يشهد الأردن أول انتخابات بعد أن امتد الربيع العربي إليه وسط مطالبات ودعوات للإصلاح والتغيير لوضع الأردنيين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية شديدة في بلد موارده قليلة. وبالرغم من أن مساعي الحكومات الأردنية المتعاقبة إلى الاستمرار في استراتيجية التنمية فإن الكثير من الأردنيين يرون أن هذه الخطط تضيف أعباء اقتصادية عليهم.
فموقع الأردن الجغرافي الذي حتم عليه أن يكون بين دول عربية ملتهبة بصراعاتها السياسية من جانب، والاستقرار السياسي الذي يتمتع به بفعل دوره المحوري في عملية السلام والتوازن الإقليمي في الصراع مع إسرائيل من جانب آخر جعله بلدا آمنا للمنفيين والنازحين من دول الجوار.
قد أضاف هذا عليه عبئا آخر من الهموم الاقتصادية التي انعكست بشكل كبير على حياة المواطن العادي.
بطالة وفقر
وفي ظل هذه المعطيات التي لا يمكن أن يتجاوزها المواطن الأردني في حياته اليومية حيث البطالة، وضعف إمكانية الدولة في الحد من الفقر، وارتفاع الأسعار، وشح المحروقات، التي أصبحت الورقة الأكثر تحكما في تفعيل الغليان الشعبي، تقفز على السطح عوامل متشابكة، منها حراك الفعاليات السياسية والإسلامية تحديدا.
فهناك دور جماعة الأخوان المسلمين التي شكلت على الدوام خصومة مع النظام.
ثم هناك قضايا أخرى تتعلق بالفساد المالي والإداري الذي طال شخصيات في أعلى المناصب في الدولة وقيادتها.
وهناك شبكات فساد من أصحاب المال المستورد، وهذا كله أمر أحرج الملك والحكومة معا، بالرغم من إيقاع عقوبات قضائية عالية المستوى بالضالعين فيها.
هذه وقضايا أخرى طعنت في ثقة المجتمع الأردني في نظامه وإسلوب معالجاته لقواسمه المشتركة في العيش بكرامة وأمل نحو مستقبل بات مجهولا، كما يصفه الكثير من الأردنيين.
مشاركة وعزوف ويجمع الاردنيون، وهم يخوضون انتخابات نيابية جديدة بعد حل البرلمان، ودعوة العاهل الأردني إلى مزيد من الإصلاحات استجابة للاحتجاجات التي طافت البلاد عقب ثورات الربيع العربي، لكنهم غير واثقين من أن العملية الانتخابية ستنتج هيئة تشريعية قادرة على معالجة مشاكل البلاد الصعبة.
ويشكك أبناء الشعب في عدم جدية الدولة في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، وهو الأمر الذي قسم المجتمع الأردني بين مشاركة وعزوف، بل إن البعض اعتبر أن ما يجري مهرجان وليس عملية جراحية سياسية.
العشائرية والمناطقية يتسم المجتمع الأردني بعدم تعدد المذاهب والأعراق باستثناء بعض العرقات ومنها الشركس والشيشانيون، أو تعدد الأديان ومنها المسيحية التي لا تشكل معادلة فارقة أجمعها للتقسيم والتضاد مع مكوناته الأساسية.
وبالرغم من ذلك فإن الشعور بالعشائرية والمناطقية تشكل عاملا مفصليا في الحياة الأردنية الاجتماعية والسياسية، إذ يتخذ البعض ذلك أحينا كنوع من المباهاة والوجاهة، أو لإثبات الولاء إلى النظام الهاشمي حينا آخر.
مهرجان انتخابي عندما تسير في شوارع عمان تجد المرشحين تواقين لبلوغ هدفهم وجميعهم يتنافسون على نيل مقعد من المئة وخمسين مقعدا في مجلس النواب الأردني.
فتصدح في خيامهم الموسيقى والشعارات الرنانة وحلم الوجاهة، وهو ما يعزف عنه المواطن المسحوق الذي لا يرى في هذه الانتخابات سوى مهرجان ستطوى معالمه بعد صدور النتائج وصعود الفائزين الى قمة يتعذر على المواطن البسيط بلوغها لطرح أنينه.
برلمان فيسبوكي ومع الرغبة في المشاركة في الانتخابات والعزوف عنها، أسس شباب أردنيون صفحة على الفيسبوك وشكلوا برلمانا افتراضيا، وقوائم اتخذت من بعض مداولاتهم الشعبية أسماء لها لا تخلو من التندر والفكاهة مثل: قائمة الحوتة، والجرة، والجيرة، والهنود الحمر، والجميد، وهو حجر صلب من لبن الماعز المجفف الذي يشتهر الأردنيون بوضعه على مناسف الأرز واللحم البلدي
وتعبر أسماء قوائم عن الخيبة الممزوجة بالضحك، وربما يكون هذا عامل دفع لتسليط الضوء على انتخابات ما زال يرى فيها المؤمنون بالعملية الانتخابية سبيلا وحيدا للوصول إلى ما يطمحون إليه.