ولد رشدى سعيد بمدينة القاهرة فى حى شبرا، وبالتحديد فى منطقة القللى (1920م)، لأسرة قبطية متوسطة تعود جذورها إلى مدينة أسيوط؛ ثم انتقلت إلى القاهرة فى سبعينيات القرن التاسع عشر، وتلقى تعليمه ما قبل الجامعى بذات المنطقة، والتحق بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) فى عام (1937م)، وتخرج فيها فى عام(1941م)، بمرتبة الشرف الأولى، وسافر إلى مدينة زيوريخ بسويسرا فى بعثة علمية، ثم عاد إلى مصر وعين بعدها معيدا بكلية العلوم (1951م)، وقام بتدريس مادة الجيولوجيا، وتزامنت عودته إلى الوطن بعد ذلك مع الغليان الشعبى الذى سبق ثورة 23 يوليو 1952م، وتوافقت أحلام الجيولوجى الشاب مع أحلام وأهداف قيادات تلك الثورة، الذين كانوا أنفسهم من أبناء جيله. ويعد رشدى سعيد أول مصرى ينال درجة الدكتواره من جامعة هارفارد منذ أكثر من 60 عاما، وشغل منصب أستاذ بجامعة القاهرة كلية العلوم، فى الفترة ما بين عامى (1951-1968م).
وعندما ذاع صيته فى مصر والعالم فى علم الجولوجيا، أسندت الدولة له تولى إدارة مؤسسة التعدين والأبحاث الجيولوجية فى الفترة من ( 1968 1977م)، وهى التى ساهمت فى العديد من الاكتشافات التعدينية، التى مكنت مصر من التغلب على ما فقدته فى سيناء.
وقد قام الدكتور رشدى سعيد بعمليات مسح جيولوجى مع آخرين لمُعظم الأراضى المصرية: وادى النيل، والصحراء الشرقية والغربية، وسيناء. ولكن نهر النيل ظل حُبه الجيولوجى الأول، مع حُبه الإنسانى الأول لرفيقة حياته، أستاذة الفلسفة، دكتورة «وداد سعيد».
كما يعد الدكتور رشدى سعيد، أحد أبرز خبراء الرى وأحد العارفين بأسرار نهر النيل، وله العديد من المقالات والكتب، حول التعدين والرى والزراعة فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، وكان مشروعه الذى كرس له سنوات عمره، هو نهضة مصر، والارتقاء بالإنسان المصرى، ولذلك كان من أشد الرافضين للرئيس السابق «محمد حسنى مبارك» (1981-2011م) لمشروع منطقة توشكا (جنوب مصر).
ولقد تتلمذ على يده بطريق مباشر خلال حياته المهنية آلاف الطلاب، وأضعافهم بطريق غير مُباشر فى مصلحة الجيولوجيا التى انتدبه الرئيس عبدالناصر (1954-1970) من الجامعة لإدارتها، هذا فضلا عن مئات الآلاف عبر مصر والعالم العربى والعالم الذين أعجبوا به كشخصية عامة ليبرالية اشتراكية ديمقراطية. وكان الشباب المسلمون والأقباط فى مصر يتطلعون إلى هذه الشخصية المصرية المسيحية الملتزمة، التى لم يكونوا قد رأوا لها مثيلا منذ مكرم عبيد باشا، وسينوت حنا، وسلامة موسى.
وفى فترة الستينيات والسبعينيات، أتيحت له فرصة العمل السياسى كعضو فى مجلس الشعب وفى الاتحاد البرلمانى الدولى، لتشمله فى النهاية قرارات اعتقالات عام 1981م فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات (1970- 1981م وبالمصادفة المحضة كان يحضر مؤتمرا علميا بالخارج، حينما صدر قرار اعتقاله فى مصر، فلم يعد الرجل إلى الوطن، واستقر بالولايات المتحدةالامريكية منذ عام (1981)،وكان غالبا ما يأتى إلى مصر فى فترة الشتاء والخريف، وارتضى حياة الغربة، ليتغرب عن مصرنا الحبيبة.
ولدوره البارز فى مجال الدراسات الجيولوجية، منحه الرئيس المصرى الراحل «جمال عبد الناصر» (1954-1970م) وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عام ( 1962م)، كما منحته الجمعية الأمريكية لجيولوجى البترول جائزة الريادة لعام 2003 م، وذلك تقديرا لأعماله العلمية فى مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط، التى وصفتها بأنها فتحت آفاقا جديدة لتطبيق هذا العلم فى مجال البحث عن البترول فى المنطقة، ومنحه الرئيس المصرى السابق «محمد حسنى مبارك» (1981-2011م) قلادة النيل؛ لانجازاته فى مجال الدراسات الجيولوجية الخاصة بحوض النيل.
وترك لنا الدكتور رشيدى سعيد ثروة علمية فى مجال الدراسات الجيولوجية نذكر منها: ملاحظات تفسيرية فى اصطحاب خريطة مصر الجيولوجية، مصر المستقبل، المياه والطاقة والصحراء، جيولوجيا ما تحت سطح منطقة القاهرة، رحلة عمر ثروات مصر بين عبد الناصر والسادات، التطور الجولوجى لنهر النيل «نهر النيل نشأته واستخدام مياهه فى الماضى والمستقبل».
وكان رشدى سعيد عاشق النيل دائما ما يدعو السلطة الحاكمة، منذ أكثر من نصف قرن بالتحرك والاندماج والتعاون وعقد الاتفاقيات مع دول حوض النيل؛ لأن الحرب القادمة هى (حرب المياه)، وكنا لا نأخذ هذا التنبؤ مأخذ الجد، ولكن يبدو أن الأزمة الأخيرة توحى بدقة تلك التنبؤات، ولكن لا تزال الفرصة أمام المسئولين أن يبادروا باحتواء الأزمة، وإعادة النظر فى تحديث المؤسسات الخدمية الجيولوجية التى تتعلق بذات الأزمة،ومن أقواله المأثورة حول ذات المشكلة يقول: «لابد أن نستيقظ وننهض ونبادر، فالأمر جد خطير».
أما حياته الاجتماعية فكان متزوجا من الدكتورة «وداد سعيد» وهى أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الامريكيةبالقاهرة (سابقا)، وأنجبت له كريم وسوسن، وله العديد من الأحفاد والحفيدات، بالولايات المتحدةالامريكية،وظل طوال حياته يخدم وطنه، حتى رحل عن عالمنا الفانى فى يوم الأحد الموافق 9 فبراير 2013م، عن عمر يناهز 93 عاما.