأن بعض الصيدليات تحصل على تلك الأدوية من المخازن لأنه يحصل على هامش ربح أعلى مما تمنحه شركات الأدوية فضلا على أن المخازن لا تصدر فواتير فلا يسدد الصيدلى ضرائب عن بيعه لهذه الأدوية، وهو الأمر الذى يغرى العديد من الصيادلة بالتعامل مع المخازن.
ويرى «إمام» صعوبة تتبع نقابة الصيادلة لظاهرة غش الدواء، وقال هناك: 50 ألف صيدلية فى مصر ونحو 2 مليار عبوة دواء تنتج سنويا يصعب تتبعها وتحليلها، فالمهم من وجهة نظره ضبط سلسلة تداول الدواء بدءا من المصنع وإحكام رقابة الجمارك وأجهزة الدولة على دخول هذه الأصناف.
قد تؤدى للوفاة
من جهته نفى أحمد السمان رئيس الإدارة المركزية لمكافحة التهرب الجمركى بوزارة المالية مسئولية الجمارك وحدها عن تسرب أصناف الدواء المقلد، مؤكدا احتمال الخطأ أو الإهمال البشرى لكن فى قضية الدواء هناك جهات أخرى يعرض عليها الأمر مثل إدارة شئون الصيدلة، مشيرا إلى أنه لا يتم الإفراج عن حاويات الأدوية إلا إذا كانت تلك الأدوية مسجلة ويتم فحصها فى المعامل المعتمدة فى ذات الوقت لا يستبعد السمان أن يتم تهريب كرتونة دواء داخل صندوق أو حقيبة، وهو ما يتطلب سرعة الاستعانة بأجهزة كشف الأشعة على الحاويات لضبط الأدوية المهربة المخالفة، وقال إن هذه الأجهزة سوف يتم توزيعها على المطارات والموانى وفقا لدرجة مخاطر التهريب وأضاف: لقد تم ضبط 245 مليون قرص ترامادول خلال عام 2012.
الدكتور محمد البهى نائب رئيس غرفة الأدوية باتحاد الصناعات يرى أهمية وجود بنية تشريعية قوية تواجه مافيا تجارة الأدوية المهربة لغلق منابع التهريب، وقال إن مصر مستهدفة بأدوية مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية قد تؤدى إلى الوفاة، مشيرا إلى أن شراء الأدوية فى دول العالم لا يتم إلا بوصفه الطبيب، بينما فى مصر يعرض على الأرصفة، ويؤكد إذا الدواء انتهت صلاحيته يتحول إلى سم، ويشير إلى أن بعض الصيدليات تحقق أرباحا خيالية من التعامل مع تلك الأدوية تفوق أرباح المخدرات، لافتا إلى تقدم الغرفة بطلب لوزير الصحة ونقابة الصيادلة بإنشاء هيئة تكون مسئولة عن إنتاج الدواء وتسعيره ومراقبته تتبع رئيس الجمهورية على غرار هيئة الدواء والأغذية فى السعودية فيما يؤكد إيهاب يوسف رئيس شركة ريسك فرى للاستشارات والمخاطر المتخصصة أن مباحث التموين المعنية بضبط تجار الأدوية على الأرصفة مشغولة بضبط السولار والدقيق، مشيرا إلى أنه تم ضبط الجمارك لحاوية منذ عامين بها أقراص «بلافكس» مصنع فى الصين وبها العبوات الفارغة استعدادا لتجميعها فى مصر كما تم بعدها ضبطت حاوية أخرى بها أقراص فياجرا صينية مستوردة لصالح إحدى البعثات الدبلوماسية، وشدد يوسف على أهمية توعية المواطنين وتحذيرهم من شراء الأدوية الرخيصة وإعداد قوائم سوداء بالصيدليات المشبوهة.