• انتهت الانتخابات وانتهى فرز الأصوات، وبقى بنيامين نتنياهو فى الحكم، وسيواصل توليه منصب رئاسة الحكومة، مع تغيير طفيف فى الشعارات التى رفعها. فخلال الحملة الانتخابية كان شعار نتنياهو: «رئيس حكومة قوى وحزب كبير»، أمّا اليوم فهو يتحدث عن «حكومة موسعة ومستقرة»، مع بقاء سائر الأمور على حالها، إذ سيبقى بيبى كما هو، وستبقى رؤيته للعالم كما كانت عليه، وكذلك خبرته وأهدافه. • لم تتغير تقديرات نتنياهو للوضع، ولا السياسة المترتبة على ذلك، وهو سيظل يعتقد، كما كان قبل الانتخابات، أن إسرائيل عرضة لخطر متزايد بسبب تفكك الدول المجاورة وسقوطها فى أيدى الحركات الإسلامية. وهو كان، ولا يزال، مقتنعا بأن كل أرض ستنسحب منها إسرائيل ستتحول إلى «قاعدة للإرهاب الإيرانى»، وما زال يعتبر أن وقف المشروع النووى الإيرانى قبل التوصل إلى صنع القنبلة، هو مهمة تاريخية.
•••
• عشية الفوز فى الانتخابات كرر نتنياهو هذه الشعارت المعروفة، وتعهد بتحقيق «القوة الأمنية»، ومنع السلاح النووى الإيرانى، كما وعد بتحمّل «المسئولية الاقتصادية»، و«المسئولية السياسية فى السعى نحو السلام الحقيقى» والمعنى الفعلى لهذا الكلام أن الجمهور اختار بقاء نتنياهو فى منصبه كى يواصل النهج الذى كان ينتهجه، فالميزانية الأمنية لن تُقلص، ولن تنشأ دولة فلسطينية فى الضفة الغربية، ولن يجرى إخلاء أى مستوطنة، ولن تُفرض ضرائب من أجل إعادة الحياة إلى سياسة الرفاه التى جرى القضاء عليها.
• الأمر الوحيد الذى أضافه نتنياهو إلى قائمته هو مطلب «المساواة فى توزيع العبء» (المقصود عبء الخدمة الإلزامية فى الجيش أو القطاع المدنى)، وتخفيض أسعار الشقق. هذا هو الوعد الذى قطعه من أجل انضمام يائير لبيد إليه، لكنه تجاهل مطالبة لبيد بإدخال تعديلات على نظام الحكم لا ترغب فيها الأحزاب الحريدية، وبهذه الطريقة لمّح نتنياهو إلى هذه الأحزاب أنه لا ينوى إبقاءها خارج الحكومة، وأنه لن يُدخل حزب يش عتيد بدلا منها إلى حكومته.
• لقد أثبت نتنياهو فى ولايته الأولى أنه لا يتحرك إلاّ بضغط شعبى أو أمريكى فقط. فقد خفّض أسعار الهواتف الخليوية، وأقام الجدار على الحدود مع مصر، واستعاد جلعاد شاليط، بسبب الضغط الشعبى الداخلى. كما جمّد الاستيطان عشرة أشهر، وامتنع من مهاجمة إيران، بسبب تخوفه من ردة فعل الرئيس باراك أوباما. بيد أن نتنياهو خصص كامل طاقته من أجل المحافظة على «الاستقرار»، والحؤول دون حدوث هزّات سياسية تهدد بقاءه فى الحكم، أو إعادة انتخابه. ولدى تفحّص النتائج يظهر لنا أنه نجح فى تحقيق ذلك، إذ على الرغم من الحملة الانتخابية الفاشلة التى خاضها، والضربة التى تلقّاها حزبه.
•••
• فى صناديق الاقتراع، فإن ذلك لم يؤد إلى زعزعة الأسس التى يقوم عليها حكمه. وها هو الآن يسعى لتخفيض الثمن الذى يطالب به حلفاؤه من أجل الانضمام إلى الائتلاف الجديد، ويعمل على تشكيل قاعدة واسعة تمنع أيا من المشاركين فى الائتلاف من إسقاطه. وتتركز جميع المساعى الآن على هذا الهدف: من التسريبات بأن سارة نتنياهو «فرضت فيتو على نفتالى بينت» (زعيم حزب البيت اليهودى الذى كان خلافه مع زوجة رئيس الحكومة سببا فى مغادرته الليكود قبل أكثر من عام)، والعناق مع لبيد، والتصريحات بشأن الوضع الطارئ فى الشمال. لقد دخل نتنياهو إلى المفاوضات السياسية من موقع قوة، بينما لبيد والحريديم متساوون فى قوتهم، والخلافات القائمة بينهم تمنعهم من التحالف ضد نتنياهو.
•••
• يحظى نتنياهو اليوم بتأييد 63 عضو كنيست (ليكود بيتنا، والأحزاب الدينية، وشاؤول موفاز) وهو بحاجة إلى لبيد، وربما أيضا إلى تسيبى ليفنى، وذلك للقيام بالدور الذى كان يقوم به إيهود باراك فى مواجهة أوباما، وفى مواجهة مطالبة اليمين المتطرف بضم المناطق «المحتلة» وبالاستيطان، والتى من شأنها تعميق عزلة إسرائيل الدولية. لكن لكل شىء ثمن، ولبيد الضعيف لا يستطيع أن يفرض على نتنياهو مشروعه الرامى إلى فرض الخدمة المدنية على العرب والحريديم. ومن هنا لا حاجة حقيقية إلى تطبيق «المساواة فى تحمل العبء» باستثناء التوصل إلى صيغة ترضى محكمة العدل العليا (التى أوقفت العمل بقانون طال الذى يعفى التلامذة المتدينين من الخدمة العسكرية)، وهذا ما يعرفه أيضا السياسيون الحريديم. ولذا، يأمل نتنياهو بأن الحريديم سيقتنعون وسيوقعون أى صيغة من دون مضمون حقيقى تتعلق بقانون الخدمة الإلزامية، كى لا يخسروا المساعدات الحكومية المخصصة للأولاد، ولتمويل اليشيفوت وتعليم التوراة.
• إن الظروف تعمل لمصلحة نتنياهو، ويبقى أن ننتظر لنرى إلى أى حد سينجح فى توظيفها فى خدمته.